"المكتبة الحيّة": منصة تفاعلية تقرب ألمانيا من ثقافات العالم

يتيح برنامج "تقاطع الثقافات"، الذي ينظمه معهد العلاقات الخارجية الالماني، فرصة للشباب المتطوعين أو المهنيين للحصول على تجربة مهنية من خلال الإقامة لمدة ثلاثة شهور في بيئة ألمانية ثقافية مختلفة والانخراط بالعمل داخل مؤسسات مستضيفة ذات طابع إعلامي وثقافي أو بيئي. الصحافية وصال الشيخ تعرفنا ببرنامج "المكتبة الحية"، التي يعد مساحة تفاعلية لتغيير الصور النمطية ووجهات النظر.

الكاتبة ، الكاتب: وصال الشيخ

تتيح ألمانيا فرصاً عديدة للشباب من دول عربية ودول أوروبا الشرقية وروسيا وآسيا، كذلك للشباب اللاجئين داخل ألمانيا للمشاركة في برامج ثقافية وعلمية بمؤسساتها.

من هذه البرامج، برنامج "تقاطع الثقافات" الذي ينظمه المعهد الثقافي التابع لوزارة الخارجية الألمانية إلى جانب برامج فنيّة أخرى ممولة. ويتيح هذا البرنامج بالذات فرصة للشباب المتطوعين أو المهنيين للحصول على تجربة مهنية من خلال الإقامة لمدة ثلاثة شهور في بيئة ألمانية ثقافية مختلفة والانخراط للعمل بمؤسسات مستضيفة ذات طابع إعلامي وثقافي أو بيئي أو في مجال حقوق إنسان والقانون.

البرنامج المموّل من طرف وزارة الخارجية، ينظم أيضا تدريبات ولقاءات متنوعة للمشاركين، يُخصص بعضها للتحدث مباشرة مع الجمهور الألماني، من أبرزها فعالية "المكتبة الحيّة" التي أطلقتها المشاركتين في البرنامج، كاترينا ميرز، التي حصلت على تدريب في القاهرة، وميشيل ريوش.

تعكس عادة هذا البرامج الخطاب العام، الذي تتبناه ألمانيا حول التعايش والانفتاح وقبول الآخر، ونتيجة المشاكل التي صاحبت استقبال اللاجئين كالإرهاب وانتشار الإسلاموفوبيا، أصبحت الحاجة مُلّحة لفتح منافذ مختلفة للحوار، وكانت فعالية "المكتبة الحية" أنموذجاً لمنصة حوار جمعت مشاركين (كتب) وألمان (قُرّاء) لتبادل الآراء وكسر بعض الصور النمطية.

هُويات ثقافية متعددة

حمل المشاركون في "المكتبة الحيّة" هُويات ثقافية متعددة، من أذريبيجان وأرمينيا وباكستان، لبنان وفلسطين، إيران، المغرب، كذلك تركيا وألمانيا، واحتضنت الفعالية مكتبة المعهد الرئيسية المتخصصة بالسياسات الثقافية والتعليمية الألمانية والعلاقات الدولية.

السوداني عمر خلف الله بابكر يعمل مديرا تنفيذيا لمنظمة "أبواب" المتخصصة في مجال تنمية الشباب بالسودان، وعضو مؤسس للجمعية السودانية للطاقة الشمسية مع مصممة الأزياء التقليدية زهراء امبير خان من باكستان.
السوداني عمر خلف الله بابكر يعمل مديرا تنفيذيا لمنظمة "أبواب" المتخصصة في مجال تنمية الشباب بالسودان، وعضو مؤسس للجمعية السودانية للطاقة الشمسية مع مصممة الأزياء التقليدية زهراء امبير خان من باكستان.

وتعتبر مكتبة معهد العلاقات الخارجية الالماني، الـ"إيفا"، المكتبة الوحيدة المتخصصة بالثقافة الألمانية الخارجية والسياسات التعليمية والعلاقات الدولية ذات الطابع الثقافي، وتحتوي المكتبة على ما يقارب (430 ألف) كتاب وألف مجلة.

تساهم المكتبة بخدمات استعارة الكتب بالتعاون مع المكتبات الوطنية والدولية، وتتجه أهدافها لما هو ثقافي دبلوماسي واستخدام القوة الناعمة في اللغة السياسية والعلاقات العلمية والعملية للتواصل المتعدد الثقافات، وتنشر إصدارات دولية محكمّة في هذه العناوين.

ما هي المكتبة الحيّة “living book”؟

أطلقت فكرة المكتبة الحيّة كاترينا ميرز وميشيل ريوش، تقول ريوش: "جاءت الفكرة بعدما صادفت امرأة مسلمة بالنقاب في السوبرماركت ولديها أطفال يتحدثون اللغة الألمانية بطلاقة، كنت أود التحدث معها لكنني لم أستطع، لذلك فكرت بمنصة تجمعنا بمثل هؤلاء الناس"، وبادرت إلى ذلك كاترينا ميرز لإتاحة فرصة للحوار متعدد الثقافات.

تقوم فلسفة المكتبة على إمكانية استعارة القرّاء لكتاب معيّن لفترة من الوقت، وهذه الكتب عبارة عن أشخاص لهم علاقة بالمعهد الثقافي لوزارة الخارجية وبرنامج "تقاطع الثقافات".

المغربي نور الدين بلحبيب، يعمل في ميدان الهجرة وحقوق الإنسان ومنسق لبرنامج "مدرسة العيش المشترك" بمدينة وجدة شرق المغرب، تستضيفه مؤسسة في برلين حالياً.
المغربي نور الدين بلحبيب، يعمل في ميدان الهجرة وحقوق الإنسان ومنسق لبرنامج "مدرسة العيش المشترك" بمدينة وجدة شرق المغرب، تستضيفه مؤسسة في برلين حالياً.

وإلى جانب معرفتهم وقصصهم الحياتية والمهنية، يحمل كل كتاب (مشارك) هُوية خاصة به يمكن أن يتحدث عنها، هكذا يمكن للحوار أن يفتح زوايا ورؤى جديدة، وتعتبر "المكتبة الحية" مساحة لتغيير الصور النمطية ووجهات النظر.

ماذا قالت الكتب؟

شارك في فعالية "المكتبة الحيّة" السوداني عمر خلف الله بابكر. يعمل بابكر كمدير تنفيذي لمنظمة "أبواب" المتخصصة في مجال تنمية الشباب بالسودان، وعضو مؤسس للجمعية السودانية للطاقة الشمسية.

يقول عن تجربته في "المكتبة الحية" لموقع "قنطرة": "لقد أدهشتني الآراء المشتركة تجاه مواضيع مشتركة ومبادئ أخلاقية عدة، لم يكن النقاش لتغيير الأفكار فقط بل للتبادل الفّعال للأفكار والرؤى"، مردفاً: "الحوار دائما يقود إلى نهايات إيجابية وهذه الأشكال من الحوار بالطبع لها تأثير عميق في إزالة سوء الفهم وبناء أرضية أخلاقية مشتركة".


وُيعدّ بابكر من المشاركين في برنامج "تقاطع الثقافات" الذي يجده بمثابة "تجربة مشابهة لمجال تخصصه أو اهتمامه، وهي تجربة غنية ثقافياً واحترافياً".

وحول انطباعاته عن العيش في بيئة ثقافية مغايرة يقول: "تجربة غنية ذات إضافات من ناحية المهارات العملية والثقافية" يضيف بأنّ: "المجتمع الألماني متشبّع بثقافة حديثة وانفتاح ملحوظ".

إحسان حسين زاده من إيران

"يمكن القول بأنني تعلمت آليات جديدة حول العمل بحقل حقوق الإنسان والحياة الحديثة، لأنّ إيران ينقصها التمدن في هذا المجال" كما يقول إحسان حسين زاده من إيران، يردف: "من الأفضل تعلّم اللغة الألمانية لأنّ معظم الألمان لا يعجبهم بالتحدث بالإنجليزية، وقد مررت بتجربة سيئة في هذا الشأن، إضافة إلى أنّ الحياة فردية هنا مقارنة مع المجتمع الإيرانيّ".

وحول استفادته من "برنامج تقاطع الثقافات" يُعبّر عن "استياءه من المؤسسة المستضيفة التي لم تقدر عدم قدرته على التحدث بالألمانية مما دعاه للبحث عن مؤسسة أخرى" يقول: "كنت أطمح للعمل مع مؤسسات دولية ولم تتح الفرصة. ليس هذا ما أريد لكنّها ليست تجربة سيئة".

السوداني عمر خلف الله بابكر يعمل مديرا تنفيذيا لمنظمة "أبواب" المتخصصة في مجال تنمية الشباب بالسودان، وعضو مؤسس للجمعية السودانية للطاقة الشمسية.
السوداني عمر خلف الله بابكر يصف انطباعاته عن العيش في بيئة ثقافية مغايرة قائلاً: " هذه تجربة غنية ذات إضافات من ناحية المهارات العملية والثقافية"...."المجتمع الألماني متشبّع بثقافة حديثة وانفتاح ملحوظ".



فعاليات مثل "المكتبة الحية" قد تجمع الناس في نقاشات مفتوحة وصحية حول قضايا عالقة أو صور نمطية متبادلة، يقول حسين زاده: "بالتأكيد، هذه فرصة لتقريب الثقافات ومعرفة الطرف الآخر، ولكنها تحتاج لتسويق جيد وأفراد مهتمين".


تمكنّ حسين زاده خلال الفعالية من مقابلة خمسة قُرّاء، بعضهم جاؤوا للتعرف على إيران وتصويب آرائهم فيما يتعلق باللغة والدين والأقليّات ومواقف الشعب الإيراني تجاه سياسة حكومته.

يقول حسين زاده: "ما زالت فجوات كثيرة وعالقة بين الثقافات، نحن لا نعرف شيئاً حيال بعضنا البعض. الإيرانيون لا يعرفون، كيف يعيش اللاجئون الأفغان في بلادنا، واحتمال أنّ الألمان لا يشعرون حيال أوضاع السوريين بالطريقة الصحيحة". مُردفاً "يحتاج الناس للتواصل والتفاعل بطريقة إيجابية، وأعتقد أنّ الفنّ يمكنه ذلك".

"ليس كل ما يلمع ذهباً"


المغربي نور الدين بلحبيب، يعمل في ميدان الهجرة وحقوق الإنسان ومنسق لبرنامج "مدرسة العيش المشترك" بمدينة وجدة شرق المغرب، تستضيفه مؤسسة في برلين حالياً. يقول عن العمل والإقامة في ألمانيا أنّها "أسهل بالنسبة للأشخاص المتعلّمين ذوي الخبرة العلمية والعملية ومتمكنون من اللغة الألمانية" مضيفاً: "لم أجد صعوبة بالتواصل باللغة الإنجليزية، خاصة أن برلين مدينة ذات ألف لغة".


يُميّز ألمانيا "البنيات التحتية، التي تتيح للمرء قضاء مآربه بشكل أفضل مما هي عليها بالمغرب" وفق بلحبيب، الذي يرى أنّ "النقل أهم ما يُتاح لبلد تريد التقدّم أو الركون لما دون ذلك".


لكنّ "ليس كل ما يلمع ذهباً" كما يرى بلحبيب: "هناك ألمانيون عاديون يعتبرون أن كلّ عربي لاجئ وهذه أحكام مسبقة أو مسلّمات لديهم، إلّا أن تغيير أفكارهم عن فعاليات مثل "المكتبة الحيّة" كان مُجدياً رغم محدودية الجمهور المقبل على المكتبة".


شارك بلحبيب بالفعالية، قائلاً: "إلمامي بموضوع الهجرة أتاح لي فرصة شرح الفرق بين ما هو مهاجر ولاجئ". لذلك أعتبر "المكتبة الحية فكرة جيدة بحدّ ذاتها وتحتاج لدعم وتعميم لتقريب الألمان من الآخرين وتعزيز الاندماج والتعايش".

مكتبة تتعدى حدود الثقافات في بلد عربي

باتجاه آخر، أوضحت سحر أبي رهيف من لبنان أنّ "العدد الأكبر من القُرّاء كانوا يعرفون عن بيروت لكنّهم اعتقدوا أنه بلد غير آمن مما أوجب التوضيح، وأضافت لهم أن لبنان يتشكلّ من 18 طائفة، مما أثار دهشتهم". لذلك تجد أبي رهيف أنّ "التواصل بين الأشخاص بمثل فعالية المكتبة أمر لا يمكن إيجاده في المؤتمرات مثلاً بحيث يلعب المحاضر دور المتلقي والمحاضر ممّا يسهّل عملية التواصل".

تطمح المحامية اللبنانية سحر أبي رفيه أن تنتقل "المكتبة إلى عالمنا العربي بين أناس من أديان وخلفيات اجتماعية مختلفة".
تطمح المحامية اللبنانية سحر أبي رفيه أن تنتقل "المكتبة إلى عالمنا العربي بين أناس من أديان وخلفيات اجتماعية مختلفة".



وتطمح سحر أن تنتقل "المكتبة إلى عالمنا العربي بين أناس من أديان وخلفيات اجتماعية مختلفة".

"الانفتاح والتحضر والتوق لمعرفة الآخر" أهمّ ما عايشته أبي رهيف خلال إقامتها بألمانيا حتى الآن.

لم تكن ردود أفعال القُرّاء أقلّ اندهاشاً من الكتب، لقد علّق كل قارئ تعليقاً عند نهاية مناقشته لأحد الكتب، من هذه الردود جاء: "لقد تمكنت من معرفة مجتمعات ودول لا ترد أو لا يتحدث عنها الإعلام الألماني"، "كان اكتشاف الأشياء المشتركة بيننا ممتعاً خاصة فيما يتعلّق بأوضاع اللاجئين/ المهاجرين والصور النمطية تجاه اللاجئين والنساء المحجبّات".

جاء أيضاً: "سعيدة بالتعرّف على أن كلّ بلد لديها ثقافات متعددة والأفراد لديهم قصصهم الخاصة"، "تحدثنا عن أوضاع النساء في أذريبيجان وكانت المفاجئة عندما علمت أنّ أوضاعهنّ لا تتأثر كثيراً بالإسلام".

 

وصال الشيخ

حقوق النشر: قنطرة 2017