ومن ناحية أخرى فإنه قد خلق لنفسه خلال هذا الوقت أيضًا أعداء كثيرين في داخل بلاده، ينتظرون فرصتهم ويتشمَّمون الآن الرياح الخلفية والدعم من واشنطن. غير أنَّ كلَّ هذا يشبه قراءة فنجان القهوة العربية، ويشبه التنجيم سابقا حول ما كان يحدث داخل الكرملين في الاتحاد السوفييتي. فمثلما كان يوجد في الماضي مراقبون للكرملين، يوجد اليوم مراقبون أمريكيون للأسرة المالكة السعودية. ولكن لا أحد يعرف إن كان هؤلاء المراقبون محقين فعلًا في تقييماتهم الخاصة.
لا تزال لدى محمد بن سلمان بعض الأوراق الرابحة
ولكن ماذا عن محمد بن سلمان نفسه؟ في البداية سيحاول ولي العهد القوي الابتعاد عن كلِّ هذا والانتظار حتى تمر العاصفة والقافلة الإعلامية ويُوَجِّهها من جديد إلى عناوين إعلامية بارزة أخرى. فولي العهد السعودي لا تزال توجد لديه أيضًا بعض الأوراق الرابحة. وهذه الأوراق لا تشمل فقط النفط والصفقات بالمليارات مع شركات صناعة الأسلحة الأمريكية. وهو يعلم أيضًا أنَّ هناك حاجة إليه كشريك من أجل إنهاء الحرب المشؤومة في اليمن.

ثم لا تزال توجد لديه أكبر ورقة رابحة: من الممكن أن يُعلن بن سلمان عن أنَّه سيحدو حدو الإمارات العربية المتَّحدة ويُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على أمل تمكُّنه عندئذ من تحويل نفسه بين ليلة وضحاها من منبوذ إلى محبوب للغرب وجعل قتل خاشقجي يصبح طيّ النسيان. ولكنها ورقة رابحة لا يستطيع اللعب بها بسهولة بسبب المعارضة الداخلية المتوقَّعة داخل المملكة.
ومهما كان ما سيحدث خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، فإنَّ الحكَّام السلطويين العرب الآخرين سيراقبون ذلك عن كثب. فعلى قائمة المواطنين السعوديين الممنوعين من دخول الولايات المتَّحدة الأمريكية لا يوجد فقط أشخاص يتم ربطهم بقتل خاشقجي وفقًا لتقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بل يوجد من بينهم أيضًا أشخاص عملوا ضدّ معارضين آخرين وناشطين حقوقيين في السعودية. وهي قائمة بإمكان واشنطن أيضًا وضعها للعديد من الأنظمة العربية الأخرى، وعلى الأرجح أنَّها باتت الآن تسرق النوم من عيون بعض العرب المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان.
لقد ولَّت وانقضت تلك الأيَّام، التي منح فيها دونالد ترامب السلطويين العرب تذكرة مجانية لمواصلة انتهاكاتهم لحقوق الإنسان واعتبر بعضهم بشكل علني "ديكتاتوريِّه المفضلين". ويبقى أن ننتظر لنرى إن كان جو بايدن قد غيَّر فقط لهجته تجاههم وبات يفضحهم لفظيًا هنا وهناك أم أنَّه سيُترجم كلماته إلى أفعال.
وذلك لأنَّ البترودولارات المتدفِّقة من الخليج استطاعت بالفعل استرضاء بعض الرؤساء الأمريكيين وتهدئة مزاجهم تجاه السلطويين العرب وقد تم إصلاح العديد من الخلافات بالمال.
وماذا عن السلطويين العرب أنفسهم؟ لقد كانوا دائمًا في الوقت ذاته على قَدرين كبيرين من الهشاشة والشدة غير المعقولة.
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021