بعد حادثة رفض دفن ضحية كورونا
مصر: دعوات للتضامن الإنساني ورفع الوصمة عن ضحايا كورونا

وصمة مجتمعية تلاحق ضحايا كورونا حتى إلى مثواهم الأخير. مع تفشي وباء كورونا في مصر -كغيرها من بلدان العالم- ومع وقوع إصابات ووفيات جديدة تزداد مخاوف الناس وتتسع ظاهرة الوصم والتنمر في أوساط مجتمعية مصرية على المصابين بالفيروس والمتوفين به وذويهم، بل حتى على المشتبه بإصاباتهم، خصوصا في مناطق تغيب فيها التوعية الصحية الكافية ولا تثق بالخطاب الإعلامي الصحي. محمد مجدي والتفاصيل من القاهرة.

لم يكن يخطر على بال سيد نصر أن يطاله فيروس كورونا ويتسلل لنحو 45 شخصاً من أفراد عائلته. بل لم يتخيل أيضاً أن يرفض أهل قريته شمال العاصمة المصرية القاهرة دفن جثمان جدته "غالية" التي توفيت متأثرة بمرض كوفيد-19.

ذهب سيد وابن عمه ليدفنا جدتهما، فوجدا ما لم يكن بحسبانهما. تصدى لهما أهل قريته ببهتيم في شبرا الخيمة (شمال القاهرة). ويضيف المواطن المصري في هذا السياق: "لم نستطع دفنها فسافرنا بها إلى مسقط رأسها بمحافظة الغربية (93 كم شمال القاهرة) فرفض أهل القرية في السنطة هناك أيضاً، ظناً منهم أنها قد تنقل لهم العدوى، إلا أن تدخلت الشرطة وتصدت للأهالي حتى وُوريت الثرى".

رغم ما فعله الأهالي، إلا أن سيد الذي يخضع وزوجته للعلاج بمستشفى كفر الزيات المخصصة لمصابي كورونا، يقول: "ألتمس لهم العذر بسبب جهلهم"، ثم أضاف: "لم نفكر يوماً في أن نسبب أذى لأحد، فمن المؤكد أننا لا نتعمد في أن نعدي أي شخص".

بعد وفاة الجدة، خضعت الأسرة ومخالطيها لفحص الفيروس حتى تبين إصابة 45 شخصاً من العائلة بينهم سيد وزوجته، فيما لحق عمه بجدته.

 

سيد نصر: "التمس لجيراني العذر بسبب جهلهم". - مصر
سيد نصر: "التمس لجيراني العذر بسبب جهلهم".

 

يُذكر أن مصر سجلت حتى 11 / 04 / 2020 يوم السبت 1939 حالة إصابة، من بينها 426 حالة تم شفاؤها وخرجت من المستشفى، و146 حالة وفاة.

"روح شريرة"

يقول علاء غنام، الخبير في قطاع الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وهي من منظمات المجتمع المدني في مصر، إن "الوصم نتيجة المرض في الوعي الشعبي الجمعي مسألة تاريخية ليست بسيطة"، موضحاً أنه "من المعروف في علم الاجتماع الطبي أن القبيلة البدائية كانت تنظر للمرض باعتباره من الأرواح الشريرة أو مساً من الشيطان فكانت تعزل أو تقتل مرضاها أيضاً".

 

 

بعدها بيوم، تكرر الأمر مع أسرة رجل مسن توفي أيضاً بالفيروس وعند دفنه في مسقط رأسه بقرية بولس بمحافظة البحيرة اعترض الأهالي حتى تدخلت الشرطة مرة أخرى.

لكن الوضع ازداد سوءاً مع الطبيبة سونيا عبد العظيم (64 عاماً) التي توفيت السبت 11 / 04 / 2020، بعدما أُصيبت هي الأخرى بالفيروس، حيث احتشد أهالي قرية "شبرا البهو" وسط الدلتا ورفضوا دفنها إلا أن فرقتهم قوات الشرطة بالغاز المسيل للدموع وألقت القبض على 23 شخصاً وأحالتهم إلى النيابة للتحقيق.

أثارت الواقعة ضجة واستياءً في أوساط الرأي العام، دفعت النائب العام المصري حمادة الصاوي إلى التحقيق العاجل في الواقعة. كما وصف المفتي المصري شوقي علام، في بيان يوم السبت، الظاهرة بـ "الفعل الغوغائي".

وفي هذا السياق قال علام: "لا يجوز لأي إنسان أن يحرم أخاه من هذا الحق الإلهي المتمثل في الدفن، ولا يجوز ارتكاب الأفعال المُشينة من التنمر – الذي يعاني منه مرضى الكورونا أو التجمهر الذي يعاني منه أهل الميت عند دفنه (...)".

 

الناشط والخبير المصري علاء غنام: "الوصم نتيجة المرض في الوعي الشعبي الجمعي مسألة تاريخية ليست بسيطة".
الناشط والخبير المصري علاء غنام: "الوصم نتيجة المرض في الوعي الشعبي الجمعي مسألة تاريخية ليست بسيطة".

 

كما دخل شيخ الأزهر أحمد الطيب على خط الأزمة أيضاً، وكتب على حسابه بفيسبوك يقول: "(...) إنسانيتنا توجب على الجميع الالتزام بالتضامن الإنساني، برفع الوصمة عن المرض وكفالة المتضررين وإكرام من ماتوا بسرعة دفنهم والدعاء لهم".

وقال أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة سعيد صادق، إن ظاهرة الوصم تنمو في المناطق الفقيرة حيث تغيب التوعية الصحية الكافية بإجراءات مكافحة الفيروس، ولا تثق في الخطاب الإعلامي الصحي.

وأوضحت منظمة الصحة العالمية: "أنه حتى الآن لا يوجد دليل على إصابة الأشخاص بالعدوى جراء التعرض لجثث الأشخاص الذين ماتوا بسبب مرض كوفيد-19".

مضايقات لمجرد الاشتباه

 

 

لم يقتصر الوصم على المصابين أنفسهم بل امتد لمجرد الاشتباه ملثما حدث مع الطالبة "ه" في الحي الراقي بالشيخ زايد، حيث ساءت حالة والدها الصحية (مريض القلب) بعدما تعرض لنوبة غثيان شديدة فاصطحبته والدتها إلى مركز طبي خاص.
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة