من شارك في اختطاف واغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة؟

لا يزال الغموض يكتنف ملابسات حادث مقتل اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة في باريس. الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان تطرق في كتابه الجديد إلى مشاركة أجهزة المخابرات الاسرائيلية والأمريكية والفرنسية في التخلص من المهدي بن بركة.

كشف الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي المعروف رونين بيرغمان في كتاب صدر حديثا، عن بعض تفاصيل عملية اختطاف واغتيال المعارض اليساري المغربي المهدي بن بركة، التي قامت بها المخابرات المغربية بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية والأمريكية وعملاء للمخابرات الفرنسية.

وتطرق رونين بيرغمان في كتابه "قم واقتل أنت الأول: القصة السرية للاغتيالات الموجهة برعاية إسرائيل"، لمشاركة الموساد الإسرائيلي في التخلص من المهدي بن بركة، إن كان في عملية المراقبة والمتابعة قبل الاختطاف يوم 29 تشرين الأول/ اكتوبر 1965 من أمام مطعم "ليب" في سان جيرمان في العاصمة الفرنسية باريس، في مقابل خدمة قدمتها المخابرات المغربية لإسرائيل «لأنه في عالم الاستخبارات لا شيء مجاني».

وقال الصحافي الذي يعمل محللا سياسيا وعسكريا في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، إضافة إلى تعامله مع صحف عالمية مثل "نيويورك تايمز" و"الغارديان"، ومجلة شبيغل الألمانية في كتابه: 

"لقد قدمت المخابرات المغربية خدمة ضخمة للإسرائيليين من خلال منح الموساد القدرة على التنصت على المحادثات السرية للزعماء العرب في إحدى القمم العربية التي انعقدت في المغرب".

وأكد بيرغمان في مقابلات صحافية أن الموساد الإسرائيلي لم يشارك في خطف وتعذيب المهدي بن بركة، بل ساعد على تعقبه حتى اختطفه المغاربة، ثم ساعد القتلة على التخلص من الجثة.

يذكر أن المعارض المهدي بن بركة كان سياسيا مغربيا يساريا من مؤسسي حزب الاستقلال اضطر إلى ترك المغرب بعد أن توترت علاقته بالقصر. وحكم عليه بالإعدام غيابيا مرتين في المغرب لمعارضته حكم تلميذه، الملك الشاب الحسن الثاني، حيث تم اتهامه بالتورط في مؤامرة لمحاولة اغتيال الملك.

وفي هذا الفترة كان بن بركة كان يحضر لاجتماع القارات الثلاث في هافانا كزعيم لأفريقيا وأحد أبرز القيادات الثورية اليسارية المناهضة للامبريالية. ومنذ اختطفه في عام 1965 وما تزال أسرته تطالب بكشف أسرار مقتله.

محامي فرنسي يميط اللثام عن تفاصيل "اختطاف" المهدي بنبركة

 

 

يمثل اختفاء المعارض المغربي المهدي بن بركة "قضية العمر" بالنسبة لمحامي عائلته الفرنسي موريس بوتان، الذي لا يتوانى عن استغلال أي فرصة ليطرح الأسئلة العالقة منذ خطفه قي باريس قبل 55 عاما.

إنها "معركة من أجل العدالة والحقيقة"، يقول المحامي لوكالة فرانس برس، مؤكدا أن همه الحصول على أجوبة على هذه الأسئلة مثل "من قتله؟ ماذا حصل لجثمانه؟".

ويلم بوتان (91 عاما) المدافع عن عائلة بن بركة منذ 55 عاما، بأدق تفاصيل هذا الملف. وسبق له قبل ذلك أن دافع عن وطنيين مغاربة ضد سلطات الاستعمار الفرنسي (1912-1956)، وهو الذي ولد ونشأ في المغرب حيث بدأ مشواره في المحاماة.

عندما خطف في 1965 كان المهدي بن بركة المعارض الرئيسي للملك الحسن الثاني (1961-1999) يعيش منفيا بعد صدور حكمين غيابيين بالإعدام في حقه. كما كان من المحركين الرئيسيين لمشروع مؤتمر القارات الثلاث، الذي سعى لتوحيد دول يسارية وحركات تحرر وطنية في مواجهة الاستعمار و"الاستعمار الجديد".

كان يبلغ من العمر 45 عاما عندما شوهد للمرة الأخيرة في شارع سان جرمان في باريس حيث خطف بعدما استدرج إلى هناك على أساس موعد عمل لإعداد فيلم سينمائي حول حركات التحرر الوطني.

وأظهرت المحاكمة المطولة في باريس (بين 1966 و1967) أن المخابرات المغربية هي التي خططت للإيقاع به، بالتواطوء مع شرطيين ورجال عصابات فرنسيين. بيد أن معظم المتهمين في المحاكمة التي استمع فيها لأكثر من 200 شاهد، أفلتوا من قبضة العدالة.

وبادرت عائلة بن بركة إلى التقدم بشكوى جديدة في فرنسا سنة 1975 فتح على إثرها تحقيق ثان ما يزال متواصلا إلى اليوم.

"لا نعرف شيئا"

 

 

وتعاقب تسع قضاة فرنسيين حتى الآن على الملف دون أن يتمكنوا من فك لغز القضية. وما تزال العائلة تطالب بكشف دور فرنسا والمغرب وحتى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في عملية خطف بن بركة.

على مدى سنوات، تمحص بوتان "في رفوف كل المكتبات وأرشيفات هذا وذاك" بحثا عن أي مؤشر يمكن أن ينير الطريق نحو الحقيقة، وما يزال مصرا على المثابرة "ولو أننا ما زلنا لا نعرف شيئا حول ما وقع بعد 55 عاما من التحقيقات".

وزار الرجل الذي غزا الشيب رأسه، نهاية شباط/فبراير الرباط للمشاركة في ندوة حول القضية نظمها ائتلاف مغربي بمناسبة مرور مئة عام على ولادة المهدي بن بركة، ولتوقيع كتابه "بن بركة والحسن الثاني ودوغول، ما أعرف عنهم" الصادر بالفرنسية والعربية.

وظهرت روايات عدة حول جثمان المهدي بن بركة بين قائل إنه دفن تحت الخرسانة الى جانب طريق، أو ذوب في حوض للأسيد، أو دفن في موقع بني فوقه مسجد في إحدى ضواحي باريس أو في غابة قريبة من العاصمة الفرنسية.

وتبنى الصحافي الفرنسي جوزيف تيوال الذي حقق في الموضوع لـ30 عاما، رواية تقول إن رأسه نقل إلى المغرب ليعرض على الملك الحسن الثاني ثم دفن في معتقل سري بالرباط.

 

 

أما الصحافي الإسرائيلي رونين برغمان، وهو مؤلف كتاب حول العمليات السرية للموساد، فيؤكد من جهته أن المخابرات الإسرائيلية ساعدت القتلة في التخلص من الجثمان بطلب من المغاربة ليدفن في غابة قرب باريس.

وبوتان مقتنع بأن "الملك الحسن الثاني هو الذي قرر خطف بن بركة"، ما يجعله "مسؤولا عن مقتله ولو أن الوفاة جاءت نتيجة خطأ ارتكبه الخاطفون على ما يبدو".

ويبقى التحقيق في القضية معلقا في تقديره "لأن شخص الملك لا يناقش ويستحيل أن يكون عرضة لأي نقد".

الحقيقة في الرباط وباريس 

ويعتقد بوتان أن "الرباط وحدها تعرف الحقيقة، لكن الذين يعرفونها يرفضون الكلام". ويأسف لكون "كل الذين كانوا متورطين في القضية توفوا تقريبا".

ولم يبق على قيد الحياة، بحسب قوله، سوى العميل المزدوج للمخابرات الفرنسية والمغربية أنطوان لوبيز "الذي فقد صوابه" و"مغربيان يعيشان بالرباط".

 

 

وكان يشير الى ميلود التونزي الذي يشتبه في كونه عميلا سابقا للمخابرات المغربية ومنسقا لعملية الخطف، والذي كان يعمل تحت اسم العربي الشتوكي، والجنرال حسني بنسليمان، القائد السابق للدرك الملكي والذي كان يعمل في ديوان وزير الداخلية المغربي محمد أوفقير يوم وقوع العملية.

وأصدر القضاء الفرنسي مذكرتي توقيف في حقهما سنة 2007، لكن لم يتم استدعاؤهما أو توقيفهما في المغرب. كذلك بالنسبة الى ثلاثة مسؤولين آخرين توفوا منذ ذلك الوقت.

في الجانب الفرنسي، "لا يتضمن أي ملف من الملفات بما فيها المصنفة سرية أجوبة عن ظروف الخطف والاغتيال"، بحسب بوتان، لكنه واثق أن الوثائق غير المصنفة سرية "يمكن أن تظهر درجة التواطؤات" في فرنسا.

ويؤكد باسما إصراره على مواصلة البحث في هذه القضية "ما دمت متمتعا بالصحة وعلى قيد الحياة".

وتوقف بوتان عن الترافع في المحاكم منذ تقاعده قبل 15 عاما، لكنه ما يزال ملتزما بهذه القضية "وفاء" لعائلة بن بركة ومن أجل "العدالة". المصادر: أ.ف.ب، القدس العربي، شبيغل، راديو أوروب 1