بلدة كفرنبل رمز الانتفاضة السورية نجحت في جذب أنظار العالم حالمةً بالحرية ضد الاستبداد والتطرف

نجحت كفرنبل السورية في استقطاب أنظار العالم عبر شعاراتها الجريئة والساخرة غالباً ضد النظام، فتحولت الى رمز... بعد سبع سنوات، تتمسك المدينة التي فقدت أبرز ناشطيها رائد فارس الأسبوع الماضي (نوفمير / تشرين الثاني 2018)، بما بقي من "الثورة" رغم كل خيبات الأمل.

في كفرنبل الواقعة في محافظة إدلب (شمال غرب) والتي تسيطر عليها اليوم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، تنتشر جداريات ملونة تدافع عن "الثورة السورية"، وتؤكد إحداها "لن تقتلوا ثورتنا".

ويقول الناشط الإعلامي عبدالله الداني (26 عاماً) لوكالة فرانس برس "بدأت الثورة في مدينة كفرنبل، هي شرارة الشمال منذ بداية الثورة وشمعة في الشمال السوري المظلم". 

"في شوارع المدينة التي نقلت منها وسائل الإعلام العالمية صوراً جسدت شجاعة أهلها في المطالبة بالحرية والديمقراطية، يعبر كثيرون اليوم عن حزنهم على رائد فارس، "مهندس" اللافتات و"صوت" المدينة الى الخارج."

ويقول الداني "في بداية الثورة، كان هناك أشخاص معينون لتنسيق التظاهرات، أحدهم رائد فارس الذي قدم إعلامياً الكثير لمدينتنا، وكان صوتها خارج سوريا".

وقتل فارس وصديقه الناشط حمود جنيد برصاص مجهولين يوم الجمعة 23 / 11 / 2018 إثر خروجهما من مسجد في كفرنبل بعد الصلاة.

ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فارس وجنيد بـ"ضميري الثورة" اللذين "واجها بطريقة سلمية وبشجاعة جرائم النظام".

وأعرب ممثل وزير الخارجية الأمريكي الخاص إلى سوريا جيم جيفري ومبعوث الولايات المتحدة الخاص الى سوريا جول رايبون عن "حزن عميق" إزاء اغتيال "رمزين من رموز الثورة".

في عام 2011، انضمت كفرنبل، وعدد سكانها حالياً أكثر من 20 ألفاً، إلى التظاهرات ضد نظام الرئيس بشار الأسد التي كانت بدأت بالانتشار تدريجياً في غالبية المناطق السورية، قبل أن يتم قمعها بالقوة عبر مداهمات واعتقالات وإطلاق نار.

ومع تحول حركة الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، شهدت كفرنبل منذ عام 2012 اشتباكات بين قوات النظام وعناصر منشقة عنها. وخرجت المدينة في العام نفسه مع مناطق أخرى عن سيطرة القوات الحكومية، قبل أن تصبح كل محافظة إدلب تحت سيطرة فصائل معارضة وجهادية في 2015.

وبدأ العالم ينتظر كل يوم جمعة، موعد التظاهرات الأسبوعية، خروج سكان كفرنبل ليصرخوا "الشعب يريد إسقاط النظام" أو ليحملوا لافتات بالإنكليزية والعربية تخاطب مجلس الأمن والدول العربية والغربية وتطلب مساندة السوريين في مطالبتهم بالحرية. وكان فارس وناشطون آخرون من المدينة يتفننون في إيجاد الأفكار.

في 14 تشرين الأول/أكتوبر العام 2011، كتب ناشطو كفرنبل شعاراً اشتهروا به وتحولت صورته وهم حوله إلى رمز للمدينة، وفيه "يسقط النظام والمعارضة... تسقط الأمة العربية والإسلامية. يسقط مجلس الأمن.. يسقط العالم.. يسقط كل شيء".

ومع تطور الأحداث، تنوعت اللافتات الموقعة كفرنبل والتي طالت انتقاداتها كل الأطراف، ومنها "ليست حرباً أهلية، إنها مجزرة. اتركونا نموت، لكن لا تكذبوا"، و"الدولة الإسلامية في العراق والشام: لم نحررها لتحكموها... اِرحلوا"، و"روسيا.. أطلقي سراح مجلس الأمن"، و"إلى الجامعة العربية، اعترفوا بفشلكم ولا تكونوا شركاء في الجريمة"، و"إلى البابا: ميلاد مجيد من سوريا، الأرض التي قتل عليها الأسد سانتا كلوس".

ويقول الناشط بلال بيوش "وقفت كفرنبل ضد تنظيم داعش الإرهابي منذ عام 2013"، مضيفا أنه يتم في كفرنبل اليوم "تنظيم وقفات تضامنية مع ناشطين تعتقلهم هيئة تحرير الشام".

ومنعت هيئة تحرير الشام إذاعة "راديو فريش" التي أسسها رائد فارس من بث الموسيقى منذ عام 2016. ويقول بيوش إن فارس "اختار أن يبث أصوات حيوانات مثل العصافير والديوك بدلاً من الموسيقى لكي لا يتم إجباره على وقف البث".

"ويفخر أهالي كفرنبل برمزية مدينتهم ولافتاتها التي عبرت "عما في قلوب الناس"، وفق ما يقول الطالب الجامعي محمد العلوش (21 عاماً). ويضيف "كفرنبل هي ثورة... ثورة ضد الظلم مهما كان"."

في عام 2014، خاطت نساء كفرنبل علم المعارضة بنجومه الحمراء الثلاث وبطول 75 متراً، وحملنه على امتداد أحد شوارع المدينة. ويواصل سكان كفرنبل الخروج في تظاهرات ترفع شعارات مطالبة بإسقاط النظام.

ويقول بيوش "بعد ثماني سنوات، زادت عزيمتنا، وسنستمر حتى إسقاط النظام ونحقق مطالبنا الأولى التي خرجنا من أجلها". لكنه يعرب في الوقت ذاته عن خشيته نتيجة "موجة الاغتيالات التي تطال الناشطين" في محافظة إدلب.

وستفتقد كفرنبل فارس وجنيد اللذين قتلا غدراً، علماً أن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي اتهموا هيئة تحرير الشام بقتلهما خصوصاً لمواقفهما المعروفة ضدها. وكانت الهيئة اعتقلتهما سابقاً مرات عدة.

ويقول فاتح الشيخ (62 عاماً)، أحد وجهاء المدينة وعم فارس، "من أوصل صوت كفرنبل إلى العالم هو رائد الفارس من خلال لافتاته (...) وفقدانه خسارة للثورة عامة ولكفرنبل خاصة".

لكن عبد الله الداني يرى أن "كفرنبل فقدت رائد الفارس، لكنه كان عبارة عن فكرة والفكرة لن تموت (...) وسيخرج من كفرنبل أكثر من رائد واحد". أ ف ب