وهناك حجج قوية حول السبب الذي يدعو المملكة إلى اتباع هذا المسار. أولا، استخراج النفط السعودي ونقله أرخص من العديد من الاحتياطيات الأخرى. كما أنه "أنظف" من تلك التي تنتجها رمال القار الكندية، وينبعث منها القليل من الميثان مقارنة بالنفط الروسي.

وتعد أرامكو السعودية واحدة من أكثر شركات النفط تقدمًا من الناحية التكنولوجية، والكفاءة التقنية. وبعبارة أخرى، يتمتع النفط السعودي بمزايا نسبية متعددة تنافسية، ومن ثم فهي في وضع مثالي لشغل منصب مميز في التحول العالمي للطاقة النظيفة.

 

شعار شركة آرامكو النفطية السعودية.  (photo: H. I. Mohammed)
من شأن استراتيجية محمد بن سلمان تغيير ديناميكيات أسواق الطاقة العالمية إلى حد كبير: بإبقاء الأسعار منخفضة لن تدفع السياسة السعودية بطرق إنتاج النفط الأكثر تكلفة خارج السوق فقط بل سيصعب على الطاقة المتجددة أيضا التنافس مع الوقود الأحفوري على الأقل على المدى القريب. كان الإجراء السعودي رداً على رفض روسيا الموافقة على التخفيضات الطوعية لإنتاج النفط في اجتماع أوبك +، الذي انعقد في 6 / 03 / 2020. إذ منذ عام 2016 كانت روسيا والسعودية تنسقان إنتاجهما لإبقاء الأسعار مرتفعة عند حوالي 50 إلى 60 دولارًا للبرميل. التأثير الصافي لهذا التعاون تجلى في مساعدة صناعة النفط الصخري الأمريكي على تعزيز إنتاجه ومبيعاته ومن ثم جذب معظم الطلب المتزايد في العالم. وبعد أن عانت السعودية من انخفاض الصادرات منذ عام 2016، على الأرجح أنها كانت تأمل في أن يؤدي انخفاض الإنتاج إلى دعم الأسعار في وقت تراجع فيه الطلب العالمي، بسبب تفشي فيروس كورونا. وفي حرب شاملة على حصص في السوق، ستواجه الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومنتجون آخرون للنفط صعوبة في التنافس مع الخليج نظرا إلى انخفاض تكاليفها ومزاياها التنافسية الأخرى.

 

وفضلا عن ذلك، كانت المملكة تشير إلى تغييرها المقصود للاستراتيجية لشهور عدة. ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، شرعت في العروض العامة الأولية بنسبة 1.5٪ من أرامكو السعودية، والتي تمثل طريقة واحدة لتحقيق الدخل من القيمة الأولية لاحتياطاتها النفطية، مع الإشارة أيضًا إلى التحول نحو تعظيم الربح. 

حزب شاملة على حصص السوق 

وبعد سنوات عديدة من الخلافات، توصلت السعودية أيضًا إلى اتفاق مع الكويت بشأن إنتاج النفط في المنطقة المحايدة، مما سيسمح بزيادة الإنتاج بما يصل إلى 500 ألف برميل يوميًا. وأخيرًا، أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط لتطوير حقل ضخم غير تقليدي للغاز يدعى الجفورة، والذي سيتيح تصدير المزيد من النفط.

ويجب أن يمنح التحول في المملكة مهلة تفكير للسياسيين الأمريكيين الذين يفتخرون بأن الولايات المتحدة قد حققت استقلالا طاقيا من خلال النفط الصخري.

وفي حرب شاملة على حصص في السوق، ستواجه الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، ومنتجون آخرون للنفط، صعوبة في التنافس مع الخليج، نظرا إلى انخفاض تكاليفها، ومزاياها التنافسية الأخرى.

 

 

والسؤال بالطبع هو إلى متى يمكن للمملكة العربية السعودية الحفاظ على هذه الاستراتيجية قبل أن تستنزف البيئة الجديدة منخفضة السعر خزائنها. إن حسابات تقريبية تشير إلى أنه يمكن أن يستمر لمدة عامين.

وربما يراهن ولي العهد محمد بن سلمان على أنه يمكن أن يتجاوز المنافسة. ولكن بالنظر إلى السمات الهيكلية لسوق النفط، والتحول الحتمي للعالم إلى مصادر الطاقة المتجددة، ربما لا يرى أي بديل آخر.

ولم تحقق حصص أوبك واتفاقيات الإنتاج مع الروس، النتائج التي يحتاجها. ويبقى أن نرى ما إذا كانت السياسة الجديدة قادرة على تحقيق فوائد ملموسة أكثر.

 

برنارد هايكل

ترجمة: نعيمة أبروش

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2020

 

 

 

 
برنارد هايكل، أستاذ في دراسات الشرق الأدنى ومدير في جامعة برينستون لمعهد الدراسات عبر الإقليمية للشرق الأوسط المعاصر وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، وباحث في الشؤون السعودية.

 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة