أسلحة روسيا لحماية السعودية... انتهازية روسية بامتياز

بعد نجاح روسيا في تعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبر بوابة الصراع في سوريا، تعكس مناورات موسكو بعد الهجمات على أرامكو موقفاً انتهازياً إذ أن بوتين نادرا ما يفوت فرصة للاستفادة من ضعف الولايات المتحدة وشركائها في العالم العربي.

خلال الأسبوعين اللذين انقضيا منذ أدت هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة إلى وقف نصف الإنتاج السعودي من النفط كانت روسيا الدولة التي عمدت إلى التحرك بسرعة لتهيئة نفسها للاستفادة من أي جوانب إيجابية لهذا التطور.

في غضون ساعات من وقوع الهجمات قالت الشركة الروسية الحكومية المسؤولة عن تصدير الأسلحة إنها ستجري مباحثات مع دول في الشرق الأوسط لبحث بيع نظم الأسلحة الجديدة المضادة للطائرات المسيرة سعيا لدخول سوق تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.

ومن المقرر أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السعودية الشهر المقبل ضمن جولة في منطقة الخليج فيما يمثل فرصة لتعميق التعاون في مجال الطاقة والنفط والترويج للاستثمارات ولمجموعة بانتسير الروسية المنتجة للأسلحة المضادة للطائرات المسيرة، التي ستعرضها شركة التصدير التابعة للدولة في معرض دبي للطيران خلال نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

وقالت شركة "روسوبورونكسبورت" في بيان صحفي صدر بعد أيام من الهجوم على السعودية: "أوضحت الأحداث الأخيرة في العالم أن السلاح الفعال المضاد للطائرات الاستطلاعية والهجومية المسيرة وغيرها من أسلحة الهجوم الجوي بدأت أهميته تتزايد لضمان حماية المنشآت ذات الأولوية القصوى".

للمزيد: الصراع الليبي..هل تدعم روسيا الجنرال خليفة حفتر خلف الكواليس؟

"تعكس مناورات موسكو إلى حد كبير موقفا انتهازيا إذ أن بوتين نادرا ما يفوت فرصة لكشف أي عيوب أمريكية أو الطعن في خصوم"

السياسة الروسية تؤكد أيضا ثقة بوتين المتزايدة في تسليط الضوء على نفوذه في المنطقة مستفيدا من الدور، الذي لعبته موسكو في دعم الرئيس السوري بشار الأسد والقدرة على التعامل مع إسرائيل وإيران في الوقت نفسه وكذلك بيع أنظمة صاروخية لتركيا عضو حلف شمال الأطلسي رغم اعتراضات الولايات المتحدة.

بوتين وروحاني وأردوغان في قمة ثلاثية حول إدلب السورية
أسلحة روسيا لحماية السعودية بعد الهجمات منشآت أرامكو: بعد نجاح روسيا في تعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبر بوابة الصراع في سوريا، تعكس مناورات موسكو بعد الهجمات على أرامكو موقفا انتهازيا إذ أن بوتين نادرا ما يفوت فرصة للاستفادة من ضعف الولايات المتحدة وشركائها في العالم العربي.

وخلال مؤتمر صحفي عقد في أنقره في 16 سبتمبر/أيلول حيث حضر بوتين لقاء قمة مع رئيسي تركيا وإيران كانت ثقته بنفسه واضحة تمام الوضوح بل قال إن على السعودية أن تشتري أسلحة من موسكو بدلا من الولايات المتحدة التي تبيع نظام الدفاع الصاروخي باتريوت للمملكة.

وضحك الرئيس الإيراني حسن روحاني، الواقف بجوار بوتين، عندما قال الرئيس الروسي: "كل ما على جميع الزعماء السياسيين في السعودية أن يفعلوه هو اتخاذ قرار حكيم مثلما فعلت إيران بشراء نظام إس-300 الصاروخي وكما فعل الرئيس رجب طيب أردوغان عندما اشترى أحدث نظام مضاد للطائرات من روسيا إس-400 تريومف".

وفي تحليله قال ماثيو بوليج، الزميل الباحث في برنامج روسيا وأوراسيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن: "روسيا تهيئ نفسها كطرف له وجود نظامي في الشرق الأوسط وهو ما يعني أن الكرملين لن يترك ’مشكلة‘ كبيرة أم صغيرة دون استنفادها". وأضاف: "فهم يريدون أن يكونوا موجودين في كل مكان ويتدخلوا في كل شيء لكي يصبحوا لاعبا لا غنى عنه".

 

اقرأ/ي أيضًا |

سياسة روسيا الثقافية في العالم الإسلامي

كتاب: "حرب بوتين الخفية. كيف يزعزع بوتين استقرار الغرب"

الحرب في سوريا: "على ترمب إصلاح العلاقات مع تركيا وتحجيم دور روسيا وإيران"

 

هامش أكبر للمناورة الروسية بعد تراجع الغرب وتردد أوباما وترمب

رغم أن هذه العملية بدأت منذ ألقى بوتين بثقله بإرسال قوات إلى سوريا في 2015 فقد اكتسبت قوة مع تراجع الدور الأمريكي في البداية بعد أن تجنب الرئيس باراك أوباما لعب دور أعمق في سوريا رغم وجود أدلة على استخدام الرئيس السوري الأسلحة الكيماوية ثم إطلاق الرئيس دونالد ترامب تصريحات قوية وإن تجنب إلى حد كبير القيام بعمل في المنطقة.

وأحدث مثال على ذلك هو الهجمات التي وقعت على السعودية وحمل ترامب نفسه مسؤوليتها لإيران. فبعد أن قال في البداية إن أسلحة واشنطن جاهزة للرد تراجع وشدد العقوبات على طهران.

وبهذا يظل السؤال دون إجابة ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية في الدفاع عن الرياض أوثق حلفائها العرب وتلك ثغرة قد تستفيد منها روسيا.

وقالت كوري شيك، نائبة المدير العام بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والمديرة السابقة للاستراتيجية الدفاعية في مجلس الأمن القومي، "لو كنت مكان السعوديين لاتجهت إلى موسكو ولاتجهت إلى بكين للعثور على من يمكن التعويل عليه أكثر من الولايات المتحدة“.

وأضافت: "ثمة فرص ستحصدها روسيا من استثمارها في سوريا. وقد يكون إظهار استعدادها لقبول مخاطر لا تقبلها دول أخرى في الغرب ... مريحا للمملكة العربية السعودية في الوقت الحالي".

وتشدد شيك وآخرون على أن هذا أبعد ما يكون عن محاولة من جانب بوتين لكي تحل روسيا محل الولايات المتحدة باعتبارها الضامن العام للأمن في الخليح وهو الدور الذي لعبته واشنطن منذ الخمسينيات.

وفضلا عن ذلك فإن بوتين يواجه تحديات في الداخل حيث يتعرض لضغوط لرفع مستويات المعيشة وتنويع الاقتصاد بحيث لا يعتمد على النفط وتحسين النمو.

لكن الحضور الروسي في الشرق الأوسط يعد تذكرة للعالم أن روسيا مازالت تحتفظ بقدرات جيوسياسية ولديها الاستعداد للتحرك.

 

 

هل هو انفتاح أوروبي؟

وفي تطور مواز توجد علامات على تحول في أوروبا حيث قوبلت موسكو بإعراض منذ ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.

ففي الأسابيع الأخيرة قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوات لكي تتعاون أوروبا وروسيا عن كثب بدرجة أكبر رغم أنه شدد على ضرورة عدم رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي التي فرضت عقب الاستيلاء على شبه جزيرة القرم إلى أن تأخذ موسكو خطوات لحل النزاعات مع أوكرانيا.

وقال جان أيف لو دريان، وزير الخارجية الفرنسي، هذا الشه: "حان الوقت، والوقت مناسب، للعمل من أجل تقليل الارتياب بين روسيا وأوروبا اللتين يجب أن تكونا شريكين على مستوى استراتيجي واقتصادي".

وعزز سفير الاتحاد الأوروبي لدى موسكو هذا الرأي فكتب في برقية يقول إن على زعماء الاتحاد أن يكونوا "عمليين" في التواصل مع روسيا وذلك حسب ما ذكرته صحيفة فاينانشال تايمز.

وتركز فنلندا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي ولها حدود طولها 1340 كيلومترا مع روسيا على هذه الرسالة نفسها مجادلة بأن العودة للتواصل مع موسكو تتيح فرصة أكبر في المدى البعيد مما تتيحه عزلتها.

ويقول مسؤولون أوروبيون إن فرص حدوث تحول سريع في الموقف في جانب الاتحاد الأوروبي ضئيلة في ضوء المعارضة الشديد من بولندا ودول بحر البلطيق. غير أن عدد دول الاتحاد الأوروبي التي تفضل اتجاها أكثر واقعية يتنامى.

وربما تشعر موسكو من منظورها بأن وضعها تدعم من خلال تحقيق تقدم على ثلاث جبهات لها أهميتها أولها توسيع نطاق العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين وجعل نفوذها محسوسا في الشرق الأوسط وإعادة بناء العلاقات في أوروبا.

وبالنسبة لإدارة ترامب التي ركزت جانبا كبيرا من طاقتها مؤخرا على النزاع التجاري مع الصين، يقول المحللون إن المسألة تمثل تذكرة بخطر عدم التواصل بالكامل في أركان العالم التي يوجد للولايات المتحدة مصالح مهمة فيها.

وقالت أنا بورشيفسكايا، الزميلة الباحثة بمعهد واشنطن، هذا الشهر في إشارة خاصة إلى سوريا "التجربة الروسية تظهر بجلاء ثمن ترك فراغ وتصدير نية غامضة".

وأضافت "في كثير من الأحيان تحقق روسيا مكاسب ببساطة لأن الولايات المتحدة مفرطة في العزوف عن تحديها". (رويترز)