تحليل - هل كان قتل قاسم سليماني على أرض عراقية دفاعاً أمريكياً عن النفس أم خرقاً للقانون الدولي؟

بررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة 03 / 01 / 2020 قتلها لقاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني بأنه كان دفاعا عن النفس، وذلك في محاولة‭ ‬لمواجهة اتهامات بانتهاكها القانون الدولي ومخاوف أثارها خبراء قانونيون ومحقق كبير بالأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان. 

وقُتل سليماني (62 عاما) في ضربة جوية أمريكية في بغداد أثناء الليل. وتسبب الهجوم، الذي تم بأمر من ترامب، في تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران التي توعد مسؤولوها بالانتقام.

وفي الوقت الذي ثارت فيه خلافات بين نواب جمهوريين وديمقراطيين بشأن مدى حكمة الهجوم، شكك بعض خبراء القانون فيما إذا كان لدى ترامب السلطة القانونية لاستهداف سليماني على أرض عراقية دون تصريح من حكومة العراق وما إذا كان الهجوم شرعيا بموجب القانونين الدولي والأمريكي.

وقال رئيس الوزراء العراقي إن الولايات المتحدة انتهكت بهذا الهجوم اتفاقا بشأن بقاء القوات الأمريكية في العراق كما اتحدت عدة أحزاب سياسية عراقية وراء دعوة لطرد القوات الأمريكية من الأراضي العراقية.

ويحظر ميثاق الأمم المتحدة بصفة عامة استخدام القوة ضد الدول الأخرى إلا في حالة سماح إحداها باستخدام القوة على أراضيها. وقال خبراء قانونيون إنه في ظل عدم وجود موافقة من العراق على شن الهجوم يصبح من الصعب على الولايات المتحدة تبرير قتل سليماني.

وقالت أوانا هثاواي الأستاذة بكلية القانون في جامعة ييل وخبيرة القانون الدولي على تويتر إن الحقائق المتوفرة "لا تدعم على ما يبدو " تأكيد أن الهجوم كان دفاعا عن النفس وخلصت إلى أنه تبرير "ضعيف من الناحية القانونية بموجب القانونين المحلي والدولي".

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن استهداف سليماني كان لردع "أي خطط إيرانية لشن هجمات في المستقبل"، بينما قال ترامب "سليماني كان يخطط لهجمات وشيكة وشريرة"، ضد دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين.

وقال روبرت تشيزني خبير قانون الأمن القومي في كلية الحقوق بأوستن في جامعة تكساس إن الدفاع عن النفس هو أفضل تبرير قدمته الإدارة الأمريكية فيما يتصل بميثاق الأمم المتحدة. وأضاف: "إذا رأيت أن هذا الشخص يخطط لعمليات لقتل أمريكيين، فهذا يمنح سلطة الرد".

 

 

لكن سكوت آندرسون، المستشار القانوني السابق للسفارة الأمريكية في بغداد في عهد باراك أوباما سلف ترامب، قال إن تبرير ترامب محل شك حتى الآن طبقا للقانون الدولي. غير أنه أضاف أن بإمكانه استخدام ذريعة أن الحكومة العراقية لم تكن راغبة أو عاجزة عن التصدي للتهديد الذي كان يشكله سليماني مما يعطي الولايات المتحدة حق اتخاذ هذا الإجراء دون موافقة العراق.

وتغطي المادة 51 في ميثاق الأمم المتحدة الحق الفردي أو الجماعي في الدفاع عن النفس في مواجهة هجوم مسلح. واستخدمت الولايات المتحدة هذه المادة لتبرير عملية شنتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد في سوريا عام 2014.

وتقاتل القوات الأمريكية في العراق تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يزال هناك خمسة آلاف جندي يؤدي معظمهم مهمة استشارية. ودعا اتفاق إطار استراتيجي وقعه البلدان في عام 2008 إلى تعاون دفاعي وثيق بين واشنطن وبغداد لدرء الأخطار على السيادة والأمن والوحدة الإقليمية، لكن الاتفاق حظر على الولايات المتحدة استخدام الأراضي العراقية في شن هجمات على دول أخرى.

وبموجب أعراف القانون الدولي التاريخية، يمكن لدولة ما أن تدافع عن نفسها استباقيا إذا فعلت ذلك انطلاقا من ضرورة وكان الرد متناسبا مع التهديد.

وأبدت أجنيس كالامار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي تشككا في أن الهجوم استند إلى تلك القاعدة.

وقالت إن استهداف سليماني "يبدو انتقاما من أفعال سابقة أكثر بكثير من كونه دفاعا وشيكا عن النفس". وأضافت "التبريرات القانونية لأعمال القتل من هذا النوع محددة بدقة ومن الصعب تصور كيف يمكن أن ينطبق أي منها على أعمال القتل الماثلة".

وطالب الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس ترامب بأن يقدم تفاصيل عن التهديد الوشيك الذي كان يمثله سليماني. وقال السناتور الديمقراطي مارك وارنر نائب رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ لرويترز: "أعتقد أنه كان هناك تهديد، لكن مسألة كيف أنه وشيك لا تزال أمرا أريد إجابة عنه".

وأثار منتقدون آخرون تساؤلات عن المسوغ الذي استند إليه ترامب في القانون الأمريكي لقتل سليماني وعما إذا كان واجبا عليه إبلاغ الكونغرس قبل التنفيذ.

وأشار خبراء قانونيون إلى أن الرؤساء الأمريكيين في الآونة الأخيرة، من كل من الحزبين، وسعوا مفهوم سلطتهم الفردية في مجال الاستخدام الاستباقي للقوة بما في ذلك القتل المستهدف، وهي وجهة نظر دافع عنها محامو السلطة التنفيذية في الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

وفي حالة سليماني يمكن تبرير حجج الدفاع عن النفس التي أطلقتها الإدارة الأمريكية بالكشف عن معلومات محددة حول خططه الوشيكة لمهاجمة الأمريكيين. وقال تشيزني إن الدفاع عن النفس يمكن أن يسمح للإدارة بالعمل دون إخطار الكونغرس أو بمقتضى تفويض مسبق منه.

لم يدافع أعضاء الكونغرس الديمقراطيون عن سليماني الذي قال مسؤولون أمريكيون إنه مسؤول عن قتل مئات الأمريكيين، لكنهم طالبوا ترامب بالتشاور مع الكونغرس قبل المضي قدما.

وقالت النائبة إليسا ستوتكن وهي محللة سابقة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عملت في العراق وكان تركيزها على الجماعات المسلحة المدعومة من إيران "هذه الإدارة كجميع الإدارات غيرها لها الحق في العمل دفاعا عن النفس". وأضافت: "لكن لا بد أن تأتي الإدارة إلى الكونغرس على الفور للتشاور". رويترز 

 

[embed:render:embedded:node:31067]