تفنيد صورة نمطية لتاريخ أرض السعودية

 منطقة العلا السعودية - عاصمة أثرية وشاهد على حضارات عربية قديمة: قد تم إدراج الموقع الأثري مدائن صالح بالقرب من العلا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ سنة 2008. ففي هذه المنطقة تم نحت 111 مقبرة ضحمة باستخدام الحجر قبل ألفي سنة.
منطقة العلا السعودية - عاصمة أثرية وشاهد على حضارات عربية قديمة: قد تم إدراج الموقع الأثري مدائن صالح بالقرب من العلا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ سنة 2008. ففي هذه المنطقة تم نحت 111 مقبرة ضحمة باستخدام الحجر قبل ألفي سنة.

ثمة اعتقاد بأن الأرض التي قامت عليها المملكة السعودية لم تشهد استقرارا وتمدنا وتحضرا قبل الإسلام بل كانت تسودها البداوة وصراعات القبائل وأن تاريخها يبدأ منذ بدء رسالة الإسلام. تفنيد أحمد عبده طرابيك.

الكاتبة ، الكاتب: أحمد عبده طرابيك

        يعتقد البعض بأن تاريخ المملكة العربية السعودية يبدأ منذ بدء نزول رسالة الإسلام على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وأن الأراضي السعودية لم تشهد حياة الاستقرار والتمدن والتحضر قبل الإسلام، حيث كان يسودها حياة البداوة والصراع بين القبائل على مصادر المياه والكلأ، وقد شكلت دولة الإسلام التي أنشأها النبي صلي الله عليه وسلم في المدينة بداية بناء الدولة المستقرة على هذه الأرض.

نظرية النفط - أرض لم تكن صحراء قاحلة بصورتها الحالية

      يوجد تحليلات تربط بين اكتشافات النفط والغاز في المملكة العربية السعودية بشكل كثيف، وبين حياة الازدهار التي شهدتها هذه البقعة من الأرض قبل ملايين السنين، حيث تعود أصول النفط إلى بقايا كائنات حيّة تعرضّت للضغط والحرارة العاليتين لمدّة زمنية تَجاوزت ملايين السنين، فتحلّلت وتراكمت وترسبت تحت الطين والصخور والرمل في أعماق كبيرة تحت الأرض، ومن ثم تكونت الصخور الرسوبية بفعل الضغط الهائل والارتفاع الذي طرأ على درجات الحرارة في باطن الأرض، ومن ثم تكون الغاز والزيت "النفط"، قبل أن تنتقل إلى طبقات أعلى من طبقات الأرض من خلال النفاذ من بين مسامات الصخور وشقوقها الدقيقة، نتيجة لوجود الماء أو الوزن الضخم الذي تتصف به الطبقات الصخرية المتواجدة في الطبقة العليا وبالتالي الضغط على الطبقات السفلية فترسّب الزيت في شقوق الصخر ومساماته. حتى اصطدم بطبقات صخرية غير قابلة للنفاذ، فتجمعت كميات النفط تحت الصخور. وهذه النظرية لتكون النفط تدعم فكرة أن الأرض التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية، لم تكن صحراء قاحلة بصورتها الحالية، بل أنها كانت تشمل غابات وبحيرات وبيئة طبيعية غنية وحياة مزدهرة قبل آلاف السنين.

       كانت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" قد أعلنت اختيار المملكة العربية السعودية، رئيساً للجنة التراث العالمي، واستضافة السعودية للدورة الخامسة والأربعين الموسعة للجنة في الرياض، خلال الفترة 10 إلى 25 سبتمبر / أيلول 2023، وذلك خلال الاجتماع الاستثنائي الثامن عشر للجنة التراث العالمي الذي عُقد في المقر الرئيسي للمنظمة بباريس، وبحضور كافة الدول الأعضاء في اللجنة.

 

صحراء النفود – المملكة العربية السعودية – خريطة. Karte Map Infografik Saudi-Arabien AR DW
باحثون يسهمون في فك ألغاز مستطيلات الصحراء السعودية - تم تحديدها بواسطة "كاربون 14" وهو العصر الحجري الحديث وعثروا على قطعة من الفحم في الموقع تعود لـ 7000 عام: كشف أفراد فريق دولي من علماء الآثار ضمنهم ألمان من معهد ماكس بلانك بعض أسرار الأحجار العملاقة الغريبة المصطفة على شكل مستطيلات في صحراء النفود السعودية وحددوا موقع أحد المستطيلات الجديدة يعود تاريخه إلى نحو 5000 قبل الميلاد. وافترضوا أن وظيفة تلك المواقع كانت إقامة طقوس دينية في مجتمعات رعوية مبكرة. هياكل بُنيت في وقت كان فيه مناخ الصحراء السعودية مختلفا عن اليوم تعمه نباتات وساحات خضراء معشوشبة بتساقطات مطرية غزيرة إضافة إلى طيف متنوع من الحيوانات بحسب العلماء. ولا يزال صعبا تحديد طبيعة الثقافة بدقة التي سادت بالمنطقة حين بناء الهياكل لكن مواقع أثرية مشابهة بشبه الجزيرة العربية دلت على أن رعاة الماشية في تلك العصور الغابرة قادوا قطعانهم عبر تلك التضاريس والمراعي. وتعمل السعودية على مسح أثري شامل في إطار مشروع "الجزيرة العربية الخضراء" جنوب صحراء النفود بالتركيز على دراسة بيئة عصور ما قبل التاريخ.

 

      تكمن أهمية لجنة التراث العالمي لليونسكو، المؤلفة من ممثلي 21 دولة منتخبة من قبل الجمعية العامة لليونسكو، في اختصاصها بدراسة اقتراحات الدول الراغبة في إدراج مواقعها في قائمة التراث العالمي، ومساعدة الخبراء لرفع التقارير حول المواقع، وتقديم التقييم النهائي للحسم في قرار إدراج المواقع المقترحة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.

        وكان قد تم انتخاب المملكة العربية السعودية خلال انعقاد أعمال الدورة الرابعة والأربعين في مدينة فوجو الصينة، نائباً للرئيس عن المجموعة العربية للفترة ما بين 2021- 2023، حيث بذلت خلال عضويتها جهوداً كبيرة لدعم التراث، وتوثيق الإرث الإنساني المشترك إلى جانب الدول الأعضاء باللجنة، ومن أبرزها إجماع أعضاء اللجنة على اعتماد مشروع القرار المقدم من المملكة لبناء قدرات العاملين في مجال التراث للعشر سنوات القادمة، مما سيسهم في تعزيز التنوع الجغرافي للخبراء، وتمكين الكفاءات الإقليمية، ووضع خطط وتدابير لحماية مواقع التراث الثقافي المهددة بالخطر، إلى جانب رفع الكفاءات التقنية والمهنية للشباب والخبراء في مجال التراث العالمي على حدٍ سواء. وإلى جانب ذلك، فإن السعودية هي عضو المجلس التنفيذي، وعضو اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، وهذا ما يؤكد على فاعلية ودور المملكة في صناعة القرار باليونسكو. 

آثار ومعالم تاريخية وحضارية

        تمتلك المملكة العربية السعودية تراث ثقافي وحضاري كبير، حيث تشهد الآثار والمعالم التاريخية والحضارية الموجودة في مناطق عديدة من الجزيرة العربية، وخاصة في منطقة العلا التاريخية، أن الأراضي التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية قد شهدت تعاقب العديد من الحضارات العريقة القوية التي سادت علي تلك البقعة من الأرض، فقد تميزت الجزيرة العربية بموقعها الجغرافي الاستراتيجي والمتميز الذي يتوسط بلاد الشرق الأدنى القديم، ومن ثم فقد كان لها دورها البشري المهم والمؤثر في تكوين السلالات الأكثر عدداً بين سكانه القدماء. 

 

نقوش ورسوم صخرية تزين معالم تاريخية وتؤرخ لحضارات القديمة عمرت منطقة العُلا في السعودية. Schriftzeichen im Sandstein bei Al-Ula in Saudi-Arabien  Foto Getty Images AFP F  Nureldine
عدد كبيرمن النقوش والرسوم الصخرية تزين المعالم التاريخية وتؤرخ للحضارات القديمة التي عمرت منطقة العُلا في السعودية فقد ترك سكانها لقدماء العديد من الرسائل التي نُقشت على الحجر الرملي منذ حوالي 2000 سنة: تميزت الجزيرة العربية بموقعها الجغرافي الاستراتيجي والمتميز الذي يتوسط بلاد الشرق الأدنى القديم، ومن ثم فقد كان لها دورها البشري المهم والمؤثر في تكوين السلالات الأكثر عدداً بين سكانه القدماء، فقد شهدت تعاقب العديد من الحضارات العريقة القوية التي سادت علي تلك البقعة من الأرض، وكان لها نصيب وافر من دور الوساطة والتأثير وطرق التواصل والنمو والازدهار، وهذا ما تشير إليه الآثار التاريخية والحضارية التي مازالت باقية عن تلك الحضارات، بداية بما تركه الإنسان البدائي القديم في عصور ما قبل التاريخ الإنساني من أدوات حجرية ورسوم بدائية متفرقة، مروراً بالحضارات القوية المزدهرة التي حفرت ونحتت بيوتها في الجبال كدليل علي قوة بأسها وإبداعها الحضاري، وصولاً إلي ما تركته القبائل العربية المتحضرة في عصورها التاريخية القديمة من آثار معمارية قائمة حتي الآن، كبقايا المعابد والأسوار والسدود والحصون والأبراج وا

 

      تميزت الجزيرة العربية بموقعها الجغرافي الاستراتيجي والمتميز الذي يتوسط بلاد الشرق الأدنى القديم، ومن ثم فقد كان لها دورها البشري المهم والمؤثر في تكوين السلالات الأكثر عدداً بين سكانه القدماء، فقد شهدت تعاقب العديد من الحضارات العريقة القوية التي سادت علي تلك البقعة من الأرض، وكان لها نصيب وافر من دور الوساطة والتأثير وطرق التواصل والنمو والازدهار، وهذا ما تشير إليه الآثار التاريخية والحضارية التي مازالت باقية عن تلك الحضارات، بداية بما تركه الإنسان البدائي القديم في عصور ما قبل التاريخ الإنساني من أدوات حجرية ورسوم بدائية متفرقة، مروراً بالحضارات القوية المزدهرة التي حفرت ونحتت بيوتها في الجبال كدليل علي قوة بأسها وإبداعها الحضاري، وصولاً إلي ما تركته القبائل العربية المتحضرة في عصورها التاريخية القديمة من آثار معمارية قائمة حتي الآن، كبقايا المعابد والأسوار والسدود والحصون والأبراج والمساكن والمقابر، وما عثر عليه من آثار متنوعة لأدوات الاستعمال اليومي وأدوات الزينة وفنون النحت والنقش، في مناطق عديدة. 

        تظهر الاكتشافات الأثرية بالمملكة العربية السعودية عن وجود أقدم الحضارات التاريخية في شبه الجزيرة العربية بمنطقة نجران، أهمهما حضارات "ثمود 3000 ق.م، دلمون 2800 ق.م، مدين 1600 ق.م، ثاج 1000 ق.م، قيدار 750 ق.م، دادان 600 ق.م، لحيان 400 ق.م، الأنباط 169 ق.م" التي ازدهرت في عصور ما قبل الميلاد، فقد وردت قصة ثمود في القرآن الكريم، وما اتصفوا به من قوة وبأس شديد، كما جاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، والتي قامت في بلاد الرافدين وشمال سوريا. وازدهرت حضارة قوم عاد الذين سكنوا شبه الجزيرة العربية، في منطقة الأحقاف جنوب الربع الخالي.  

       جاءت حضارة قوم ثمود، بعد حضارة قوم عاد، حيث نشأت تلك الحضارة في البداية على أيدي قبائل وعشائر متعددة، وازدهرت حضارتها، ونمت قوتها حتي بلغت حداً عظيماً من المدنية والازدهار والقوة في شمال الجزيرة العربية، بوادي القرى بين الحجاز والشام، فقد كانوا ينحتون الجبال بيوتاً، وما زالت تلك البيوت وآثارهم العريقة شامخة في منطقة العلا بين المدينة المنورة وتبوك.

        على الجزيرة العربية أيضاً، ازدهرت حضارة مدين، الذين أرسل الله إليهم نبيه شعيب عليه السلام، ليأمرهم بعبادة الله تعالى، والتي ترجع حضارتهم إلى ما قبل القرن الثالث عشر قبل الميلاد، فقد ازدهرت حضارتهم بفضل ما اشتهروا به من فنون التجارة والسيطرة علي طرق التجارة، وانتشر وجودهم إلى الشرق والجنوب الشرقي من خليج العقبة، حتي منطقة العلا.

 

موقع أثري في منطقة العلا - السعودية. Antikes Grabmal bei Al-Ula in Saudi-Arabien (Getty Images/AFP/F. Nureldine)
موقع أثري في منطقة العلا السعودية: كانت العلا في العصور القدمية محوراً مهما لمختلف طرق التجارة. وتقع المدينة في منطقة مليئة بالمواقع الأثرية - مثل هذا الضريح. تحتضن مدينة العلا التاريخية العديد من الجواهر النفيسة للتراث الحضاري القديم التي تدل على عبقرية الإنسان القديم وقدرته على تخليد وجوده في تلك البقعة من الأرض، منها: قصر الفريد، قصر البنت، قصر العجوز، الديوان أو ما يعرف باسم "مجلس السلطان"، جبل البنات، مدافن الخريمات، محلب الناقة، الخريبة، مقابر الأسود، جبل عكمه، المابيات، المزحم، جبل الحوار، الحويرة. كما كان للتراث الإسلامي مكانة كبيرة أيضاً في التاريخ السعودي، خاصة وأنها تحتضن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، حيث تعبر عن تلك الحقبة الإسلامية العديد من المعالم الأثرية كقلعة الحجر الإسلامية، البلدة القديمة في العلا، قلعة موسى بن نصير "قلعة العلا"، عين تدعل، الساعة الشمسية "الطنطورة"، كسوة الكعبة.

 

       بزغت مملكة معين على ضفتي وادي الجوف بين نجران وحضرموت، واشتهرت في فنون العمارة والزخرفة، وبرعوا في الزراعة والصناعة واشتهروا أيضاً بالتجارة، وامتد نفوذهم حتى منطقة العلا بالقرب من وادي القري، ويشير تراثهم الحضاري الذي مازال قائماً في منطقة العلا علي ما وصلت إليه هذه المملكة من قوة وازدهار.

       نشأت مملكة سبأ وتنامت قوتها حتى غدت واحدة من أهم الحضارات التي شهدتها شبه الجزيرة العربية خلال القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، فقد امتد نفوذها في اليمن وجنوب السعودية، ثم تمددت إلى شمال الجزيرة العربية وسيطرت على طرق التجارة وخاصة طريقي البخور واللبان. ومن بعدها ظهرت مملكة كندة في نجد جنوب مدينة الرياض، عام 547 قبل الميلاد، واتخذت من قرية الفاو مركزاً لها، واستمر نفوذها حتى القرن السابع الميلادي. كما شهدت الجزيرة العربية بزوغ حضارة دلمون قبل خمسة آلاف عام، والتي تمركزت شرق الجزيرة العربية والبحرين، واشتهرت تاريخياً بمقبرتها العملاقة. وعلى تلك البقعة من الأرض ازدهرت مدائن صالح، والتي تزامنت مع فترة دعوة نبي الله صالح، وتشهد آثارها الباقية علي تاريخها العريق، حيث تحكي هذه المعالم التاريخية عن ازدهار تلك الفترة التاريخية.

       تعد الممالك السعودية القديمة من أهم منابع الحضارة العالمية، وتشير المعالم والآثار التاريخية في المنطقة إلى مدى ازدهار تلك الممالك وتقدمها في فنون العمارة، حيث تشمل تلك الممالك "فيد، الأخدود، تيماء، الجهوة، الشويحطية، ثاج، جرش، صفاقة، خيبر، خيف الزهرة". وقد أكسبت تلك الحضارات العريقة المتعاقبة سكان المملكة ثقافة متميزة، تشكلت نتيجة لصهر هذه الحضارات في بوتقة واحدة فكان هذا المزيج الثقافي والحضاري الذي تشكل عبر الحقب التاريخية المختلفة متأثراً بالبيئة المحلية، فنتج عنها ثقافة مميزة تمثلت في "السدو، بن جازان، العرضة السعودية، البشت، ورد الطائف، زيتون الجوف، نخيل الأحساء، كما انعكست على العمارة السعودية بشكل عام.

      تضم السعودية العديد من المواقع التاريخية والأثرية المهمة التي تم تصنيفها من قبل اليونسكو ضمن "مواقع التراث العالمي"، تشمل ستة مواقع هي، "مدائن صالح" والتي تم إدراجها عام 2008، كأول المواقع التراثية السعودية التي تدخل ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، "حي الطريف" في الدرعية القديمة، عام 2010، ومنطقة جدة التاريخية، عام 2014، "الفنون الصخرية في منطقة حائل"، وتشمل منطقتي "جبة، الشويمس" عام 2015، "واحة الإحساء" عام 2018،  "منطقة حما الثقافيّة" عام 2021. وتهدف "رؤية السعودية 2030" إلي مضافة تلك المواقع في قائمة التراث العالمي لليونسكو، خاصة وأنه يوجد عشرة مواقع تراثية أخرى مدرجة في قائمة اليونسكو الاحتياطية للتراث العالمي، وهي القائمة التي تضم المواقع المرشحة للدخول ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتشمل "درب زبيدة"، نسبة إلي السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، أو ما يعرف بطريق الحج من الكوفة إلى مكة، سكة حديد الحجاز، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري، قرية الفاو الأثرية، قرية رجال ألمع التراثية، قرية ذي عين التراثية، واحة دومة الجندل التاريخية، محمية عروق بني معارض، محمية جزر فرسان. 

 

 مشهد لمستطيل في صحراء النفود السعودية (صورة الدكتور هوف غروكوت التي سمح لدويتشه فيله بنشرها). Saudi Arabien - Mustatil-Bauten Foto Huw Groucutt
لم تكن أرض السعودية صحراء قاحلة بصورتها الحالية: نظرية النفط تدعم فكرة أن الأرض التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية، لم تكن صحراء قاحلة بصورتها الحالية، بل أنها كانت تشمل غابات وبحيرات وبيئة طبيعية غنية وحياة مزدهرة قبل آلاف السنين، كما يكتب أحمد طرابيك. في الصورة داخل المقال مشهد لمستطيل في صحراء النفود السعودية (صورة الدكتور هوف غروكوت التي سمح لدويتشه فيله بنشرها).

 



       تحتضن مدينة العلا التاريخية العديد من الجواهر النفيسة للتراث الحضاري القديم التي تدل على عبقرية الإنسان القديم وقدرته على تخليد وجوده في تلك البقعة من الأرض، منها: قصر الفريد، قصر البنت، قصر العجوز، الديوان أو ما يعرف باسم "مجلس السلطان"، جبل البنات، مدافن الخريمات، محلب الناقة، الخريبة، مقابر الأسود، جبل عكمه، المابيات، المزحم، جبل الحوار، الحويرة. كما كان للتراث الإسلامي مكانة كبيرة أيضاً في التاريخ السعودي، خاصة وأنها تحتضن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، حيث تعبر عن تلك الحقبة الإسلامية العديد من المعالم الأثرية كقلعة الحجر الإسلامية، البلدة القديمة في العلا، قلعة موسى بن نصير "قلعة العلا"، عين تدعل، الساعة الشمسية "الطنطورة"، كسوة الكعبة.  

المملكة العربية السعودية الحديثة

      واصلت أسرة آل سعود مسيرة بناء التراث السعودي، فشيدت العشرات من القصور والقلاع مستخدمة مواد وخامات البيئة الطبيعية، حيث استخدمت هذه القصور والقلاع كمقار للحكم في المدن والمناطق السعودية المختلفة، ومازالت تلك المنشآت شاهدة على تلك الفترة التاريخية الهامة من التاريخ السعودي خلال مرحلة تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة.

       حظي التراث التاريخي الثقافي والحضاري في المملكة العربية السعودية بمكانة بارزة وأهمية كبيرة في "رؤية السعودية 2030"، التي وضعت في مقدمة أهدافها مضاعفة عدد المواقع السعودية الأثرية المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، إلي جانب اعتبار التراث الثقافي والحضاري السعودي مورداً من موارد الدولة الطبيعية، فالتاريخ الحضاري للدول لم يعد مجرد آثار ومعالم تراثية، بل أصبحت تشكل مورداً اقتصادياً يستقطب السياح من مختلف دول العالم، ومورداً من موارد الدخل القومي، ويشكل علامة خاصة للدولة تنعكس علي كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى. والتجربة الكورية الجنوبية التي اصطلح علي تسميتها "الموجة الكورية"، خير دليل على ذلك، ومن ثم فإن السعودية تسعى للاستفادة من قدراتها وإمكاناتها التاريخية والثقافية والحضارية والاقتصادية لصنع "موجة سعودية" تفوق "الموجة الكورية" لما تتميز به المملكة من تراث ثقافي وحضاري مادي، يتمثل في المعالم الأثرية والتاريخية، وتراث غير مادي كالفلكلور والتراث اليدوي الثري والفريد والمطبخ السعودي الشهي، كجوانب فريدة متميزة عن غيرها يمكن من خلالها أن تصنع "موجة سعودية" تحظى بشهرة واسعة لدي كافة شعوب العالم. 

 

 

أحمد عبده طرابيك - باحث في الشؤون الآسيوية

حقوق النشر: أحمد عبده طرابيك 2023

 

 

ar.Qantara.de