تركيا مسيطرة بالفعل على عمق 30 كيلومترا في سوريا - دور روسي محوري في صوغ مستقبل سوريا؟

- إردوغان يؤكد أن العملية العسكرية في سوريا ستتواصل حتى "تحقق أهدافها"

- تحليل: تركيا تحارب، وروسيا تناور، وأمريكا تتراجع في سوريا

- تحليل: التوغل التركي في سوريا فرصة لبوتين لتعزيز نفوذ روسيا في الشرق الأوسط

 

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء 15 / 10 / 2019 أن العملية التي تخوضها قواته ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا لن تتوقف حتى "تتحقق أهدافنا". ودخلت العملية العسكرية التركية الدامية ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة "إرهابية" يومها السابع يوم الثلاثاء.

وبدأت تركيا ومقاتلون سوريون موالون لها قبل نحو أسبوع هجوماً ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، تمكّنت خلاله من السيطرة على منطقة حدودية واسعة بنحو مئة كيلومتر تمتد من محيط بلدة رأس العين (شمال الحسكة) وصولاً إلى مدينة تل أبيض (شمال الرقة)، وبعمق نحو 30 كيلومتراً.

 

إردوغان يؤكد أن العملية العسكرية في سوريا ستتواصل حتى "تحقق أهدافها"

وقال في خطاب متلفز من باكو "إن شاء الله سنسيطر سريعًا على المنطقة الممتدة من منبج إلى حدودنا مع العراق ونضمن في المرحلة الأولى عودة مليون ومن ثم مليوني لاجئ سوري وبكامل إرادتهم" إلى بلادهم. وأضاف أنه تم "تحرير" ألف كيلومتر من الأراضي السورية حتى الآن "من المنظمة الإرهابية الانفصالية".

وتخطط تركيا لإقامة "منطقة آمنة" تمتد عبر شمال سوريا تمكنها من إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو 3,6 مليونًا الذين وصلوا إليها هربًا من النزاع في بلدهم. أ ف ب 

 

- تحليل تركيا تحارب، وروسيا تناور، وأمريكا تتراجع في سوريا (د ب أ)

القوات التركية التي دخلت سوريا لمحاربة المقاتلين الأكراد بعد أن تخلت عنهم الولايات المتحدة قد تمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون قصد انتصارا استراتيجيا في الشرق الأوسط.

فبعد مرور نحو أسبوع على إصدار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أوامره لقواته بدخول الأراضي السورية، تناور روسيا لكي تدفع الحكومة السورية إلى إرسال قواتها للأراضي التي ظلت طوال سبع سنوات تحت سيطرة المسلحين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، حتى قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من هذه المناطق.

وتمثل الحملة التركية على المسلحين الأكراد خطوة كبيرة في جهود الرئيس بوتين لإعادة سيطرة حكومة بشار الأسد على كامل التراب السوري، بعد نجاح القوات الروسية في تحويل دفة الصراع في سوريا لصالح حكومة الأسد.

ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن أيهم كامل رئيس إدارة أبحاث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "أوراسيا جروب" للأبحاث القول إن "بوتين نجح في إجبار حلفائه وخصومه على القبول باعتباره مهندس التوازن السياسي والعسكري في الصراع السوري... ورغم أن محاولة إدارة الصراع الإسرائيلي الإيراني السعودي، والمصالح التركية في سوريا ليست مهمة سهلة، فإن نفوذ ومكانة بوتين في المنطقة يتصاعدان".

وأشارت بلومبرغ إلى أن الولايات المتحدة حاولت استعادة زمام المبادرة في الأزمة التركية السورية عندما طالبت أردوغان بـ "وقف فوري لإطلاق النار" وفرض عقوبات على تركيا وإن كانت أقل من العقوبات التي يطالب بها بعض أعضاء الكونغرس.

وجاء هذا بعد يوم واحد من إعلان السلطة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا التوصل إلى اتفاق مع حكومتي دمشق وموسكو للسماح للجيش السوري بحماية حدود سوريا الشمالية مع تركيا بعد قرار الولايات المتحدة سحب الـــ 1000 جندي أمريكي المتبقين في المنطقة.

ورغم أن قوات الأسد لا تستطيع مواجهة جيش تركيا عضو حلف شمال الأطلسي "ناتو" والتي سيطرت بالفعل على 30 كيلومترا داخل سوريا، يمثل تحريك القوات السورية نحو الحدود التركية إشارة إلى اعتزام بوتين تحجيم طموحات إردوغان.

في الوقت نفسه فإن هذه الخطوة، أعطت روسيا دورا قياديا لا ينازع في صياغة مستقبل سوريا وتعزيز صورة بوتين في الشرق الأوسط، حيث صاغ بالفعل شراكة مع إيران وأقام تحالفا نفطيا مع السعودية وعلاقات وثيقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

كما يرتبط بوتين بعلاقة وثيقة مع إردوغان الذي تحدى التهديدات الأمريكية وأصر على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي المتقدم إس 400، ويبذل الرئيسان جهودا منسقة لحل الصراع في سوريا رغم التوترات المتعلقة بالأكراد.

وأجرى بوتين يوم الثلاثاء 15 / 10 / 2019 محادثات في الإمارات العربية المتحدة بعد زيارته للسعودية في يوم الإثنين، مما يمثل تعزيزا لجهود الكرملين للاستفادة من تراجع النفوذ الأمريكي في ظل رئاسة الرئيس ترامب وسلفه باراك أوباما. 

وتريد روسيا التزام إردوغان بالاتفاق الأمني الموقع عام 2006 والذي يسمح للقوات التركية بالعمل ضد مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية السورية القرب من الحدود "لكنه لا يسمح بوجود عسكري تركي طويل المدى" على الأراضي السورية بحسب فلاديمير فرولوف الدبلوماسي الروسي السابق والمحلل السياسي في موسكو.

وأضاف فرولوف أن "هذا يعني وضع حدود أرضية للعملية التركية الحالية وبالنسبة للأكراد يعني إقامة منطقة حظر طيران بالنسبة للطائرات التركية". ويبدو أن موسكو ودمشق تعتمدان على المسلحين الأكراد الخاضعين الآن للحكومة المركزية في دمشق لكي يسيطروا على الأراضي في شمال شرق سوريا ومنع عودة الجماعات الإرهابية إليها. 

وتقول قوات "سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد إن إدارة الحكم الذاتي في هذه المناطق مازالت مسؤولة عن القيادة السياسية والأمن الداخلي فيها، في حين أن دور قوات الأسد التي تم نشرها يتمثل في وقف التقدم التركي.

يقول قائد القوات الكردية في شمال شرق سوريا مظلوم عبدي في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الأكراد يواجهون "حلا وسطا مؤلما" بالعمل مع موسكو والأسد "لكن إذا كان لنا أن نختار بين الحلول الوسط وتعرض شعبنا لإبادة جماعية فإننا سنختار الحياة بالتأكيد".

في الوقت نفسه فإن المسؤولين الروس حذرون بشأن كيفية اعتزام روسيا تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة لشركائها في سوريا في الغالب. وردا على سؤال حول ما إذا كانت التطورات الحالية في سوريا تتفق مع الموقف الروسي الداعي إلى ضرورة الحفاظ على وحدة التراب السوري، قال يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية "ليس صحيحا .. نحن سننتظر لنرى التطورات".

وعلى صعيد آخر تقول تركيا إن عمليتها العسكرية الحالية تستهدف إبعاد المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين وعلى صلة بالانفصاليين الأكراد في تركيا عن الحدود التركية السورية. في المقابل فإن هذه العملية العسكرية أثارت موجة انتقادات دولية واسعة.

وحذر بوتين يوم الجمعة الماضي من أن العملية التركية يمكن أن تؤدي إلى تعافي تنظيم داعش الإرهابي، في ظل وجود آلاف الدواعش المحتجزين لدى المسلحين الأكراد والذين قد يفرون من السجون بسبب الهجوم التركي، وتردد أن بعضهم فروا بالفعل.

وقال في مقابلة مع نظرائه من رؤساء دول آسيا الوسطى في تركمانستان: "هذا خطر حقيقي يهددنا جميعا". وبعد ذلك كرر هذا الموقف ودعا إلى انسحاب كل القوات "المنتشرة بشكل غير شرعي" في سورية، و"نحن الآن نناقش الموقف بشكل صريح مع كل شركائنا بما في ذلك تركيا وإيران".

وأخيرا تقول إيلينا سوبونينا خبيرة شؤون الشرق الأوسط في روسيا إن الهجوم التركي والانسحاب الأمريكي يمثلان فرصة مثالية لتحقيق أهداف روسيا في سوريا واستعادة السيطرة على شمال شرق سوريا الغنية بالنفط، مضيفة: "روسيا تريد دائما استعادة سيطرة الحكومة السورية على أكبر مساحة ممكنة من أراضي سوريا" وهو ما يحدث الآن بفضل العملية التركية. (د ب أ) 15 / 10 / 2019

 

تحليل: التوغل التركي في سوريا فرصة لبوتين لتعزيز نفوذ روسيا في الشرق الأوسط (رويترز)

- إردوغان أبلغ بوتين مسبقا بعملية سوريا

- مصادر: روسيا يمكن أن تتقبل توغلا محدودا

- موسكو تخشى أن تؤدي الخطوة لتعثر جهود السلام

- موسكو تسعى للعب دور الوسيط في الشرق الأوسط

 يقول أشخاص مقربون من الكرملين إن التوغل التركي في سوريا يمثل فرصة لروسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة حيث تتراجع واشنطن فيما يبدو، لكن المخاطر على الدبلوماسية الروسية ستزداد كلما طالت العملية.

وفي اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل العملية ضد المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن، أوضح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وهو حليف للرئيس السوري بشار الأسد، أنه يأمل في أن يكون التوغل محدودا في زمانه ونطاقه، بحسبما ذكرت المصادر.

وقال آندريه كليموف، وهو نائب بارز مؤيد لبوتين في مجلس الاتحاد بالبرلمان الروسي "كلما انتهت حالة الصراع هذه بسرعة كان أفضل للجميع". وأضاف: "أتمنى حقا أن يبذل شركاؤنا الأتراك كل ما في وسعهم لتجنب أي صراع ولو بالمصادفة على الأرض مع قوات الحكومة السورية أو مع الجنود الروس".

وبالنسبة لروسيا، فهذه موازنة دقيقة. فقد تعهدت باستخدام قوتها الجوية لمساعدة الأسد على استعادة كل الأراضي التي فقدها في الحرب المستمرة منذ ما يربو على ثماني سنوات وشددت مرارا على أهمية وحدة أراضي البلاد.

لكنها تعمل أيضا مع تركيا وإيران للضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية تأمل في أن تفضي إلى إعادة صياغة الدستور السوري في نهاية المطاف وتُظهر أن بوسع موسكو أن تساعد في تحقيق السلام كما تقدم العون في الحرب.

ويقول منتقدون إن جهود موسكو جهود صورية تهدف إلى التوصل لتسوية سياسية وهمية لإعادة إضفاء الشرعية على الأسد وجذب الأموال من الاتحاد الأوروبي والخليج لإعادة بناء سوريا.

والنجاح في هذه الجهود سيتوج التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015 والذي منح موسكو نفوذا جديدا في الشرق الأوسط. كما تحرص روسيا على توسيع هذا النفوذ لا سيما في وقت تنأى فيه واشنطن بنفسها عن المنطقة فيما يبدو.

وسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوات الأمريكية ممهدا الطريق أمام هجوم تركيا، مما أثار انتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الذين يقدرون دور الأكراد في القتال إلى جانب الأمريكيين لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية السورية جماعة إرهابية بسبب علاقاتها مع المسلحين الذين يخوضون تمردا داخل تركيا. ومن شأن استمرار العملية التركية لفترة طويلة أو خروجها عن السيطرة أن يعرقل جهود الكرملين الدبلوماسية.

وقال يوري أوشاكوف المساعد في الكرملين يوم الخميس 10 / 10 / 2019 إن بوتين أبلغ إردوغان بأن على قواته أن تتوخى الحذر في كل تحركاتها رغم تفهم موسكو لمخاوف أنقرة الأمنية.

وأضاف أوشاكوف: "من المهم بالنسبة لنا أن يتحلى كل الأطراف بضبط النفس وأن يحسبوا بدقة خطواتهم العملية لتجنب الإضرار بالإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق تسوية سياسية". وأشار أوشاكوف إلى أول اجتماع مقرر عقده للجنة صياغة الدستور السوري بدعم من موسكو في 29 أكتوبر / تشرين الأول 2019 على أنه حدث لا ينبغي تعطيله. 

وسيط: أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الخميس أن موسكو تتأهب للاضطلاع بدور وسيط في حل أحدث أزمة في الصراع السوري الذي طال أمده. وقد يشمل ذلك التوسط في إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، التي تريد خروج القوات التركية من أراضيها، وبين دمشق والأكراد، الذين يريدون قدرا من الحكم الذاتي داخل سوريا وهو أمر لم يظهر الأسد أي إشارة بعد على تقبله. 

وقال لافروف للصحفيين إن موسكو ستحاول في الاتجاهين مشيرا إلى الترحيب الواضح بجهود روسيا من الجانبين السوري والكردي. وأضاف "دعونا نرى ما يمكننا فعله".

وقال ماثيو بوليغ الباحث في مؤسسة تشاتام هاوس في لندن "روسيا على الأرجح هي اللاعب الوحيد في الغرفة بين الراشدين الذي يمكنه أن يتحدث مع الجميع في ذات الوقت. سواء كانت إسرائيل وإيران أو القوات الكردية وتركيا أو الأسد وأي طرف آخر". وبالنسبة لبوتين سيشكل ذلك نصرا كبيرا على الساحة الجيوسياسية.

وقال آندريه كورتونوف رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث تربطه صلات وثيقة بوزارة الخارجية الروسية، "إذا تمكن من ترتيب ذلك فسيُعتبر الأمر نصرا سياسيا كبيرا".

وتابع قائلا: "يمكن لبوتين أن يقول إن الأمريكيين أخفقوا في حل ذلك لكننا استطعنا... بما يعني ضمنا أن نهجنا حيال الصراع أكثر فاعلية من منافسينا على الساحة الجيوسياسية". وقال فلاديمير فرولوف وهو دبلوماسي روسي كبير سابق إنه إذا اقتصرت العملية التركية على منطقة أمنية عمقها 30 ميلا داخل سوريا وكانت سريعة فمن المرجح أن تغض موسكو الطرف عنها.

وأشار إلى أن نشر روسيا لأنظمة دفاع جوي متطورة في سوريا ووجود قاعدة جوية لها هناك يمكنها عمليا من وقف أي تقدم تركي إذا أرادت. لكن فرولوف قال "إذا أراد أردوغان التوغل أكثر في سوريا وتقسيمها... فستحاول موسكو منع ذلك من خلال نشر مواقع مراقبة روسية في مناطق متقدمة وبغطاء جوي روسي". وقال: "روسيا تسيطر على سماوات سوريا ... وتركيا تحلق بطائراتها الآن برضا موسكو". رويترز 11 / 10 / 2019