مقارنة مغرية بين هند مودي وتركيا إردوغان

قناعات دينية نشأ عليها كل من الرئيس التركي إردوغان ورئيس الوزراء الهندي مودي، شكلت لاحقا حياتهما السياسية. يروج حزباهما لعقيدة قومية ذات صبغة دينية. لكن اعتمادهما ليس فقط على ناخبين متدينين بل لديهما أيضا برامج حداثية. وفي حين يمجد إردوغان إرث الإمبراطورية العثمانية، يستحضر مودي إنجازات الهند القديمة. الكاتب والسياسي الهندي شاشى ثارور يحلل تشابهات مغرية بين مسارات الرجلين الشخصية والمهنية.

الكاتبة ، الكاتب: Shashi Tharoor

تتسم المقارنات في عموم الأمر بالافتقار إلى العدل وإثارة الاستياء، وخاصة عندما تتعلق بقادة سياسيين ينتمون إلى دول مختلفة. ولكن في حين وصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى السلطة قبل رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي بنحو أحد عشر عاما، فإن هناك الكثير من مساراتهما الشخصية والمهنية التي تجعل المقارنة مغرية إلى حد لا يقاوم. ينتمي كل من إردوغان ومودي إلى خلفية متواضعة من بلدة صغيرة: فكان إردوغان يبيع عصير الليمون والمعجنات في شوارع مدينة ريزه؛ وكان مودي يساعد والده وأخاه في إدارة كشك للشاي على محطة للسكك الحديدية في فادناجار. وكل منهما رجل عصامي نشط ويتمتع بلياقة بدنية عالية، كان إردوغان لاعب كرة قدم محترف قبل أن يصبح سياسيا؛ وكان مودي يتفاخر بقطر صدره الذي يبلغ 142 سنتيمترا ــ ناهيك عن كونه خطيبا مفوها. عقيدة قومية ذات صبغة دينية ولكن ببرامج حداثية كما نشأ كل من إردوغان ومودي على قناعات دينية شكلت في نهاية المطاف حياتهما المهنية كسياسيين. وكل من حزب إردوغان العدالة والتنمية وحزب مودي بهاراتيا جاناتا يروج لعقيدة قومية ذات صبغة دينية ويزعم أنها أكثر مصداقية من الإيديولوجيات العلمانية المستوحاة من الغرب والتي كانت في الماضي توجه جهود التنمية في البلدين. ولكن في سبيلهما إلى الفوز بالسلطة، لم يعتمد إردوغان ومودي بشكل كامل على الناخبين المتدينين. بل خاض كل منهما حملته ببرنامج حداثي، زاعما أنه من خلال تنفيذ سياسات داعمة للأعمال والحد من الفساد يصبح بوسعه جلب قدر أعظم من الرخاء الاقتصادي مقارنة بالمؤسسة التي سعى إلى استئصالها. وهنا يستغل إردوغان ومودي الماضي والمستقبل لتحقيق غاياتهما. فيمجد أدروغان إرث الإمبراطورية العثمانية، في حين يقول للناخبين إنهم لا "يختارون رئيسا ونوابا فحسب" بل إنهم أيضا "يختارون من أجل مستقبل البلاد في القرن القادم". على نحو مماثل، يستحضر مودي على نحو لا ينقطع إنجازات الهند القديمة، والتي يزعم أنه يسعى إلى إحيائها باسم خلق مستقبل أفضل. 

رئيس تركيا رجب طيب إردوغان.
حملات انتخابية إردوغانية في الخارج: اختار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مدينة ساراييفو للترويج لحملته الانتخابية بعدما منعت دول أوروبية عدة على رأسها ألمانيا، أي مهرجانات انتخابية مؤيدة له قبل استفتاء نيسان/أبريل 2017 حول تعزيز صلاحياته. وأدّى ذلك الرفض إلى توتر شديد بين أنقرة وعدة عواصم أوروبية. وهدف هذا التجمع الانتخابي قبل شهر واحد من الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في يوم الأحد 24 / 06 / 2018، إلى كسب أصوات الأتراك في الخارج الذين يتجاوز عددهم ثلاثة ملايين ناخب، بينهم 1,4 مليون تركي في ألمانيا. وحضره مؤيدون له من كل أوروبا، بما في ذلك ألمانيا والنمسا وإيطاليا وبلجيكا والدول الإسكندنافية وهولندا وسويسرا والمجر. في المقابل أدانت وزارة الخارجية التركية "ازدواجية المعايير الألمانية" وقراراً ألمانياً بالسماح بتنظيم مسيرة مؤيدة لمعارضين أكراد في مدينة كولونيا في حين تمنع ألمانيت المسؤولين الأتراك من تنظيم فعاليات مع الجالية التركية. يذكر أن السلطات الألمانية منعت اثنين من الساسة الأكراد المعارضين من إلقاء كلمة في المسيرة.

باختصار، وطد كل من إردوغان ومودي سلطته من خلال تمجيد الماضي، مع تصوير نفسه على أنه عامل تغيير ديناميكي موجه نحو المستقبل، فهو بطل يصول ويجول على فحل أيض، شاهرا سيفه، ويقطع القيود التي تمنع بلده من الانطلاق. صوتا الأتراك والهنود "الحقيقيين" المهمشين...رسالة سياسية تلقى آذانا انتخابية صاغية في الوقت نفسه، رسم كل من إردوغان ومودي نفسه على أنه سياسي من خارج المؤسسة، ويمثل الأتراك أو الهنود "الحقيقيين" الذين عانوا طويلا من التهميش من قِبَل العلمانيين العالميين. ومع ارتفاع السخط الشعبي عندما وصل كل منهما إلى السلطة، لاقت هذه الرسالة السياسية آذانا صاغية. وقد سَهَّل السرد حول الاستياء والسخط على النخب العلمانية الراسخة، الذي تخلله خطاب ديني شوفيني محرف للتاريخ، ظهور كل من الرجلين كصوت للطبقات المتوسطة التي تنتمي إلى المناطق النائية والمدن والبلدات من الدرجة الثانية. قومية تركية مفرطة وسلطوية متزايدة ونمو اقتصادي قوي عندما أصبح إردوغان رئيسا للوزراء أول مرة في عام 2003، تعزز موقفه بفِعل النمو العالمي المزدهر، الأمر الذي شجعه على البدء في تحويل النظام السياسي التركي. وعملت صيغته السياسية -تركيبة قوية تتألف من الهوية الدينية والأغلبية المتغطرسة، والقومية المفرطة، والسلطوية المتزايدة (بما في ذلك الهيمنة المؤسسية)، وفرض القيود على وسائل الإعلام، والنمو الاقتصادي القوي، وشخصية قوية مقنعة- على حمله إلى إعادة انتخابه رئيسا للوزراء مرتين، ومن هناك إلى الرئاسة في عام 2014. أجندة طائفية هندية ضيقة وتهميش للأقليات والمسلمين وتعزيز للشوفينية الهندوسية وقد ذهب مودي، سواء عن وعي أو بغير وعي، إلى تكييف صيغة إردوغان مع جهوده لإعادة تشكيل الهند. فسعى إلى تهميش المسلمين وتعزيز الشوفينية الهندوسية. ويشعر المنتمون إلى الأقليات عموما بأنهم محاصرون، حيث لم تستبعدهم قومية مودي فحسب، بل وتصورهم أيضا على أنهم خونة. علاوة على ذلك، في الهند في عهد مودي، تُشتَرى الولاءات السياسية غالبا، وتهدم المؤسسات لخدمة أجندة طائفية ضيقة. وقد واجه المعارضون في وسائل الإعلام والجامعات الترهيب. المنطقة الوحيدة التي تعثر فيها مودي هي نمو الناتج المحلي الإجمالي، نظرا لسوء الإدارة الاقتصادية المروع من قِبَل حكومته. سياسات خارجية ناشطة تهدف إلى تعزيز صورة الحاكم في الداخل على المسرح الدولي أيضا، هناك أوجه تشابه بارزة بين الطريقة التي يتصرف بها إردوغان ومودي. فكل منهما يلاحق سياسات خارجية ناشطة تهدف إلى تعزيز صورته في الداخل، وكل منهما استقطب دعم الجاليات الهندية في الخارج. وربما تستعدي خُطَب إردوغان في البلقان الولايات المتحدة وأوروبا، بل وحتى الصرب والكروات، لكنها ترفع أسهمه بين الأتراك. وعندما يخاطب مودي مدرجات إستاد مكتظة بالمغتربين الهنود في زياراته إلى الخارج، فإن خطاباته تستهدف بشكل مباشر الجماهير في الوطن. مؤخرا، عَلَّق سونر كابتاجاي، وهو محلل تركي ومؤلف كتاب عن إردوغان قائلا: "نصف أهل البلاد يكرهونه ويعتقدون أنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء بشكل صحيح. ولكن في الوقت نفسه، النصف الآخر يعبدونه، ويعتقدون أنه من غير الممكن أن يفعل أي شيء بشكل غير صحيح". ويصدق نفس القول على مودي في الهند. 

رئيس وزراء الهند نارندرا مودي.
مودي سياسي قومي هندوسي مستعين بالاستقطاب الشعبوي وبالنجاح الاقتصادي: رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ظهر في عام 2014 كمرشح عن حزبه لمنصب رئاسة وزراء الهند، مستعينا بالاستقطاب الشعبوي وبالنجاح الاقتصادي. ويقول مراقبون لموقع قنطرة إن أيديولوجية الهندوتفا الهندوسية تمثِّل شكلاً حصريًا من أشكال القومية الثقافية، وتعود أصولها إلى حقبة العشرينيات. وطبقًا لهذه الأيديولوجية تعتبر الهند أرض الهندوس؛ التي لا مكان فيها للأقليات مثل المسيحيين أو المسلمين. ولكن في الواقع إنَّ حزب بهاراتيا جاناتا وغيره من حركات الهندوتفا لا يحدِّد الهندوسية من خلال الدين بقدر ما يحدِّدها من خلال الثقافة. ومع ذلك فإنَّ المشكلة الوحيدة هي أنَّ الهندوس المنقسمين في مختلف الطبقات والطوائف لا يشكِّلون في الحقيقة وحدة ثقافية.

بطبيعة الحال، هناك اختلافات مهمة بين تركيا والهند. فبادئ ذي بدء، يعادل عدد سكان تركيا (81 مليون نسمة) أقل من نصف عدد سكان ولاية هندية واحدة، أوتار براديش، التي يتجاوز عدد سكانها 210 ملايين نسمة. وتركيا مسلمة بأغلبية 98%، في حين تمثل الهندوسية في الهند 80% من السكان فقط. ويمثل التعصب الإسلامي -كما يؤكد الشوفينيون الهندوس بلا كلل أو ملل- ظاهرة عالمية؛ أما التعصب الهندوسي فليس كذلك. وتركيا ليس لديها ما يعادل المهاتما غاندي، ورسالته في نبذ العنف والتعايش السلمي التي تُزرَع في رأس كل طفل في المدارس الهندية. "تركيا دولة متقدمة نوعا ما مقارنةً بالهند" ونوبات حكم عسكري في تركيا مقابل ديمقراطية هندية راسخة علاوة على ذلك، تُعَد تركيا دولة متقدمة إلى حد ما، في حين لا يزال الطريق أمام الهند طويلا قبل أن تبلغ هذه النقطة. وعلى النقيض من الهند، لم تستعمر تركيا أو تقسم قَط على أساس ديني، كما حدث مع الهند لخلق باكستان (وإن كان تبادل السكان الذي رافق انفصال تركيا عن اليونان قريب الشبه). أما ما مرت به تركيا ولم تمر به الهند فهو نوبات من الحكم العسكري. والواقع أن الديمقراطية في الهند راسخة بعمق، الأمر الذي يجعلها أقل عُرضة للوقوع أسيرة حاكم منفرد. ويفسر هذا جزئيا لماذا يصعب للغاية على كثيرين من الهنود أن يتخيلوا دولتهم تسير على خطى تركيا لكي تتحول إلى ديمقراطية أغلبية غير ليبرالية يتولى السلطة فيها حاكم منفرد. ولكن برغم أن مودي وحزب بهاراتيا جاناتا لم يحققا تلك الدرجة من "أَسْر الدولة" التي بلغها إردوغان وحزب التنمية والعدالة، فربما يعود هذا إلى أنهما متأخران بإحدى عشرة سنة. والمسار الذي يسلكه مودي وحزبه الآن مماثل بالقدر الكافي لتبرير المقارنة، واستثارة القلق والانزعاج.  والآن تدق أجراس الإنذار: فمثلها كمثل الليرة التركية، فقدت الروبية الهندية أكثر من 5% من قيمتها في الشهر الأخير. ومع اقتراب الانتخابات في كل من البلدين ــ في تركيا هذا الشهر ( الأحد 24 / 06 / 2018)، وفي الهند في ربيع عام 2019 - فهل ينتبه الناخبون إلى نُذُر الخطر؟   شاشى ثارور ترجمة: إبراهيم محمد علي حقوق النشر: بروجيكت سنتديكيت 2018  ar.Qantara.deشاشي ثارور ، مساعد سابق للأمين العام للأمم المتحدة ووزير دولة هندي سابق لتنمية الموارد البشرية ووزير دولة سابق للشؤون الخارجية. وهو عضو البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر الوطني الهندي ورئيس اللجنة الدائمة للبرلمان المعنية بالشؤون الخارجية. وهو مؤلف كتاب عن الهند وعالم القرن الحادي والعشرين.