من يقرر السياسة التركية الخارجية؟

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بعد شهور من تفكير تركيا في توغل عسكري بمناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا يبدو أن أنقرة صارت تريد محادثات مع دمشق الأسد لضمان عودة آمنة للاجئين. استيضاح عائشة كارابات من إسطنبول لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ayşe Karabat

يرسلُ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إشارات واضحة عن مصالحة محتملة مع النظام السوري، والتي كانت أنقرة إلى وقت قريب جداً تصفه بالدكتاتورية التي ينبغي الإطاحة بها. وقد قال للصحفيين الذين كانوا يرافقونه في رحلة إلى أوكرانيا في 18 آب/أغسطس 2022: "ليس لدينا مشكلة في هزيمة الأسد من عدمها". وكانت تركيا وسوريا قد قطعتا علاقاتهما في عام 2011 في أعقاب اندلاع الحرب السورية.

وقال: "ستحتاج تركيا إلى خطوات متقدمة مع دمشق لإنهاء عدد من المؤامرات في المنطقة"، مؤكّداً مرة أخرى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تغذّي الإرهاب في سوريا عبر توفير الأسلحة والمعدات لوحدات حماية الشعب الكردية، حليف الولايات المتحدة الأميركية في قتالها ضد الدولة الإسلامية.

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية فرعاً من حزب العمال الكردستاني المحظور، والذي تصنّفه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.

توغّل أم تعاون عسكري؟

منذ أيار/مايو 2022، يناقش إردوغان إمكانية توغّل عسكري آخر في شمال سوريا، حيث تسيطر وحدات حماية الشعب الكردية على محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا ومناطق تل رفعت ومنبج، اللتين تقعان بين منطقتين تسيطر عليهما تركيا في الشمال الغربي. ويهدف أي توغّل إلى ربط المنطقتين الخاضعتين للسيطرة التركية في سوريا.

لكن لم توافق روسيا ولا الولايات المتحدة الأمريكية على مثل هذه الخطوة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مؤخراً إنهم يأملون في أن "تحجم" تركيا عن شنّ هجوم في شمال سوريا.

بدأ إردوغان في تغيير رأي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما الثاني وجهاً لوجه في غضون شهر في مدينة سوتشي على البحر الأسود بتاريخ 6 آب/أغسطس 2022، إلا أنّ نتيجة القمة كانت تحولاً في خطاب أنقرة فيما يخصّ سوريا.

 

خريطة سوريا - القوى المسيطرة في سوريا في عام  2022 Map of Syria 2022 - DW
طوع إشارة روسيا؟ يعتقد فلاديمير بوتين أنّ المخاوف الأمنية التركية يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال التعاون بدلاً من التوغّل العسكري. وكما يقول البروفيسور سرحات إركمن من جامعة آلتن باش في إسطنبول: "تستفيد موسكو من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا ومن عزلتها عن الغرب. وتريد روسيا أكثر من أي وقت مضى تسوية بين أنقرة ودمشق وستستمر بالضغط من أجل تحقيق ذلك". كما أنّ بوتين حريص على التوصّل إلى اتفاق تسوية بين دمشق وخصومها، وهي خطوة بدأت تركيا مؤخراً بدعمها.  

 

إذ قال إردوغان للصحفيين: "ليس لدينا أطماع في الأراضي السورية؛ والشعب السوري هم أشقاؤنا. ونولي أهمية لوحدة أراضي سوريا، ويتعين على النظام إدراك ذلك".

قال البروفيسور سرحات إركمن، من جامعة آلتن باش في إسطنبول والخبير في الشؤون السورية، إنّ دمشق مثل تركيا غير راضية عن المناطق التي أُعلِن أنها تتمتّع بالحكم الذاتي وتخضع لسيطرة القوات الكردية، لكنها لا تملك القوة العسكرية لمحاربتها.

وأضاف: "في كل مرة تخطّط تركيا للقيام بعملية عسكرية في سوريا، تجدّد القوات التي يقودها الأكراد جهودها لتحقيق المصالحة مع دمشق. وهذا يقوّي نظام الأسد فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب". كما اعتبر أنّ كل من تركيا وسوريا تتشاركان التهديد الأمني حين يتعلّق الأمر بالقوات الكردية. وهذا هو السبب أيضاً في أنّ الاتصال المحدود الذي جرى بين البلدين في السنوات الأخيرة قد تمّ من خلال أجهزتهما الأمنية.

تأثير بوتين

يعتقد فلاديمير بوتين أنّ المخاوف الأمنية التركية يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال التعاون بدلاً من التوغّل العسكري. ففي عام 2019، كرّر بوتين أنّ اتفاقية أضنة، التي أبرمتها تركيا وسوريا في عام 1998، وتتحدّث عن تعاون قوي بين البلدين ضد الانفصاليين الأكراد، لا تزال سارية المفعول. كما أنه حريص على التوصّل إلى اتفاق تسوية بين دمشق وخصومها، وهي خطوة تدعمها تركيا.

 

 

قال زعيم حزب "الشعب الجمهوري" التركي المعارض"#كمال_كيلجدار_أوغلو" إن #أردوغان تراجع عن وعوده بعدم مصالحة #الأسد، بناءً على "تعليمات" أصدرها الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين. pic.twitter.com/QgpDogbYhi

— Orient أورينت (@OrientNews) August 23, 2022

 

وفي 11 آب/أغسطس 2022 قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: "علينا أن نجد طريقة يتّفق فيها المعارضة والنظام السوري للتوصل إلى تسوية، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم"، بينما كشف عن محادثة قصيرة له مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد العام الماضي 2021 على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في بلغراد.

وواصل تشاووش أوغلو: "لا بد أن تكون هناك إدارة قوية في سوريا لمنع أي انقسام في البلاد... وإرادة السيطرة على كل ركن من أراضيه لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الوحدة والتضامن".

 

وقد سبّبت كلماته موجة من الاحتجاجات في شمال غرب سوريا الخاضع للسيطرة التركية. وأظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حرق الناس للأعلام التركية ورميهم للحجارة على المركبات العسكرية التركية.

وقال إركمن: "أعتقد أنّ الاتصالات والمحادثات بين أنقرة ودمشق ستستمر في الازدياد، لا سيما بسبب روسيا، التي ترغب بوضوح بنهاية للعبة في سوريا. تستفيد موسكو من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا ومن عزلتها عن الغرب. وتريد روسيا أكثر من أي وقت مضى تسوية بين أنقرة ودمشق وستستمر بالضغط من أجل تحقيق ذلك".

اللاجئون غير المرحب بهم من قبل الطرفين

لا تتخلى تركيا عن خيار التوغّل العسكري، على الرغم من خطواتها الظاهرة باتجاه إعادة التقارب مع دمشق. وقد قالت أنقرة عدة مرات إنّ أحد أهداف الهجوم العسكري سيكون إنشاء منطقة عازلة على طول حدودها لنقل عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا.

ويوجد في تركيا لاجئون أكثر مما يوجد في أي دولة أخرى في العالم. ويشكّل موضوع اللاجئين قضية ساخنة في السياسة التركية. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤخراً شركة الأبحاث متروبول Metropoll أنّ 81.7% من السكان الأتراك يريدون عودة السوريين إلى بلادهم. ومثل هذا المناخ، إضافة إلى سياسة اللاجئين غير المخطط لها التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية، يجعل من اللاجئين هدفاً سهلاً للمعارضة السياسية التركية التي تَعِد بترحيل اللاجئين السوريين إلى وطنهم، ليس فقط الجماعات اليمينية المتطرفة وحزب مناهض للاجئين أُنشئ مؤخراً، ولكن حتى المعارضة الرئيسية، أي حزب الشعب الجمهوري (CHP).

إذ تعهّد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، في عدة مناسبات، بأنه في حال فوز المعارضة بانتخابات عام 2023، فستتوصل إلى اتفاق مع الأسد لضمان العودة الآمنة للسوريين. ورحب كمال كليتشدار أوغلو، الذي لطالما اتهم الحكومة التركية بتأجيج الحرب الأهلية السورية، رحب بخطوات الحكومة باتجاه المصالحة، ولكن أضاف بأنها "قليلة جداً، ومتأخرة جداً".

والآن، حتى الحكومة تريد إعادة اللاجئين، إذ يكافح حزب العدالة والتنمية فعلاً لدعم اقتصاد محاصر، كما أنه يشهد شعبيته تتضاءل. بيد أنّ إركمِن يعتقد أنّ مسألة عودة اللاجئين السوريين ليست أولوية بالنسبة لدمشق، والتي تواجه بالفعل صعوبات شديدة في تلبية احتياجات سكانها داخل البلاد.

إضافة إلى ذلك تأمل أنقرة في أن يتغير الوضع بعد وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة.

 

#جمعة_الغضب.. احتجاجات واسعة في شمال #سوريا رفضًا للمصالحة مع بشار الأسد، وذلك بعد دعوة وزير الخارجية التركي#أخبار_الآن#تركيا@baderkhanahmad



للمزيد: https://t.co/NlZh6Kmd2q pic.twitter.com/iok15rJux2

— Akhbar Al Aan أخبار الآن (@akhbar) August 12, 2022

 

وقد قال تشاووش أوغلو مؤخراً: "لا أحد يرغب في المساعدة في إعادة البناء من دون وقف إطلاق النار ومن دون السلام. وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي والجهات الفاعلة المهمة في العالم، إضافة إلى المجتمع الدولي. ولذلك، نبذل قصارى جهدنا، لكن الأساس في كل هذا، وقف إطلاق النار. وبالطبع سنكثّف عملنا لتحقيق ذلك".

لا تزال طاولة المفاوضات محمّلة بالعديد من القضايا: تريد دمشق استعادة السيطرة على أراضيها، ولا تزال أنقرة تعتبر وجود المجموعات الكردية المدعومة أمريكياً على حدودها تهديداً لها وتسعى موسكو إلى تركيز طاقاتها ومواردها على أوكرانيا.

ووفقاً لإركمِن، قد تتمكن دمشق وأنقرة من زيادة التواصل والاتصالات فيما بينهما، لكن من المرجح أن تمنعهما وجهات نظرهما المختلفة حول اللاجئين من الوصول إلى تسوية قريباً.

 

عائشة كارابات

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de