الإرهاب أشبه بمداعبة مقارنةً بجائحة كورونا؟

تزامنَ عامُ اضطرام وباء كورونا 2020 مع الذكرى الـ 19 لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، التي صارت تداعياتها الواسعة تُرى بكل بوضوح: مثل استمرار تأثير النماذج السياسية -الوليدة في زمن الإرهاب- على التعامل مع الفيروس. الكاتب الألماني شتيفان فايدنَر يستعرض لموقع قنطرة مشترَكات الإرهاب والجائحة.

الكاتب، الكاتبة : Stefan Weidner

حين خَبَطَتْ أزمة كورونا في ربيع عام 2020 خَبْطَتَها شعر أناسٌ كثيرون -خصوصًا في الولايات المتَّحدة الأمريكية- بشعور يُذكِّر بالفترةِ التي تَلَتْ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. فهل يَا تُرَى مِن تشابهاتٍ وارتباطاتٍ أعمق بين هذين الحدَثين إلى جانب منعطف الصدمة الذي يمثِّلُهُ بشكل متماثل كل من العامَيْن 2001 وَ 2020؟ المؤشِّرات إلى ذلك كثيرة، مثل: تعطيل حركة الطيران والتعامل السلطوي من قِبَل الدولة وإغلاق الحدود وظهور تعصُّب من نوع جديد ونظريات مؤامرة جديدة.

القيود المفروضة علينا تطرح سؤالًا شديد الحساسية حول جوانب أسلوب حياتنا السابق التي لا غنى عنها وَ "ذات الارتباط بالنظام" على المدى الطويل. أو بعبارة أخرى: ما مدى حالة الطوارئ التي نحن على استعداد لقبولها، وإلى متى؟

الحياة الاعتيادية الجديدة

لم توجد في مصر -بعد ثورة 2011- مباريات كرة قدم طيلة سنين، بسبب خَوْف المُمْسكين بزمام السلطة من المشجِّعين المُسَيَّسين للغاية، الذين لم يتورَّعُوا عن الدخول في مواجهات عنيفة. وفي أفغانستان توقَّفت الحياة الثقافية العامة منذ فترة طويلة بسبب خطر التعرُّض لهجمات. أمَّا لدينا [في ألمانيا] فقد هاجَرَتْ الحياة الثقافية إلى فضاء الإنترنت الافتراضي بسبب كورونا. ومقارنةً بكورونا تبدو حقبة الإرهاب وكأنها أشبه بفترة مداعبة، شِعارُها: ثَمَّةَ دائماً ما هو قادمٌ أسوأ.

ومما يدعو أكثر إلى الأسف هو تعامل سياسيين غربيين كثيرين مع الفيروس بنفس الخطاب الذي استخدموه في تعاملهم مع الإرهاب: بلغة الحرب والمواجهة. من المثير للاهتمام أنَّ ألمانيا مثَّلت استثناءً في أزمة كورونا، تمامًا مثلما كانت عند إعلان الحرب على العراق في عام 2003، وقد يُعزى هذا إلى ماضيها: فسياسيّونا [الألمان] يحجمون عن استخدام خطاب الحرب -وهم مُحِقّون في ذلك- لأنَّ منطق المواجهة في التعامل مع الفيروس أقلُّ فعالية مما هو عليه بالنسبة للإرهاب.

 

Lateinamerika schottet sich ab: Fieberkontrolle an der Grenze zwischen Paraguay und Argentinien; Foto: AFP/D.Duarte
Kultur des Verdachts: So wie jeder Muslim einst als potenzieller Terrorist galt, gilt heute jeder Bürger als ein potenzieller Virusträger. Nach 9/11 waren davon nur Muslime betroffen. Heute kann jeder jeden anstecken, ohne es zu merken.

 

يشترك الفيروس والإرهابيون في شيء آخر أيضًا: في تعذُّر رؤيتهم. فمثلما كان يُعتبر في السابق كلُّ مسلم إرهابيًا محتملاً، بات يُعتَبر اليوم كلُّ مواطن حاملًا محتملاً للفيروس. وهكذا تنتشر بشكل تدريجي ثقافةُ الشكّ والاشتباه. بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر (2001)، كان المسلمون وحدهم المُستهدفين. واليوم يمكن لأي شخص نقل العدوى لأي شخص آخر من دون ملاحظة ذلك.

وهو اشتباهٌ عامٌّ يصدُّه كثيرون عن أنفسهم بات بمثابة وقود للاحتجاجات ضدَّ إجراءات كورونا، وجاءَ نتيجةً لفقدان آلية كبش الفداء فعاليتها في ظلّ هذه الظروف. آليةٌ بدلاً من التخلي عنها بات يتم اختلاق نظريات مؤامرة من أجل إدخال طرفٍ ما مُجَدَّدًا في دائرة الاتهام.

انعدام الثقة في كلِّ مكان

يمثِّل انتشار ثقافة الشكّ والاشتباه العام والارتياب العام عبئًا نفسيًا غالبًا ما يتم التقليل من شأنه – وهنا بإمكان المسلمين إخبارنا بإسهاب عن تجارب مماثلة عاشوا وطأتَها. يحاول السياسيون التعامل مع ذلك بإجراءات توحي بوقوع الأمور تحت السيطرة. لكن لا أحد يعرف في هذا الوقت ما هو الإجراء المفيد والمناسب حقًا من بين هذه الإجراءات.

الشعبوية اليمينية -التي ظهرت [في ألمانيا] في سياق الإسلام والهجرة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001- تُعرِّض احتواء الفيروس بشكل فعَّال للخطر من خلال عدم ثقتها في الدولة، وقد أدَّت إلى حركة احتجاجية تُذكِّر من عدة جوانب بحركة بيغيدا [الألمانية] اليمينية الشعبوية المعادية للإسلام.

ليس سيئًا من حيث المبدأ أن يتم التشكيك في الإجراءات المتَّخذة ضدَّ كورونا، ولكن يجب فعل ذلك بحجج مستنِدة إلى حقائق، ومستمَدَّة من أساس توجِّهُهُ القيم والأخلاق، وليس من الاستياء والغضب والإحباط أو الكراهية.

إذا نظرنا إلى ما يحدث حاليًا من منظور تاريخي عالمي أعلى نلاحظ أنَّ الفيروس والإرهاب على حدّ سواء من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها الناجمة عن العولمة. بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، كان الردُّ متحدِّيًا تحت شعار "دقَّتْ ساعة الصفر حان الوقت وآن أوان اللحظة الحاسمة"، والنتيجة: زيادة تسريع وتيرة النمو والتواصل الدولي وإطلاق العنان للاقتصاد الليبرالي الجديد.

 

Rechtspopulistische Pegida-Demo in Dresden; Foto: picture-alliance/dpa/A.Burgi
Die hässliche Fratze des Rechtsextremismus: Der nach 9/11 und im Zusammenhang mit der Islam- und Einwanderungsfrage aufgekommene Rechtspopulismus gefährdet mit seinem Misstrauen gegen den Staat die effektive Eindämmung des Virus und hat zu einer Protestbewegung geführt, die in vieler Hinsicht an die rechtspopulistische und islamfeindliche Pegida-Bewegung erinnert.

 

فَـ "بالنسبة لمُنَظِّري السوق الحرّة وبالنسبة للشركات التي تخدم مصالحهم، لم يتغيَّر سوى شيء واحد فقط: فقد أصبح من الأسهل عليهم الآن تحقيق أهدافهم الطموحة"، كما كتبت نعومي كلاين [صحفية كندية ناقدة للعولمة الاقتصادية] في كتابها "عقيدة الصدمة".

العولمة والاستعمار

الفيروس كبح فجأة جماح العولمة النيوليبرالية، التي اشتدَّت بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. يجب هذه المرة استغلال فرصة إعادة التفكير إن أردنا تجنُّب المزيد من الأزمات المشابهة. ولكننا نحتاج من أجل ذلك إلى تحليل دقيق لما سار بشكل خاطئ في العولمة: بالتأكيد ليس كلَّ ما حدث، ولكن وبالتأكيد أيضًا الكثير جدًا مما حدث سار بشكل خاطئ.

وفي هذا التحليل يلعب الاستعمار -باعتباره رائد العولمة- دورًا رئيسيًا أيضًا. الإرهاب هو حفيد -خرج عن المسار الصحيح- من أحفاد حركات التحرير السابقة المناهضة للاستعمار، أي وليد محاولات الجنوب العالمي لتحرير نفسه من تأثير الغرب العالمي.

أمَّا الاستعمار فهو رائد العنصرية الحالية ومعاداة السامية ومعاداة الإسلام وأيديولوجيا "تفوُّق البيض" النتنة. يجب علينا أن نتعلَّم كيف نتصوَّر العولمة من منظور المساواة والعدالة. يجب أن يكون تصدير نفاياتنا إلى دول أخرى أمرًا محظورًا تمامًا، وكذلك استيراد العمالة المؤهلة تأهيلًا عاليًا والذي أدَّى إلى هجرة العقول من الجنوب العالمي.

دعونا نتذكَّر أنَّ الانتشار الفيروسي الوبائي البيولوجي الحقيقي كان محرِّكًا وعائقًا للغزوات الاستعمارية: فمن ناحية، وقع ضحيَّته سكَّان أمريكا الأصليون من خلال الأمراض المعدية، التي نقلها الأوروبيون معهم، وتحديدًا على نطاق يمكن وصفه بالإبادة الجماعية؛ ومن ناحية أخرى، كان الأوروبيون يموتون في الجنوب العالمي المُحتل حديثًا بسبب أمراض المناطق الاستوائية غالبًا. والمدهش أنَّ هذه الأخطار لم تردع المستعمرين لأنَّهم قبلوا بالمجازفة بأنفسهم في هذه المخاطر الشخصية.

ولكن هنا بالضبط يكمن الفرق عن وضعنا اليوم: فخطر العولمة يصيبنا جميعًا على شكل كوارث بيئية وجائحة وبائية. ويتم تحميل الجميع مسؤولية استعداد أناس قليلين للمخاطرة، هُم عادةً أثرياء بما يكفي للتخفيف عن أنفسهم من حدة المخاطر.

توازن بين سياسة التباعد وسياسة الانعزال

يشترك الفيروس والإرهاب في قاسم مشترك مخيف آخر. فقد أدَّى نقص المشاركة والديمقراطية إلى تعزيز الإرهاب في العالم الإسلامي. لقد نشأ أسامة بن لادن من وسط الحركة الإصلاحية: "الصحوة السعودية". ولم يصبح إرهابيًا إلَّا بعد أن جرَّده السعوديون من جنسيَّته.

 

Chinas Präsident Xi Jinping besucht Corona-Hotspot Wuhan seit dem erstmaligen Ausbruch des Virus in China; Foto: picture-alliance/Xinhua
Zwischen Autoritarismus und desolater, intransparenter Informationspolitik: Der Umgang mit dem Virus in China – erst Zensur und Verleugnung, dann rabiate Gegenmaßnahmen – ist ebenfalls das Ergebnis eines mangelhaft legitimierten Systems, das um seine Akzeptanz fürchtet. Durch die Angst des Staates und die Zensur wurde das Virus zu lange verleugnet und seine globale Verbreitung erst ermöglicht.

 

كما أن التعامل مع الفيروس في الصين -أوَّلًا بفرض الرقابة والإنكار، ثم الإجراءات المضادة الشديدة القساوة- هو أيضًا نتيجة لنظام يفتقر إلى الشرعية ويخاف على فقدان قبوله. لقد تم في الصين إنكار وجود الفيروس لفترة طويلة بسبب خوف الدولة والرقابة المفروضة، مما أتاح المجال لانتشاره عالميًا.

وقد أدَّى ذلك -بسبب الإجراءات القاسية المتَّخذة الآن في جميع أنحاء العالم- إلى أزمة شرعية حتى في المجتمعات الديمقراطية، التي بات عليها الآن فجأة أن تتعامل بطريقة قاسية وسلطوية مثل الصين: بالإغلاق الشامل وفرض عقوبات على "المخالفين للإجراءات المضادة للفيروس'' وبإغلاق الحدود وبالتحذيرات من السفر وبالحظر.

ومن أجل منع انتشار هذه "العدوى" من خلال السياسات الخاطئة في المستقبل، يُنْصح بنوع من "التباعد الاجتماعي" بين الدول عند التعامل مع الأنظمة السياسية المفتقرة للشرعية. ولا يعني هذا قطع جميع العلاقات مع مثل هذه الأنظمة، بل يعني عدم الاعتماد عليها، تمامًا مثلما هي الحال في التباعد الاجتماعي الحقيقي بين البشر.

عَصْفٌ ذهنيّ جماعيّ

القاعدة هي توخِّي الحذر وتجنُّب التشابكات الاقتصادية، التي من الممكن أن تصبح فخًّا. وهذا يعني بالتحديد: قد يجوز لنا شراء النفط العربي والغاز الروسي والتكنولوجيا الصينية - ولكن ضمن حدود ضيِّقة فقط، وهذا يعني فقط ودائمًا بطريقة لا يصبح من خلالها هذا الاستيراد مرتبطًا بالنظام.

وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أنَّ القومية -التي بدأ ظهورها من جديد مع أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر- والشعبوية المعادية للإسلام التي تأجَّجت من خلال ذلك، تتحوَّل في أزمة كورونا إلى مبدأ استرشادي لقيادة عمل الدولة: ففي بداية الجائحة تم إغلاق جميع الحدود. وفي هذا الوقت يتم [مثلًا في ألمانيا] اعتبار العديد من الدول الأخرى -وحتى الدول الأوروبية المجاورة- كمناطق خطرة.

 

Brennendes Flüchtlingscamp Moria auf Lesbos; Foto: picture-alliance/AP/P.Balaskas
Zu wenig internationale Solidarität und Absprachen: Die Flüchtlingskrise findet keine Aufmerksamkeit mehr. Oder nur, wenn die Lager abbrennen – aber kann man den Geflüchteten diesen Hilfeschrei verübeln? Die Bewältigung der Pandemie wird nach wie vor als nationale Aufgabe begriffen. Das Coronavirus droht, ein noch schlimmeres Virus zu gebären: das der Abschottung.

 

كان ولا يزال يوجد القليل جدا فقط من التضامن والتنسيق الدوليين. أزمة اللاجئين لم تَعُدْ تَجِد أيّ اهتمام، أو أنها تجد اهتمامًا فقط حين يحرق لاجئون مخيَّماتهم - لكن هل من الممكن لومهم على هذه الصرخة من أجل طلب المساعدة؟ التغلُّب على الجائحة لا يزال يُفهم على أنَّه مهمة وطنية. وفيروس كورونا بات يُهدِّد بإنجاب فيروس أسوأ: فيروس الانعزال.

يعمل الفيروس والإرهاب مثل الموشور الزجاجي. فهما يُقَسِّمان مجتمعاتنا إلى ألوانهما الطيفية ويبيِّنان لنا من نحن. وما هي العناصر التي نتكوَّن منها؟ وكيف يعمل عَتَادُ الحواسيب الداخلي الموجود في الكواليس في الحقيقة خلف شاشات المستخدِمين الخدَّاعة الجميلة. وما هي الأولويات التي نضعها حينما ينتهي زمن الخطابة والتفكير القائم على التمنِّي؟

إنَّ اتِّهام الحكومات بأنَّها لم تكن مستعدَّة لهذه الجائحة التي أنهكتها هو أمر سهل ورخيص للغاية. ولكن بعد أكثر من نصف عام على ظهور الجائحة، بتنا في حاجة ماسة إلى عصف ذهني جماعي (تفكير جماعي لإيجاد حلّ). ما نحتاجه ليس مظاهرات يقوم بها أشخاصٌ يشعرون بالإهانة لأنَّهم مُجبرون على ارتداء الكمَّامات، بل نحتاج إلى المزيد من المحادثات والنقاشات والتعمُّق في التحليلات.

هكذا فقط -بواسطة التواصل المُكَثَّف- يمكننا حقًا استيعاب تعقيدات عصرنا وتحدِّياته ونقلها وجعلها مفهومة. وفقط حين نفهم ما أدَّى إلى هذه الأزمة، وعندما نشكِّك في وجهات نظرنا السابقة إلى العالم، سنكون على استعداد للتعامل مع القادم. وهذا لن يكون أمرًا سهلًا.

 

 

شتيفان فايدنَر

ترجمة: رائد الباش / ع.م

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

شتيفان فايدنَر كاتب وباحث ألماني مختص في العلوم الإسلامية. صادرٌ له في شهر كانون الأوَّل/يناير 2021 كتابٌ تحت عنوان: "المنطقة صفر - الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وولادة الحاضر"، (عن دار نشر هانزَر).

في هذه الملفات الصوتية المزيد من الأفكار للكاتب شتيفان فايدنَر حول الفيروس والإرهاب باللغة الألمانية.

 

[embed:render:embedded:node:40155]