
تشرذم عربي في صراع "فارسي - روماني" جديد: إيراني - أمريكيحين امتدت الخلافة الإسلامية على بقاع العالم
الصراع الأمريكي الإيراني على بلاد العرب يستدعي ذاكرة التاريخ في أحقاب الصراع المديد بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية (البيزنطية)، اللتين استمرت الحروب المتواترة بينهما طوال سبعة قرون في سياق حملات حربية متبادلة على مراكز نفوذ كلتيهما.
وكانت مراكز النفوذ تلك تقع في نطاق ممالك ومناطق القبائل العربية المتشرذمة المتقاتلة خارج التاريخ بينما كان الفرس متكونين في إمبراطورية موحَّدة بالسيف والثقافة الحضارية المتسيدة وكذا الروم المتشكلين من ديانة جامعة (المسيحية الشرقية) وقد ورثوا الحضارة الإغريقية الوثنية.
وهي الحضارة الإغريقية الوثنية التي خاضت بدورها ما قبل الميلاد حروباً متبادلة مع الحضارة الفارسية دفاعاً وغزواً سجلتها أساطير ومسرحيات اليونان التراجيدية، واستخدمتها هوليوود صانعة أساطير الإمبراطورية الأمريكية (روما الحديثة) كما في فليم "300" المبني على رواية مصورة للكاتب فرانك ميلر التي تستعيد الأجواء الأسطورية لأحداث معركة ترموبيل، حيث قاد ملك إسبرطة 300 محارب من إسبرطة خاضوا قتالاً حتى الموت ضد جيش الفرس ذي المائة ألف مقاتل، وقد تمكّن مارينز إسبرطة الثلاثمائة من صدّ الغزو الفارسي لبلاد الإغريق.
وحيث أن هوليوود درجت على خدمة السياسة الأمريكية جاء إطلاق الفيلم"300" في ذروة التهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران في زمن خطب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد النارية لا سيما تهديده بمحو إسرائيل من الخارطة.

خارطة الصراع الفارسي الروماني في مجال جغرافيا العرب
لقد كانت خارطة الصراع الفارسي الروماني في مجال جغرافيا العرب تدور حول نهر الفرات ونهر دجلة (العراق وسوريا الكبرى) وصولاً إلى اليمن البعيد. كانت القبائل العربية الكبيرة ذات الشكل السياسي غير المتوَّج وإليها الممالك المتوَّجة تستنجد في صراعاتها البينية بالفرس أو الروم. من ممالك سبأ وحضرموت ويمـنت في اليمن إلى مملكتي المناذرة والغساسنة في العراق سوريا.
كانت مملكة المناذرة التي يعود سكانها الوثنيين إلى قبائل اليمن تقع جغرافياً على نهر الفرات بالعراق وعاصمتها "الحيرة" وتقع جيوسياسيا في المجال الحيوي لهيمنة الفرس من القرن الثالث الميلادي حتى الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع. مقابلها في سوريا في الفترة نفسها كانت مملكة الغساسنة وعاصمتها "بصرى الشام" تخضع لهيمنة الروم ويعتنق سكانها المسيحية. وهكذا كان التقاتل متواترا بين المناذرة الوثنيين أتباع الفرس المجوس والغساسنة النصرانيين أتباع الروم النصارى. إلى أن حدثت موقعة ذي قار الحاسمة بمنطق الابستمولوجيا التاريخية بين جيش الفرس الجرار وائتلاف واسع من قبائل العرب، دون التوقف عند تفاصيل أسباب وقوع المعركة حسب أخبار الرواة.