جلابة وبارتشي وموشحات أندلسية وأجواء رمضانية روحانية في طنجة المغربية

عادات رمضانية متأصلة يعيشها المغاربة قبل رمضان وأثناءه وبعده وتُظْهِر مدى تحمسهم وتقديسهم لهذا الشهر الكريم. وصال الشيخ والتفاصيل من طنجة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: وصال الشيخ

عادات وتقاليد يعيشها المغاربة قبل شهر رمضان وأثناءه وبعده، هي ما يجعلهم متحمسين على الدوام على صوم الشهر بذات الوتيرة. عادات وتقاليد متأصلة بفعل حماس المغاربة وتقديسهم للشهر الكريم

ولا يمكن تجاوز هذا الموروث الشعبي- الرمضاني إلّا بشكل فرديّ، أمّا العائلات والمجتمع بأكمله فيحافظ عليها ويرسخها من جيل لآخر. من مدينة طنجة، الواقعة شمال المغرب، تعرّفنا على بعض التقاليد التي تخصّ المدينة. 

قبل بداية الشهر تُعِدّ نساء طنجة الحلويات الخاصة برمضان مثل "الشبّاكية"، "السفوف" (خليط من اللوز المحمص والسمسم والطحين المحمص وبذور الشومر)، وإعداد الفطائر (بريوات السمك أو الدجاج) وحتى "البسطيلة" (طبق مغربي من ورق العجين محشوّ باللوز المطحون والدجاج)، وشراء ما يلزم لإعداد شوربة "الحريرة" المكوّنة من البقوليات والشعيرية والتي تؤكل عادة على الموائد المغربية بشكل يوميّ إلى جانب البيض المسلوق. 

 

 

طقوس الجلّابة المغربية

تنفرد النساء بطقس خاص عندما يخطْن الـ"جلّابات" اللباس التقليدي المغرب لاستقبال شهر رمضان ولاحقاً عيد الفطر. تقول أسماء المجاهد بأنّ: "النساء يرتدين جلّابتين، واحدة في رمضان والأخرى يوم العيد" وتصفهنّ بحديثها: "الأولى جلّابة خفيفة الخيط وبسيطة ترتديها طوال أيام الشهر الفضيل والأخرى يجب أن تكون فخمة ذات جمالية وبزينة واضحة". أمّا الرجل فقد يرتدي الـ"قندورة" في الأغلب، ويترك الجلاّبة لمناسبة العيد. أما الأطفال الصغار الذكور فتُفصّل لهم عائلاتهم ما يُسمى بـ"الجابدور"، والإناث يرتدين الجلّابة.

يتطلّب هذا التقليد من العائلة المغربية الواحدة ما ميزانيته 3 آلاف درهم (300 يورو) على أقل تقدير، وتبقى الميزانية تتأرجح بحسب القماش والزينة المستخدمة في الجلّابة.

وتحتاج خياطة الجلّابة بواسطة الماكينة ثلاثة أيام على الأقل، أبسطها الجلّابة العادية من دون زينة أو تطريز، وأصعبها قد يستغرق عشرة أيام بتطريز يدوي و"جواهر" أو "تنّبات" تُخيّط باستخدام اليّد أيضاً.

 

 

لم تكن المرأة قديماً تعرف الملابس العصرية، وبالرغم من دخول الفرنسيين إلى البلاد بحضارتهم وأزيائهم ظلّت المغربية متمسكة بجلّابتها وارتدت معها الخمار المغربي. تقول المجاهد: "وجدت جدتي ووالدتي يحضّرن جلاّباتهن لرمضان، وهو إرث قديم أتذكر به النساء اللواتي يتركن اللباس العصري بعد الزواج، ويبدأن في خياطة الجلاّبة طوال العام".

لكنّ المرأة لا تُجبر على ارتداء الجلاّبة، بل فقط من باب الوقار والاحترام والهيبة" بحسب ما تقول سهام النادي لموقع قنطرة. فالجلاّبة "تضيف للمرأة شخصية وتعكس الهوية المغربية". لكنّ الفتاة قد تتعرض لكلام مسيء أو تجريح في حال لم تلبسها: "تسمع الفتيات عبارات من قبيل: اذهبي واستري نفسك، لأنها ترتدي الجينز، عكس ما قد يفعله الشاب عندما يتسكعون بلباس البحر (شورت قصير) في الشارع ولا أحد ينهاه عن الأمر".

تدخل الجلّابة في باب المفاخرة والمباهاة، وتبيّن لنا الطبقات الاجتماعية التي ينتمي لها الناس: "تعتبر جلّابة العيد سراً لا تفشيه المرأة للأخريات، عليها أن تتفاخر بها خصوصاً إذا كانت مطرّزة باليد ويزينها الجوهر، فهي على هذه الحال الأغلى ثمناً" بحسب المجاهد.

 

 

{الجلاّبة عبارة عن لباس تقليدي في رمضان، مريح للصلاة. والجلاّبة تضيف للمرأة شخصية وتعكس الهوية المغربية - كما يقول مغاربة}

 

ينتهي رمضان وتبدأ خياطة هذا الزيّ التقليدي لاستقبال الأعراس وعيد الأضحى والمولد النبوي بالإضافة إلى أزياء تقليدية أخرى مثل "التكشيطة" و"القطفان" التي لا تغيب عن بال المرأة المغربية في مختلف الاحتفالات.

ويوجد حيّ خاص بالخياطين التقليديين للجلاّبة يسمى حي "الريسول"، يعملون كخلية نحل ليلاً نهاراً حتى يتمكنوا من إنهاء طلبات الزبائن. من جانب اقتصادي- مجتمعي، تنتعش هذه المهنة وتفتح أبوابها للشباب العاطلين عن العمل.



سعيد، أحد الخياطين الذين يعملون بحي الـ "ريسول"، يقول لموقع قنطرة بأن "الجميع يرتدي الجلابة في رمضان، لديها قيمة ويحتفلون بها ويزيد عليها الطلب، يرتديها الشخص يوميا للصلاة ولزيارة العائلة، لكنّ بعضهم يخصص جلابة في بداية رمضان، وأخرى ليلة القدر ثم يوم العيد".

بائع الجلابة، منير، يقول لموقع قنطرة: إن الجلّابة "عبارة عن لباس تقليدي في رمضان، مريح للصلاة". 

 

 

 

{بعد صلاة العشاء، تنتعش المدينة القديمة وحواريها بالطرب الأندلسي الأصيل في طنجة}

 

الخروج للعب الـ"بارتشي" وللتسوّق قبل مغيب الشمس، تنتعش حركة الأسواق وتولّد أزمة خانقة في المدينة، إذ يفضل المغاربة شراء فطائر "الكرواسون، البريوات، البغرير (القطايف)، المسمّن" من المخابز، إضافة للفواكه وعصير البرتقال الذي يفضّله المغاربة على مائدة الإفطار، بالإضافة إلى الحليب الذي يُشرب مع التمر.

ويعتبر كثيرون شهر رمضان شهر "رزقة"، إذ يُسمح بفتح بسطات صغيرة تنشط في بيع العصائر الطبيعية، الخبز المنزلي، العجائن مثل "البغرير" وورق "البسطيلة" الذي تصنعه النساء على الأغلب، ينشط أيضا بيع الفواكه والخضار التي يرتفع سعرها عادة في رمضان، فقد واجه المغاربة بداية الشهر ارتفاعاً في سعر البصل الذي وصل إلى 15 درهماً للكيلو (يورو ونصف). 

يُمضي المغاربة وقتهم قبل الإفطار بالخروج للتسوّق، أو في لعب "البارتشي" (لعبة طاولة)، وهي لعبة جلبها الإسبانيون الذين قدموا لطنجة قبل الاستعمار، لكنها هنديّة الأصل. 

تعتمد الـ "بارتشي" على رمية النرد وعلى المنافسة والندية وتحفز على التفكير والتخطيط إذ يشترك فيها اثنان إلى أربعة أشخاص.

 

 

يقول محمد بأن " نجتمع نحن كأصدقاء للعب البارتشي من بعد صلاة العصر في مقهى "حنفطة" حتى أذان المغرب أو بعد صلاة العشاء في جوّ رمضاني روحاني، وبالنسبة لي دائما ألعبها".

بعد صلاة العشاء، ينتعش المدينة القديمة وحواريها بالطرب الأندلسي الأصيل. في مقهى "حنفطة" خاصة يجد الطنجيو الأصل غايتهم في الموشحات الأندلسية، حيث تُخَصص في يَوْمَي الخميس والجمعة سهرتان مجانيتان لعاشقي وحافظي هذا الموروث، الذي أصبح يُعَدّ جزءا صغيرا متلاشيا من ذاكرة المدينة. 

في المقابل، تركد المدينة سياحياً، إذ تنخفض نسبة الزوّار الأجانب بنسبة كبيرة، لكن ذلك لا يعني إغلاق المطاعم أمام السيّاح مراعاة لاحتياجاتهم. 

 

 

وصال الشيخ

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de