نقاشات دنماركية حول ثقافة الدنماركيين والمسلمين

مظاهرة في الدنمارك ضد حظر البرقع في كوبنهاغن: نساء دنماركيات يرتدين النقاب أثناء مظاهرة.
مظاهرة في الدنمارك ضد حظر البرقع في كوبنهاغن: نساء دنماركيات يرتدين النقاب أثناء مظاهرة.

نقاشات عامة وبرلمانية دنماركية متركزة بتزايُد على اختلافات بين ثقافة الدنماركيين وثقافة المهاجرين غير الغربيين الذين هم غالباً مسلمون جلبوا أو حافظوا على المواقف والقيم والتوجهات الحياتية لبلدانهم الأصلية. الكاتب حسن العاصي يسلط الضوء على تماس ثقافي في الدنمارك في مجالات التعليم والدين واللغة.

الكاتب، الكاتبة : حسن العاصي

في الصورة: مظاهرة في الدنمارك ضد حظر البرقع في كوبنهاغن - نساء دنماركيات يرتدين النقاب أثناء مظاهرة. تركزت المناقشات العامة، والمبادرات التشريعية في الدنمارك، بشكل متزايد على القضايا الناشئة عن الاختلافات بين الثقافة الدنماركية وثقافة المهاجرين غير الغربيين ـ غالباً هم المسلمين ـ الذين جلبوا أو حافظوا على المواقف والقيم والتوجهات الحياتية لبلدانهم الأصلية، أي ما يسمى التماس الثقافي. حيث ركزت المناقشات بشكل أساسي على ثلاث مجالات فرعية، وهي اللغة، والتعليم، والدين.

احتكاك لغوي

جلب المهاجرون عدداً كبيراً من اللغات الأجنبية إلى الدنمارك. من بين الأكثر شيوعًا اللغة الصربية، الكرواتية، والتركية، والأردية، والفيتنامية، والعربية، والصومالية. يتعلم معظم الناس اللغة الدنماركية تدريجياً، لكن في نفس الوقت يلتزمون ويواصلون التحدث باللغة الأصلية.

على سبيل المثال عن طريق أنماط المعيشة والسكن المركز، والتقاليد العائلية، والجمعيات العرقية المختلفة، والمدارس الدينية الخاصة، ووسائل الاتصال الإلكترونية، والسفر بشكل أو بآخر إلى بلد المنشأ.

لذلك من غير المعروف مدى سرعة ومدى اندماج المهاجرين اليوم، الذين يشار إليهم في هذا السياق غالبًا باسم "ثنائيي اللغة" من الناحية اللغوية، أي باعتبار اللغة الدنماركية لغتهم الأولى واستخدام اللغة الدنماركية كلغة اتصال يومية، بما في ذلك في سياقات الأسرة.

حسن العاصي كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك FOTO PRIVAT
لا يمكن هذه مشكلة أوروبا إلا بالمزيد من الهجرة بضوابط صحيحة - يكتب حسن العاصي : تُعرَّف التعددية الثقافية رسمياً على أنها "نموذج ترتبط فيه المشاريع الفردية للأقليات العرقية بمجتمع وطني شامل له قيم مشتركة". في كندا كان على المهاجرين الاحتفاظ بهويتهم العرقية والثقافية وليس تبديلها بالسمات التي تنطبق على الأغلبية. يعتقد "ترودو" أن الاعتراف بالهوية العرقية للمهاجرين سيجعل من السهل دمجهم في المجتمع الكندي. ولأكثر من قرن، ولأسباب تاريخية، كان لدى كندا "فسيفساء" عرقية أو "صحن سلطة" أكثر من "بوتقة" كما هو حال المجتمع الأمريكي. أصبح لهذا النمط الآن فضيلة، حيث إنه لا ينبغي استيعاب المهاجرين فقط، بل "الاندماج" أيضاً. إذا لم يتم حل المشاكل السكانية، فسوف يضعف ذلك النمو الاقتصادي ويضعف صوت أوروبا، وسوف تتحول أوروبا إلى قارة للمسنين. لا يمكن حل هذه المشكلة إلا إلى مع المزيد من الهجرة، وليس الحد منها، لكن يجب أن تكون هجرة بالضوابط الصحيحة.

في الوقت الحاضر، الوضع السائد هو أن اللغة الأولى في المنزل هي اللغة العرقية للأقليات العرقية، أي لغتهم الأم، ولا تبدأ التنشئة الاجتماعية الحقيقية في الدنماركية للعديد من الأطفال حتى يوم بدئهم في الحضانة أو المدرسة.

يبرز السؤال من خلال حقيقة أنه لا يزال من غير الشائع بالنسبة لأطفال المهاجرين والأحفاد أن يبدأوا كالأطفال الدنماركيين في مؤسسات الرعاية النهارية في سن مبكرة. وبالمثل، لا يزال هناك العديد من أطفال الأقليات الذين يختار آباؤهم تسجيلهم في مدارس مجانية دينية، حيث تكون اللغة العربية ـ أو لغة أخرى لعرقية أخرى ـ هي اللغة الأولى في معظم الحالات. ومع ذلك، في كلا المجالين، يمكن تسجيل نمط حديث بين أولياء الأمور من الأقليات.

إنهم يتخذون بشكل متزايد نفس الخيارات المؤسسية والمدرسية مثل الآباء الدنماركيين. ومع ذلك، يتم تعزيز عدد من القضايا التربوية العامة في عملية التعليم والتنشئة الاجتماعية، بما في ذلك تعليم التمايز، والهوية الثقافية، وأهمية تعليم اللغة الأم، والدور العام للمدرسة في اندماج الأقليات، والعدد المتزايد لأطفال الأقليات ثنائية اللغة - وثقافيًا.

سياقات طلابية غير متجانسة

 تتفاقم المشاكل بسبب الميل إلى أن تكون هناك مدارس في المناطق السكنية والمناطق الحضرية ذات الاستيطان العرقي المركّز، حيث يأتي غالبية الطلاب من عائلات مهاجرة بدون ثقل لغوي وثقافي يمكن مقارنته بأطفال الآباء الدنماركيين. والنتيجة هي في مناطق معينة، مثل Vollsmose in Odense أو Gjellerup في آرهوس، يسحب الآباء الدنماركيون أطفالهم من مدارسها، مما يعزز الميول نحو نظام التعليم الابتدائي والإعدادي المنفصل.

تم استخدام العديد من المبادرات السياسية والمناقشات والموارد في السنوات الأخيرة لإيجاد حلول لهذه المشكلة، وبالتالي كسر الإرث الاجتماعي السلبي الناتج الذي يهدد بالتأثير على الفرص التعليمية والوظيفية لأطفال الأقليات العرقية طوال الحياة.

يتم تجربة حلول مختلفة في سياقات بلدية مختلفة. ليس من الواضح ما إذا كان هذا بسبب ذلك أم لا، ولكن في السنوات الأخيرة كان هناك اتجاه جديد بين أولياء الأمور من الأقليات، الذين يختارون بشكل متزايد وضع أطفالهم في المدارس مع غلبة الأطفال ذوي الأصول الدنماركية لتعزيز اندماجهم في نظام التعليم، ومن ثم فرصهم الوظيفية. حيث ظهرت فتيات الأقليات على وجه الخصوص كنماذج يحتذى بها في جميع أجزاء نظام التعليم، في حين أن أداء الأولاد أسوأ بكثير.

في عام 2018 أكمل 45% من الرجال المهاجرين في الدنمارك المنحدرين من أصول غير غربية، والذين تبلغ أعمارهم 30 عاماً، أكملوا التعليم المهني في سياق مؤهلات مهنية تتطلب أربع سنوات دراسية. فيما بلغت نسبة النساء لنفس الفئة 60%. وكانت النسب المقابلة لمن يبلغون من العمر ثلاثين عاماً من أصل عرقي دنماركي 72% للرجال و %79 للنساء.  بالنسبة للنساء المهاجرات، يعكس الرقم تحسنًا ملحوظًا، حيث كانت نسبة حصولهم على تأهيل مهني %44 في عام 2004.

على الرغم من ذلك، لا يزال النمط العام للتعليم الثانوي العالي والتعليم العالي هو أن عدد الشباب من المهاجرين الذين يتلقون هذه التعليم أقل بكثير من الشباب الدنماركي. وأن معدل التسرب بين شباب الأقليات ما زال أعلى.

 في عام 2018 كانت نسبة انخراط الشباب الذكور من المهاجرين غير الغربيين في التعليم، والذين تبلغ أعمارهم 22 عاماً هي 47%. وبلغت نسبة النساء 58 %من نفس المجموعة. في كلتا الحالتين تشكل النسب تقريبا أقل بحوالي 5% أقل من المستوى المخصص لمن يبلغون من العمر 22 عاماً من أصل عرقي دنماركي.

 ومع ذلك، فقد تقلصت الاختلافات خلال فترة خمسة عشر عاماً الماضية. وهناك أيضاً فرق واضح بين المهاجرين والأحفاد - فالأحفاد يكونون أفضل من المهاجرين الوافدين حديثاً. كما أن مشاركة كل من المهاجرين وأحفادهم موزعة بشكل غير متساوٍ في مجالات التعليم المختلفة مقارنةً بالإثنية الدنماركية. حيث يتم تمثيل الشباب من الأقليات بقوة، على سبيل المثال، في التعليم الصحي المهني والتقني، ولكن تمثيلهم أقل في العلوم الإنسانية والقانونية والاجتماعية، وهي حالة تُنسب عادةً إلى خلفياتهم الثقافية المختلفة.

العجز النسبي في الكفاءات في التعليم العام الدنماركي

بالنسبة لجميع الفئات العمرية من 16 إلى 30 عاماً هناك عدد أكبر من الأشخاص من أصل دنماركي الذين هم إما في التعليم أو في العمل مقارنة بالمهاجرين والأحفاد غير الغربيين.

 سواء بين الرجال أو النساء يوجد 82% من الأعراق الدنماركية إما موظفون أو في التعليم. الأمر نفسه ينطبق على تقريبا 64% من المهاجرين غير الغربيين و76 %من المنحدرين الغربيين. وبالتالي، فإن المنحدرين من أصل غربي ـ وخاصة النساء بنسبة 78% يقتربون من مستوى العرق الدنماركي، بينما يتخلف المهاجرون غير الغربيين كثيراً.

تعدد الأديان

تعني الهجرة من الدول غير الغربية أيضاً، أن الدنمارك اليوم يجب أن توصف بأنها مجتمع متعدد الأديان. والقضايا المتعلقة بالدين، والاعتراف بمعتقدات دينية مختلفة عن المسيحية، وإمكانيات التعايش بين الأديان المختلفة، ودور الأديان في التنشئة وفي الفضاء العام، حيث أصبح التركيز على الدين بشكل متزايد في كل من المناقشات السياسية والشعبية. كما أثارت النقاشات مسألة الدور الرسمي للكنيسة الوطنية الدنماركية والفصل بين الدولة والكنيسة.

ومع ذلك، ركزت الغالبية العظمى من المناقشات العامة ـ السياسية والإعلامية ـ على المسلمين والإسلام. لأن الإسلام لديه أتباع أكثر بكثير من ديانات الأقليات الأخرى (يقدر أن هناك أكثر من 300.000 مسلم في الدنمارك (2020)).

وأيضاً لأن الإسلام لا يعترف بالمبادئ المتعلقة بالقوانين والأحكام المدنية، ولا يهتم بالفصل بين القضايا الدينية والاجتماعية والقانونية والسياسية، ولأن المنظمات الإسلامية غالباً ما تركت بصماتها في الأماكن العامة، ولأن الإسلام قد صوّر من قبل الكثيرين منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 على أنه أيديولوجية متطرفة وأصولية وإرهابية محتملة بطبيعتها، تحتوي على بذور الصراع الاجتماعي والسياسي، ولا يتوافق مع المجتمعات الغربية الديمقراطية.

بشكل عام، أدى ذلك إلى نقاشات في المجتمع الدنماركي، غالباً ما تكون عاطفية للغاية، حيث شعر المسلمون في كثير من الأحيان أنهم تعرضوا للكراهية (كما في حالة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة عن النبي محمد "صلعم" التي نشرتها صحيفة جيلاند بوستن المعروفة في سبتمبر/أيلول عام 2005).

 

مثل غيرها من الدول الأوروبية استقبلت الدنمارك آلاف اللاجئين (في الصورة لاجئون في إحدى محطات القطارات الألمانية في طريقهم إلى الدنمارك عام 2015). Deutschland Fluechtlinge im Bahnhof Flensburg Zug nach Daenemark FOTO PICTURE ALLIANCE
الدنمارك تريد الحد من نسبة السكان "غير الغربيين" في أحياء المدن: تتبع الدنمارك واحدة من أكثر سياسات الهجرة تقييدًا بأوروبا منذ سنوات. ولم يغير وصول الاشتراكيين للحكم شيئا، بل إن هناك الآن مقترحا أكثر تشددا يتعلق بنسبة "غير الغربيين" في أحياء المدن، وما يتعلق بما يطلق عليه "الغيتو". مثل غيرها من الدول الأوروبية استقبلت الدنمارك آلاف اللاجئين (في الصورة لاجئون في إحدى محطات القطارات الألمانية في طريقهم إلى الدنمارك عام 2015).

 

ولذلك لم يدرك الجمهور الدنماركي بشكل كافٍ الاختلافات في الدين والعبادات والممارسة الموجودة بين المسلمين - ليس أقلها المتغيرات المختلفة لما يسمى بالإسلام الأوروبي، والذي يقوم على فكرة أن الإسلام مثل الأديان الأخرى، ديناميكي ومتغير، الأمر الذي يمكنه من أن يتكيف مع معايير المجتمعات الأوروبية، ويؤثر بشكل إيجابي على تنوعها الثقافي.

في الدنمارك، أدى الافتراض الأساسي نفسه إلى تشكيل شبكة منظمة المسلمين الديمقراطيين. تم تشكيلها ردا على طريقة تصوير وسائل الإعلام للمسلمين، في أعقاب أزمة الرسم، ولعدة سنوات كان لها تأثير محدود وعدد صغير من الأعضاء. وفي السنوات الأخيرة، انخفض عدد الأعضاء بشكل كبير، حيث تعيش المنظمة اليوم في عزلة ومجهولة الهوية، ويبدو أنها محصورة بين العديد من المسلمين الذين اندمجوا بشكل متزايد في المجتمع. ومن ناحية أخرى تقف في مواجهتها المنظمات الإسلامية الأكثر تشدداً مثل حزب التحرير.

على مستوى أكثر واقعية، كانت النقاشات تدور إلى حد كبير حول قيام المسلمين ببناء المساجد، وأن لديهم عادات غذائية خاصة معترف بها في المؤسسات العامة أو الخاصة ـ الطعام الحلال ـ ولديهم مقابر للمسلمين في الدنمارك.

في العديد من هذه السياقات المحددة، هناك تقارب وحوار مستمر بين الدولة المضيفة والأقلية المسلمة، على سبيل المثال، تم إنشاء أول مقبرة للمسلمين على الجانب الغربي من كوبنهاغن، وتم افتتاح أول مسجد معماري أصيل في الربع الشمالي الغربي من كوبنهاغن عام 2015.

على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، لا يزال هناك نقاش عام مستمر حول حدود قبول المجتمع الدنماركي للعادات الثقافية غير الدنماركية ومدى تكيف المؤسسات العامة مع تحديات المجتمع متعدد الأعراق.

 

 

حسن العاصي

حقوق النشر: حسن العاصي / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

 

حسن العاصي باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمارك