"حارس بن لادن" يقلب معادلة التسليم والتسلّم بين تونس وألمانيا

من التلكؤ في تسلّم مواطنيها المورطين في الإرهاب في العام 2016، إلى رفض تسليمهم في 2018، هكذا تغيرت المعطيات بين تونس وألمانيا منذ أزمة ديبلوماسية حادة اندلعت إثر اعتداء برلين الذي نفذه تونسي. واليوم، لا يُراد لتلك الأزمة أن تتكرّر بعد ترحيل حارس بن لادن بطريقة غامضة فجّرت جدلا محتدما. إسماعيل دبارة يسلط مزيداً من الضوء على قضية "سامي.أ" الذي ترفض تونس تسليمه لألمانيا عقب صدور حكم قضائي يطعن في عملية ترحيله.

الكاتبة ، الكاتب: إسماعيل دبارة

تتّجهُ قضية المواطن التونسي الذي يعتقد أنه كان حارسا سابقا لزعيم تنظيم القاعدة إلى مزيد من التعقيد، بعد أن رفض القضاء الألماني عملية ترحيله وطالب باستعادته، لكن السلطات القضائية في تونس ترفض ذلك المطلب، فيما علت أصوات تتحدث عن "سيادة الدولة وضرورة منع تسليم مواطنيها".

ويوم الجمعة الماضي 13 يوليو، تمّ ترحيل "سامي.أ" الذي يشتبه بكونه الحارس الشخصي السابق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى بلده الأصلي تونس عبر طائرة أقلعت من مطار دوسلدورف وحطت في مطار النفيضة التونسي، لتعتقله الشرطة على الفور وتبدأ في استجوابه.

وبين اتهامات الألمان لتونس في 2016، بالتلكؤ في تسلّم مواطنيها المتعلقة بهم شبهات الارهاب، إلى رفض تسليمهم في 2018، تفاصيل ومتغيّرات كثيرة.

جدل في ألمانيا

على الجانب الألماني، تثير قضية "سامي.أ" جدلا حقوقيا وقضائيا وسياسيا، فمنذ سنوات، تجري محاولات كثيرة لترحيل هذا الرجل إلى بلده لكن القضاء يرفض منذ العام 2006 عملية الترحيل، مبررا ذلك باحتمال تعرّضه للتعذيب في تونس، خاصة تحت حكم بن علي والسنوات الأولى من ثورة يناير 2011 التي شهدت فوضًى عارمة.

وعقب وصول المتهم إلى تونس، أمرت محكمة ألمانية بإعادته مشددة على أن الترحيل "ينتهك مبادئ دستورية أساسية" وسط تكهنات تثيرها الصحافة الألمانية مفادها أنّ جهات حكومية ألمانية لم تلتزم بقرار القضاء، وعجّلت بترحيل المتهم، بينما يتحدث كثيرون عن ضعف التنسيق بين القضاء من جهة، ووزارة الداخلية والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، من جهة ثانية، وهو الأمر الذي خلّف هذا المأزق.

ويستند القضاة الألمان إلى غياب ضمانات فعلية تمنع تعرض هذا المواطن للتعذيب في بلده، وهو ما دفع بسياسيين ألمان كُثر إلى انتقاد السلطات وابداء مخاوفهم على "نزاهة القضاء"، في حين تلقي حوادث ترحيل ألمانيا لأفغان تعرضوا للقتل أو للتعذيب سابقا، بظلالها على قضية المتهم التونسي الذي تخشى جهات حقوقية على مصيره.

صورة رمزية لعملية الترحيل.
يوم الجمعة الماضي (13 يوليو/ تموز) تمّ ترحيل "سامي أ." الذي يشتبه بكونه الحارس الشخصي السابق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى بلده الأصلي تونس عبر طائرة أقلعت من مطار دوسلدورف (غرب) متجهة إلى مطار العاصمة التونسية.

تونس متمسكة بمحاكمته

على الجانب التونسي، الذي لم يستلم بعدُ رسميا أي طلبات بإعادة المتهم إلى ألمانيا، تشدد السلطة القضائية على أنّ الأمر قُضي وانتهى، وأنّ المتهم صار في قبضة العدالة ولا مجال لتسليمه إلى دولة أخرى.

وقالت السلطة القضائية التونسية إنّها تعهدت بملفّ "سامي. أ"، وستحاكمه بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي سنّ في العام 2015 وجاء ليعوّض قانونا سيء الصيت سنّه نظام زين العابدين بن علي في 10 ديسمبر من العام 2003.

ماذا يقول القانون التونسي؟

بعد الاستماع إلى آراء خبراء في القانون، يبدو واضحا أنّ النصوص التونسية تحسّبت لسيناريوهات مشابهة لما يحصل مع حارس بن لادن.

ويقول قانون مكافحة الإرهاب للعام 2015، إنّ الجرائم التي ارتكبت خارج الحدود التونسية تختصّ فيها حصرا "المحكمة الابتدائية بتونس بواسطة القضاة الواقع تسميتهم بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب".

ويشترط القانون لتحقيق ذلك، في فصله 83 (القسم التاسع) أنّ تكون الجريمة الارهابية قد ارتكبت من قبل مواطن تونسي، أو ضد أطراف أو مصالح تونسية، أو إذا ارتكبت ضد أطراف أو مصالح أجنبية من قبل أجنبي أو شخص غير تونسي يوجد محلّ إقامته المعتاد داخل التراب التونسي، أو من قبل أجنبي وجد بالإقليم الوطني، ولم تطلب سلطة أجنبية مختصّة بالنظر في قضيته تسليمه بصفة قانونية قبل صدور حكم بات بشأنه من قبل المحاكم التونسية.

أما فيما يتعلّق بالتسليم الذي طالب به القضاء في ألمانيا، فيقول الفصل 87 من قانون مكافحة الارهاب التونسي أنه "لا يمكن اعتبار الجرائم الإرهابية، بأي حال من الأحوال، جرائم سياسية غير موجبة للتسليم".

ويتم التسليم وفقا لأحكام القانون الجزائي، إذا ارتكبت الجريمة خارج تونس ضد أجنبي أو مصالح أجنبيّة من قبل أجنبي مقيم في تونس. ولا يتمّ التسليم "إلاّ في صورة تلقي السلطات التونسية طلبا قانونيا في ذلك".

وقال سفيان السليطي، المتحدث باسم القضاء في تونس في تصريحات للإعلام المحلي: "سامي أ" يحمل الجنسية التونسية. والسلطات القضائية في تونس هي التي تتعهد بملفه عبر قانون مكافحة الإرهاب".

وبخصوص المخاوف من تعرض المتهم للتعذيب، يقول السليطي: "القانون تمت صياغته في إطار المجهود الدولي لمحاربة الإرهاب، وهو يحترم كل المعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس بشأن احترام حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وهو يخول ملاحقة تونسيين ارتكبوا جرائم إرهابية خارج حدود الوطن".

ولم تستغرب السلطات التونسية "الخلل في الاجراءات"، الذي شاب عملية الترحيل في ألمانيا مع ضعف التنسيق الذي حصل وانعكس على موعد عملية الترحيل، وصدور الحكم الذي يمنع تلك العملية. فالمشتبه به مُدرج على قائمات المطلوبين في تونس منذ سنوات مع وجود معلومات لدى الأجهزة الأمنية تفيد بتورط هذا الرجل في أنشطة متطرفة بألمانيا، ناهيك عن حصوله على تدريب عسكري في أفغانستان.

 

 

تونس "دولة آمنة"؟

يضرب جدل ترحيل "سامي.أ" بذلك الشكل، على وتر موضوع آخر يتعلق بتقييم ألمانيا لوضع الديمقراطية والحريات والأمن في تونس.

وبسبب الصعوبات التي واجهتها ألمانيا في احتواء موجات اللاجئين، الذين دخلوا أراضيها، أقدمت الحكومة على إدراج بعض الدول في قائمة "البلدان الآمنة"، مما يساعدها على ترحيل من تمّ رفض طلب لجوئهم، كما في حالة حارس بن لادن، إلى بلدانهم الأصلية وبسرعة، وتونس من بين تلك الدول.

وبشكل عام، تعتمد سياسات الهجرة الأوروبية في سنّ مفهوم "بلدان المنشأ الآمنة" إلى اعتبار الدولة خالية من كل أشكال الاضطهاد، وتتمتع بنظام ديمقراطي مستقر وباحترام حقوق الإنسان.

لكنّ هذا التصنيف وهذه المعايير، لم تقنع المحكمة الإدارية بمدينة غلزنكيرشن التي حذرت من إمكانية تعرض "سامي. أ" إلى التعذيب عند ترحيله.

وتتحدّث تقارير حقوقية محلية ودولية باستمرار عن انتهاكات وتعذيب في تونس، ورغم أنّ تلك المنظمات تنفي أن يكون التعذيب سياسة ممنهجة في مرحلة ما بعد بن علي، إلا أنها تشدد على أن التعذيب قائم ويتفاقم، خاصة في مخافر الشرطة وخلال عمليات الاستجواب.

فمنظمة العفو الدولية مثلا، أوردت في تقرير لها "حالات تعذيب وتجاوزات مورست بحق سجناء، خاصة خلال فترة التحقيقات". في حين عدّدت "المنظمة التونسية لمكافحة التعذيب" 80 حالة تمّ فيها تسجيل تجاوزات فظيعة ضد الحرمة الجسدية للمعتقلين، خاصة من قبل أعوان الشرطة وداخل السجون المكتظة، وتسلط على المتهمين في قضايا الإرهاب عادة الانتهاكات الأبرز التي يتم رصدها.

كيف انعكست الآية؟

في خضمّ هذه القضية، برزت مفارقة فرضتها تطورات الاحداث في العلاقة بين ألمانيا وتونس، ففيما يتعلّق بملف التونسي أنيس العامري المنفذ المفترض لهجوم برلين في 19 ديسمبر 2016 والذي أوقع 12 قتيلا بعد عملية دهس في أعياد الميلاد، اتهمت برلين تونس بتعطيل ترحيل منفذ الهجوم في 2016، والتلكؤ في استلامه، ما وفر له الوقت لتنفيذ جريمته، وهو ما دفع مسؤولين ألمان إلى طرح فكرة فرض عقوبات على الدول غير المتعاونة بشكل كاف في ملف الهجرة، ومنها تونس.

أما في ملفّ "حارس بن لادن"، فالسرعة كانت من الطرفين من جهة التسليم والتسلّم، وهذا ما يعكس جدوى الاتفاقات المبرمة بين الطرفين فيما يتعلق بالطرق الأجدى للتعامل مع ملف المهاجرين الذين تحوم حولهم شبهات الإرهاب، والتزام الطرفين بمنع تكرار التقصير الذي أدى الى اعتداء برلين.

وأيا يكن الأمر، تشير قراءات كثيرة إلى أنّ الثقل الألماني في تونس قد يجعل السلطات تغيّر رأيها حيال تنفيذ قرار القضاء الألماني الذي طالب بإعادة حارس بن لادن، فألمانيا تكثف مساعداتها لتونس على أصعدة مختلفة للحيلولة دون إخفاق عملية الإصلاح الديمقراطي التي بدأت منذ في 2011.

ومن غير المرجح أن يُغضب التونسيون داعما رئيسيا على خلفية ملفّ المتهم "سامي.أ" أو غيره ممن تحوم من حولهم شبهات الارهاب ومازالوا مقيمين في ألمانيا، ومن المرجّح أن تعمل برلين في حال تشبثها بإعادة المتهم إلى أراضيها مع جهات تونسية تعتبر ألمانيا البلد الأفضل ليحصل حارس بن لادن على محاكمة عادلة فيما ينسب اليه من جرائم.

 

إسماعيل دبارة

حقوق النشر: قنطرة 2018

إسماعيل دبارة صحافي وعضو الهيئة المديرة لمركز تونس لحرية الصحافة.