تونس - مكافحة تراجع الاقتصاد بعد الثورة ضرورة عاجلة لتفادي تقويض الثقة في سياسة ديمقراطية ناشئة

منذ ثورة 2011 التي أطاحت في تونس بالحكم الاستبدادي ومهدت الطريق إلى حكم ديمقراطي، ضعُفت معظم المؤشرات الاقتصادية وانزلقت البلاد بشكل أعمق في براثن الديون.

يقول خبراء اقتصاديون إن حكومة قوية ذات رؤية اقتصادية واضحة ضرورية لمواصلة الجهود المبذولة لاستقرار المالية العامة، والتغلب على الاحباطات التي تهدد بتقويض الثقة في الممارسات السياسية للديمقراطية الناشئة.

‭إلى أي مدى الأرقام سيئة؟

تظهر أرقام البنك الدولي أن النمو الاقتصادي، الذي بلغ في المتوسط 4.7 بالمئة في العشر سنوات حتى 2010، هبط إلى 1.8 في المئة في المتوسط منذ ذلك الحين.

وأضرت الانتفاضة بقطاع السياحة في تونس، ووضعت ضغوطا شديدة على الديمقراطية الجديدة لخلق وظائف في القطاع العام ورفع الأجور وزيادة الدعم.

وسجلت تونس فائضا أوليا في 2010، مع عجز صاف واحد في المئة فقط. ومذ ذلك الحين، ارتفع دين الحكومة من 41 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 70 في المئة.

وتوقعت الحكومة عجزا قدره 3.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019، انخفاضا من 7.4 في المئة في 2016، و6 في المئة في 2017، و4.5 في المئة عام 2018.

وهبط حساب المعاملات الجارية، وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي، ونزل سعر صرف الدينار، بينما ارتفع معدل التضخم متجاوزا سبعة في المئة في 2017، وبلغ 6.5 في المئة في سبتمبر / أيلول 2019.

ما هو تأثير ذلك على التونسيين؟

ارتفعت البطالة على مستوى البلاد من 12 في المئة قبل الثورة إلى 15 في ديسمبر / كانون الأول 2019، لكن هذا المعدل يزداد سوءا في المناطق الداخلية الفقيرة حيث تتجاوز البطالة 30 في المئة في بعض المدن.

وحينما بدأت السياحة تتعافى في 2015، قتل متشددون عشرات السياح الأجانب في هجومين، وهو ما دفع القطاع مجددا إلى الانهيار. 

وفي عام 2019 فقط عادت أعداد الزائرين إلى مستوياتها السابقة، لكن انهيار شركة توماس كوك للسياحة والسفر في سبتمبر / أيلول 2019 أظهر أن تونس لا تزال هشة أمام أي صدمة مفاجئة في القطاع.

ما هي المشكلات الأخرى؟

أجرت الشركات المملوكة للدولة تعيينات كبيرة في خطوة مفاجئة بعد الثورة، وهو ما ساهم في هبوط حاد في مستويات الأداء والربحية، حيث كلفت خسائرها الحكومة ملياري دولار عام 2018.

وكانت شركة الفوسفات المملوكة للدولة تساهم بعشرة في المئة من الصادرات التونسية قبل الثورة، لكن ذلك تراجع الآن إلى أربعة في المئة. وتقع الشركة في منطقة فقيرة، وزادت حكومة ما بعد الثورة قوتها العاملة بنحو 21 ألفا لتصل إلى 30 ألف عامل.

أما الخطوط التونسية، وهي شركة الطيران الوطنية، فلديها طاقم من العاملين يبلغ ثمانية آلاف لنحو 27 طائرة فقط، وتعاني من خسائر منذ الثورة. وقالت الشركة إنها ستستغني عن 400 وظيفة عام 2020.

ورغم ذلك، يعارض الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ الكثير من مثل هذه الإصلاحات ويقول إن مشكلات أخرى مثل الفساد وسوء الإدارة يجب معالجتها أولا.

ويقول دبلوماسيون إن شركات خاصة بينها ارتباطات قوية تهيمن أيضا على بعض القطاعات، حيث تعمل مثل تحالفات احتكارية وهو ما يجعل الشركات الأصغر حجما غير قادرة على جمع تمويل للاستثمار.

ما الذي حاولت الدولة أن تفعله؟

قطعت تونس نصف الطريق في برنامج قرض بقيمة 2.8 مليار دولار يدعمه صندوق النقد الدولي والذي بدأت تنفيذه في 2016.

ويطلب الصندوق من الحكومة كبح الإنفاق، وبصفة خاصة على أجور القطاع العام التي تضاعفت تكلفتها إلى نحو 16 مليار دينار (5.5 مليار دولار) في 2018، من 7.6 مليار دينار في 2010، وعلى الدعم.

وفي مارس / آذار 2019، رفعت الحكومة أسعار الوقود للمرة الخامسة في عام، ومن المتوقع أن تشهد مزيدا من الزيادات. لكن تخفيضات الإنفاق، رغم أنها زادت الاستياء العام الذي دفع الناخبين إلى معاقبة شركاء الائتلاف في انتخابات أكتوبر / تشرين الأول 2019، أخفقت أيضا في تحقيق المستويات المستهدفة لخفض العجز.

ماذا بعد؟

يتوقع المقرضون الأجانب الذين يمولون عجز تونس أن تجري الحكومة مزيدا من الخفض في الإنفاق، وهى عملية لا تحظى بقبول شعبي ومن المحتمل أن تكون صعبة للحكومة الائتلافية القادمة.

ورغم ذلك، فإن أي إصلاحات هيكلية لتقليص العقبات الإدارية وتحسين أداء إدارات الحكومة والخدمات وكبح الفساد، ستدعم مناخ أنشطة الأعمال وقد تدر إيرادات.

وأعطى الرئيس قيس سعيد، وهو مستقل انتُخب في أكتوبر / تشرين الأول 2019، دفعة لبضعة برامج لمكافحة الفساد، وهو ما قد يساعد الحكومة الجديدة على كسب الدعم لسياسات أقل قبولا. رويترز - ديسمبر / كانون الأول 2019