ثقافة العنف في العالم العربي
من الدولة البربرية إلى المجتمع البربري

«الدولة البربرية» عنوان دراسة ميشال سورا عن دولة حافظ الأسد، وسورا نفسه سيعاين لاحقاً هذه البربرية حين اختطف وقُتل في لبنان عام 1986. يحيل هذا الوصف إلى سمات محددة للدولة، فهي لا تنضبط بقانون أو اعتبارات مؤسساتية في سلوكها وممارستها لسلطتها، كما تمتاز بسلوك وحشي في علاقتها بمواطنيها سواء كانوا خصوماً أو لا.

الدولة البربرية وفق مفهوم  ميشال سورا ليست مقتصرة على سورية، فقد وجدت في العراق وليبيا، وحتى مصر ودول عربية أخرى بمستويات أقل. يشهد المرء بربرية الدولة في أحداث مفصلية كحماة في 1982، أو الأنفال وحلبجة في 1988. لكن يبقى السجن المكان الأمثل الذي تجلت فيه البربرية، وقد أصبحت أسماء السجون علامات بارزة في دولنا، من سجن تدمر إلى أبو زعبل، مروراً بأبو سليم وأبو غريب.

أيضاً هناك الاستعراضات المسرحية للبربرية مثل المؤتمر القطري الاستثنائي لحزب البعث العراقي عام 1979 وفيه تولى صدام حسين السلطة. خلال هذا المؤتمر تم اكتشاف «الرفاق الخونة» وسماع اعترافاتهم وإعدامهم بعدها من دون محاكمة، بل حتى إجبار بقية الرفاق على تنفيذ الإعدام بأنفسهم.

كذلك إعدام المعارض الليبي عبدالسلام اخشيبة سحلاً ومن دون محاكمة وإشراك عشرات الجنود في إعدامه بالركل والضرب. ليس غياب القانون والوحشية فحسب هو ما ميز هذه المشاهد بل أيضاً إجبار كل من كان حاضراً وقتها على المشاركة بالقتل، إشراك الجميع في الجريمة.

لم تبقَ البربرية مقتصرة على الدولة، بل تعدتها إلى مجتمعها، فأمست سمة عامة للسلوك يلحظها المرء بالقسوة وغياب الوازع الأخلاقي أو حتى الحد الأدنى من التعاطف والتراحم الإنسانيين.

التحرش الجماعي، إمساك فتى وتقييده شبه عارٍ إلى عمود وجلده، الاعتداء على منزل ورمي أثاثه من الشرفة من دون تدخل أحد. هذه ليست مشاهد متخيلة بل أحداث واقعية حصلت في مصر.

الوجه القبيح للديكتاتورية: "الأسد..أو نحرق البلد"
الوجه القبيح للديكتاتورية: "حين بدأ الوهن يضرب آلته السلطوية أمام ثورة شعبية عارمة، لجأ الأسد الصغير إلى كل الألاعيب التي تعلمها من والده. استعان بأعدائه الأصوليين الذين أطلقهم من السجون، ثم حين أعيته الحيلة لم يتوقف أمام اعتبارات السيادة الوطنية ولو للحظة، فاستنجد بالميليشيات الايرانية وبالحرس الثوري وحزب الله، وحين شعر أنه لا بد مما ليس منه بد، سلّم البلاد إلى الوصاية العسكرية الروسية، وجلس على شرفة قصره يتفرج على الخراب".

لم تكن هذه الأحداث ممكنة أو حتى متخيلة لعقود قليلة لكنها اليوم تبدو عادية تماماً. فنحن نشهد اليوم احتفالات وتوزيع للحلوى في بيروت ابتهاجاً بمذابح القصير، بل حتى في المدينة الواحدة حيث يحتفل أهل حلب الغربية بالدمار والموت في حلب الشرقية، تشفٍّ وابتهاج على جثث ضحايا مجزرة رابعة. «فئات» من الشعب تحتفل بالموت اللاحق بـ «فئات» أخرى من ذات الشعب، تواطؤ مع بربرية الدولة وتبريرها والاحتفاء بها.

لم تكن هذه الأحداث ممكنة أو حتى متخيلة لعقود قليلة لكنها اليوم تبدو عادية تماماً. فنحن نشهد اليوم احتفالات وتوزيع للحلوى في بيروت ابتهاجاً بمذابح القصير، بل حتى في المدينة الواحدة حيث يحتفل أهل حلب الغربية بالدمار والموت في حلب الشرقية، تشفٍّ وابتهاج على جثث ضحايا مجزرة رابعة. «فئات» من الشعب تحتفل بالموت اللاحق بـ «فئات» أخرى من ذات الشعب، تواطؤ مع بربرية الدولة وتبريرها والاحتفاء بها.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة