نداء استغاثة من قطاع غزة بسبب كورونا

خبراء يدقون ناقوس خطر خروج وباء كورونا عن السيطرة في قطاع غزة، فالمستشفيات غير مجهزة أمام تزايد الإصابات والأطباء يطلبون مساعدة دولية، إضافة إلى ظروف انتشار الفيروس المثالية بسبب الكثافة السكانية والازدحام داخل الشقق في ظل حاجة القطاع إلى 120 ألف وحدة سكنية جديدة. كرستين كنيب والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Kersten Knipp

أكد مسؤول أوروبي رفيع الثلاثاء 08 / 12 / 2020 سعي دول الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع الأمم المتحدة الى توفير لقاح فيروس كورونا للعاملين في مجال الرعاية الصحية في قطاع غزة الفقير والمحاصر.

وقال ممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية سفين كون فون بورغسدورف خلال مؤتمر صحافي عقده غرب مدينة غزة، "نحاول إيصال لقاح كورونا إلى غزة، خصوصا لمن يعملون في الصفوف الأولى في الرعاية الطبية وكبار السن، وذلك من خلال التنسيق مع الأمم المتحدة".

ووصل بورغسدورف إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون (إيريز)، على رأس وفد يضم نحو عشرين من سفراء دول الاتحاد الأوروبي، واضعين الكمامات الواقية من فيروس كورونا.

وأضاف ممثل الاتحاد الأوروبي "هذه قضية معقدة للغاية". وزار الوفد قبيل المؤتمر الصحافي، المستشفى الأوروبي (جنوب) الذي يقدم خدماته الطبية لغالبية مصابي كورونا في القطاع، كما زار محطة لتحلية مياه البحر وسط القطاع.

"المؤشرات تنذر بالأسوأ في أي لحظة"

 

 

 

 

وقبيل الزيارة المستمرة ليوم واحد، رحبت حركة حماس الإسلامية التي تدير قطاع غزة في بيان، بالوفد الأوروبي. وحذر البيان من أن "المؤشرات الصادرة عن الجهات الحكومية المختصة في غزة حول وباء كورونا، تنذر بالأسوأ في أي لحظة".

وأشارت الحركة إلى أن "قدرة النظام الصحي على مواجهة هذه الأزمة تتراجع بشكل كبير وخطير، بسبب النقص في الاحتياجات الصحية وخصوصا المتعلقة بمواجهة الوباء، سواء بسبب معوقات الاحتلال الإسرائيلي أو التمويل اللازم لشراء هذه الاحتياجات".

وسجل قطاع غزة خلال أربع وعشرين ساعة بين يَوْمَيْ (الإثنين 07 / 12 / 2020 وَ الثلاثاء 08 / 12 / 2020) ست وفيات، ليرتفع العدد إلى 155 وفاة.

في المقابل، لم يتم الإعلان عن إصابات جديدة بسبب توقف عملية إجراء الفحوص يوم الإثنين 07 / 12 / 2020 نظرا لنفاد مستلزمات الفحص، ليتوقف عدد الإصابات المؤكدة والمعلنة حتى صباح يوم الإثنين المذكور عند 25,592 إصابة.

واكتشفت أولى الإصابات المحلية بالفيروس في القطاع في آب/أغسطس 2020. وأعلنت وزارة الصحة في القطاع في بيان مساء الإثنين 07 / 12 / 2020 أنها تسلمت نحو 20 ألف شريحة فحص مخبري عبر منظمة الصحة العالمية، مشيرة الى أن هذه الكمية تكفي لثمانية أيام. وقالت الوزارة إن بإمكان المختبر المركزي استئناف إجراء الفحوص بعد 24 ساعة.

 

 

 

 

إجراءات مكافحة تفشي الفيروس

ودخلت إجراءات مكافحة تفشي الفيروس التي كانت وزارة الداخلية في غزة قد أعلنتها الخميس 03 / 12 / 2020، حيز التنفيذ يوم السبت 05 / 12 / 2020.

وشملت الإجراءات المعلنة إغلاق المساجد والمدارس والجامعات وروضات الأطفال والأسواق الشعبية الأسبوعية.

وشملت الإجراءات أيضا فرض حظر كامل للتجول يومي الجمعة والسبت، يستمر حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر 2020، إلى جانب حظر التجول الليلي الذي يبدأ يوميا في الساعة 18,30 بالتوقيت المحلي وينتهي في الصباح الباكر.

وتفرض إسرائيل منذ نحو 14 عاما حصارا مشددا على قطاع غزة الذي يسكنه نحو مليوني نسمة.

من جهتها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية شراء ملايين الجرعات من اللقاحات المضادة لكوفيد-19 من شركتي موديرنا وفايزر، بدون أن توضح ما إذا كانت ستتشارك هذه الجرعات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة أو قطاع غزة.

وتوقعت وسائل إعلام إسرائيلية وصول أولى هذه الجرعات خلال الأيام القليلة التالية.

نداء نجدة من قطاع غزة

 

 

 

 

قطاع غزة أطلق نداء نجدة، فوباء كورونا يتطور بشكل مقلق، والناس الذين يعيشون هناك يحتاجون بشكل ملح للمساعدة الدولية. وإذا ما تخلفت هذه المساعدة، فإن كارثة إنسانية تهدد، كما يحذر أياد أبو كرش، مدير في وزارة الصحة الفلسطينية: "في غزة لا يوجد بالأصل مقومات حياتية لمواجهة أي وباء أو أزمات"، كما قال أبو كرش.

وعلى كل حال تمكنت وزارة الصحة من رفع عدد الأسرة الخاصة بمرضى كوفيد 19 بفضل جهود مضنية من 100 إلى 150 سرير، يضيف أبو كرش: "وفي الأسابيع المقبلة سنحاول الحصول على 30 سريرا إضافيا".

ظروف انتشار مثالية

لكن هذه الإجراءات قلما تكون كافية إذا ما واصل الوباء الانتشار بالسرعة المسجلة حاليا. وهذا ممكن، لأن قطاع غزة به ظروف سيئة للسيطرة على الفيروس.

ففي منطقة مساحتها 362 كيلومترا مربعا يعيش حاليا نحو 1.9 مليون من الناس. وهذا يعني كثافة سكانية بـ 5328 نسمة للكيلومتر المربع الواحد. وللمقارنة نذكر أنه في ألمانيا يعيش في نفس المساحة في عام 2018 في المتوسط 232 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد.

كما أن الوضع في سوق السكن متوتر للغاية، بحيث أن قطاع غزة يحتاج على الأقل لـ 120 ألف وحدة سكنية جديدة، كما أعلن نائب وزير السكن ناجي سرحان في يناير / كانون الأول من عام 2020 قبل تفشي الوباء العالمي بأسابيع قليلة.

وبالتالي هناك ازدحام داخل الشقق، الأمر الذي  يساعد على انتشار الفيروس.

"كارثة"

 

 

 

 

وعلى هذا النحو تكون ظروف الحياة صعبة بالنسبة إلى كثير من الناس. "إنها كارثة"، يقول أحمد النجار من مدينة غزة في حديث مع دويتشه فيله.

وقد أُدخل المستشفى في النصف الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بعوارض صعبة، وتمكن من التعافي ومغادرة المستشفى بعدها.

"إنه وضع سيئ"، كما يصف النجار التطور الحالي: "جميع أفراد أسرتي مصابون وكذلك جيراننا. فلا يوجد شارع ليس فيه إصابات".

والضيق في السكن هو الذي يثقل كاهل الناس: "هذا يؤثر علينا جدا، لأنه بخلاف الفيروس نحن نعاني من ظروف نفسية حادة يأتي بها المرض، وهي مثقلة لاسيما في أوضاع الضيق".

حاجة اقتصادية

وما يزيد الطين بلة هو الوضع الاقتصادي المتردي لكثير من المواطنين. فنسبة البطالة وصلت قبل مدة قصيرة إلى 45 في المائة، وكانت مرتفعة أكثر في صفوف الشباب.

وبسبب الوباء ارتفعت البطالة، بحسب ما أعلن مدير اتحاد النقابات في قطاع غزة، سامي العمسي، فَـ 82 في المائة من مجموع السكان من دون عمل. وبسبب الوباء تم إلى حد الآن فقدان نحو 160 ألف موطن عمله.

 

 

وحوالي 13 ألف شخص يتلقون راتبا من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي هي أكبر رب عمل في قطاع غزة. 

"السكان هناك يعولون في نسبة كبيرة على المساعدة الدولية"، كما قال مديرها فليب لازاريني في مقابلة مع دويتشه فيله، علما بأن وكالة اللاجئين الفلسطينيين تعاني من نقص في التمويل. فبعض الخدمات مهددة بالزوال. وداخل شارع عمر المختار وسط مدينة غزة تنشط حركة الناس.

أحمد البنا يبيع هناك الكمامات، وفقد عمله كنجار نتيجة انتشار الوباء. "أعمل هنا يوميا بعض الساعات"، يقول الرجل البالغ من العمر 25 عاما في حديث مع دويتشه فيله: "وفي الساعة الخامسة مساء وجب علي جمع أغراضي، بالنسبة إلى يمثل الجوع خطرا أكبر من الفيروس".

وليس لديه سكن، وبالتالي فهو يعيش في بيت عائلته: "والدي مريض، ولا نحصل على مساعدة، ولذلك أنا اذهب إلى العمل رغم كل المخاطر. وكذلك ألتزم بإجراءات السلامة بالتعقيم ولبس الكمامة حتى وأنا متجول".

ارتفاع كبير في الإصابات

حاليا يرتفع عدد الإصابات بشكل مقلق. فيوم (الثلاثاء 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020) أعلنت جامعة جون هوبكنز عن تسجيل 73.196 حالة إصابة وَ 645 حالة وفاة في الضفة الغربية وكذلك قطاع غزة. وفي اليوم التالي ارتفعت هذه الأرقام.

وإذا استمرت الحال على هذه الوتيرة، فإن الوضع سيخرج عن السيطرة، كما يقول خبير الفيروسات عبد الرؤوف المنامة من الخلية التي أنشأتها الحكومة لمكافحة الوباء: "فلن نصبح في وضع يمكننا من مواجهة هذا الارتفاع. ومن الممكن أن لا يحصل جميع المرضى على مكان في مراكز الطب".

 

 

 

 



وحتى عبد الناصر صبح، منسق المساعدة الطارئة لمنظمة الصحة العالمية في قطاع غزة حذر من انهيار محتمل للرعاية الصحية لمرضى كورونا.

"لن يكون بوسعنا تقديم الرعاية للمرضى الذين هم في وضع حرج". نسبة الإصابة بين الخاضعين للاختبارات وصلت (الثلاثاء 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020) إلى 21 في المائة، علما أن عدد المصابين يزداد بين الذين تفوق أعمارهم 60 عاما.

"وهذا مؤشر خطير، لأن الغالبية سيحالون على المستشفى"، كما حذر صبح.

على المدى القصير يحتاج قطاع غزة للمساعدة الطبية، وهناك دعوة موجهة للمجتمع الدولي من أجل توفير الأجهزة الطبية، كما قال فتحي أبو وردة، مستشار وزير الصحة الفلسطيني. وإذا لم تصل هذه المساعدة، فإن أعداد الإصابة والوفيات ستزداد.

 

 

كرستين كنيب / أ ف ب

ترجمة: م.أ.م

حقوق النشر: دويتشه فيله / أ ف ب 2020

 

ar.Qantara.de 

 

 

[embed:render:embedded:node:39750]