غزة المحاصرة على شفا كارثة فيروس كورونا

يعاني سكان قطاع غزة من حصار إسرائيلي مستمر ونظام صحي متهالك ونقص في الإمدادات الطبية الحيوية حتى قبل ظهور جائحة كورونا، وها هي التحذيرات كثيرة من أن يسبب وباء كوفيد-19 كارثة جديدة لسكان غزة المعزولين عن العالم. أليساندرا بايتش والتفاصيل لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Alessandra Bajec

تم استئناف إجراء فحوصات فيروس كورونا مجددا في قطاع غزة بعد أن وصلت في ليلة الأحد 12 / 04 / 2020 إلى القطاع 480 أداة من أدوات الفحص، التي موَّلت شراءها منظمة الصحة العالمية، وذلك بعد أن حذرت وزارة الصحة الفلسطينية من وضع طبي حرج في غزة بعد نفاد المواد اللازمة لإجراء فحوصات فيروس كورونا من المخبر المركزي في الأسبوع السابق.

وكان أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة، أشار الخميس السابق إلى أن غياب مواد كهذه سيؤدي إلى تراكم كبير في الاختبارات المعلقة، وتأخير في إجراءات إنهاء العزل عن مئات الأشخاص المحجورين صحياً. وفي مؤتمر صحفي يوم السبت السابق، ناشد أشرف القدرة المجتمعَ الدولي ومنظمات الإغاثة مساعدةَ غزة في مواجهة الوباء من خلال توفير الضروريات المخبرية والطبية الحيوية.

وإلى يوم 14 نيسان/أبريل 2020، كان هناك 13 حالة مؤكدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا في القطاع، تماثلَ 9 منهم للشفاء، وأربعة -في حالة صحية مستقرة- معزولون في مستشفى معبر رفح الميداني على الحدود مع مصر.

وكما أكّدت سهير زقوط، الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة: "حتى قبل الوباء، كانت مقدرة غزة ترزح تحت ضغط شديد بسبب أكثر من عقد من القيود الشديدة على حركة الأشخاص والبضائع"، مشيرة إلى أنّ "النظام الصحي المنهك بالفعل لن يكون قادراً على التعامل مع تفشّي فيروس كورونا".

مخاوف من العدوى السريعة

أعرب المسؤولون وعمال الإغاثة عن قلقهم البالغ من أن نقص المواد الطبية والمعدات الأساسية يمكن أن يؤدي إلى انتقال سريع للعدوى في المنطقة المحاصرة، التي تبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا ويقطنها مليونا نسمة.

ويوجد في هذا الوقت بقطاع غزة نحو 2500 سرير متاح، بينما لا يوجد في مستشفياته الـ 13 سوى 110 وحدة في من وحدات العناية المركزة، ومعظمها مشغول. كما أنّ هناك نقصاً بحدود 50% في الأدوية والمرافق الطبية ولا يوجد سوى 93 جهازاً تنفساً اصطناعياً.

 

 

وتعمل منشآت العناية الصحية الأولية بسعة محدودة، إذ توفّر الخدمات الأساسية فحسب، في محاولة للحد من انتشار الفيروس. ويوجد في القطاع ندرة حادة في الأدوية الأساسية، والمستلزمات الطبية ذات الاستخدام الواحد، والمعدات اللازمة للفحص الطبي، والمتخصصين في مجال الصحة. ووفقاً لتقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإنّ غزة قادرة في هذا الوقت على التعامل مع 100-150 إصابة بفيروس كورونا فقط.

إضافة إلى ذلك، فإنّ من الصعب تحقيق التباعد الاجتماعي في هذه المنطقة الصغيرة المحاصرة، إذ أنّها واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم، حيث يعيش غالبية السكان في مخيمات لاجئين مكتظة، مما يجعل من النظافة الأساسية ومكافحة العدوى تحدياً ضخماً.

غزة على الحافة

"غزة على الحافة"، كما تقول أسيل بيضون، مسؤولة الاتصالات والمناصرة في مؤسسة العون الطبي للفلسطينيين (MAP) بقلق، وتضيف: "عانى قطاعها الصحي ثلاث حروب مدمّرة شنّتها إسرائيل، ومن ثم فإنّ المزيد من العدوان العسكري الإسرائيلي خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى، والحصار غير القانوني، جعل الوضع مزرياً طوال الوقت".

وقد فرضت سلطات حماس في غزة سلسلة من التدابير لوقف انتشار الفيروس، كإغلاق جميع المساجد، والمدارس، والجامعات، والمحلات، والمطاعم وقاعات المناسبات حتى إشعار آخر. أما المواطنون العائدون إلى غزة عبر المعابر الحدودية مع إسرائيل ومصر، فإنّهم في الحجر الصحي منذ 15 آذار/مارس 2020 في أحد مراكز الحجر الصحي الـ 27 المخصّصة، بما في ذلك منشآت صحية ومدارس وفنادق. وقد مُدِّدت فترة الحجر الصحي من أسبوعين إلى 21 يوماً.

وكما تقول الكاتبة والناشطة من غزة، رنا شبير: "حين سمعت عن أولى الإصابات بفيروس كورونا، أُصبت بالذعر. كنت أعرف أنّ كل ما نحتاجه هو حالة واحدة فقط، ومن ثم ستنتشر العدوى مثل النار. ولحسن الحظ فالأمور تحت السيطرة، غير أنّ الناس ما زالوا متخوفين من ذلك".

 

[embed:render:embedded:node:39750]

 

إذ تخضع غزة لحصار إسرائيلي بري وجوي وبحري، منذ سيطرة حماس على السلطة في عام 2007. وتفرض إسرائيل قيوداً على حركة الناس بالدخول والخروج، والواردات محدودة أما الصادرات فممنوعة، إضافة إلى سيطرتها على قطاعات حيوية مثل الكهرباء.والماء. وقد حوّل النقص الروتيني في الوقود، وانقطاعات التيار الكهربائي والمياه الملوثة، الحياة اليومية إلى كابوس في القطاع المغلق والمحاصر. كما أدّت ثلاث هجمات عسكرية إسرائيلية شاملة إلى تدمير الجزء الأكبر من البنية التحتية الصحية في غزة.

ليس العزل بالأمر الجديد

إضافة إلى ذلك، تفرض الحكومة الإسرائيلية قيوداً على استيراد كميات ضخمة من مواد تعتبرها "مزدوجة الاستخدام" (استعمال مدني وحربي). وهذا يتضمن مواد بناء أساسية ومعدات صحية، يمكن أن يُساء استخدامها من قبل حماس والمجموعات المسلحة في غزة. وبالتالي، ينبغي أن توافق السلطات الإسرائيلية المختصّة على كل ما يُستَورد من بضائع أو مواد تندرج ضمن قائمة الاستخدام المزدوج.

وكما تقول الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة: "ليس العزل بشيء جديد على غزة، غير أنّ المزيد من العزل يجعل الأمر مرهقاً للغاية"، مشيرة إلى أنه في ظل الوضع الحالي –حين لا توجد كهرباء ولا توجد فرصة للتواصل عبر الإنترنت- يصبح الإغلاق مضاعفاً بالنسبة لسكان غزة.

كما سبّب الإغلاق الإسرائيلي ظروفاً لا يمكن تحملها في جميع أنحاء قطاع غزة. وحذر تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2012 من أنّ غزة ستصبح غير صالحة للحياة بحلول عام 2020. وقد تحقّق التنبؤ بعدم الصلاحية للحياة، في ظل الظروف الحالية في القطاع الفلسطيني المعادية بشكل متزايد للحياة المستدامة.

وقدّر البنك الدولي أنّ ما يزيد عن 50% من سكان غزة عاطلون عن العمل، وتتجاوز نسبة البطالة بين الشباب نسبة 70% ويعيش نصف السكان تحت خطر الفقر. ووفقاً للإحصاءات الرسمية ووكالات الإغاثة، فإنّ أكثر من ثلثي الأسر تفتفر إلى الأمن الغذائي ولا تتجاوز نسبة المياه الصالحة للشرب الـ 3%.

 

بناء مستشفى حجر صحي ميداني بهدف عزل الأشخاص المشتبه بإصابتهم بـفيروس كورونا عند عودتهم إلى غزة 23 / 03 / 2020.  (photo: ICRC/Abed Zagout)
أعادت حكومة غزة التي تديرها حركة حماس فتح معبر رفح مع مصر مؤقتاً يوم الإثنين 13 / 04 / 2020 المغلق بسبب وباء كورونا، للسماح لمئات الفلسطينيين بالعودة. وقال وزير داخلية غزة، أنه سيسمح بحركة المرور في اتجاه واحد خلال الأيام الأربعة التالية. وكل العائدين سيوضعون في حجر صحي إلزامي لمدة 21 يوماً ويمكن ان تُمدّد الفترة، كما قال إياد البزم، المتحدث باسم وزارة الداخلية. ويبقى أن نرى كم من الفلسطينيين سينتهي بهم الأمر في هذا المستشفى الميداني، الذي يظهر في الصورة وهو قيد الإنشاء في آذار/مارس 2020.

 

لا مؤشر على أن إسرائيل ستلين

وفي جهودها لمكافحة الوباء، تحتاج غزة إلى إمدادات طبية، وأجهزة تنفس اصطناعي، وعدة فحوص مخبرية للكشف عن فيروس كورونا. والمستشفيات التي تعتمد على توصيل الكهرباء على مدار الـ 24 ساعة غير قادرة على إجراء عمليات إنقاذ للحياة. ومع الاستخدام المتزايد للمولّدات الثقيلة، زادت الصيانة المطلوبة، وهذا ما يصعب توفيره بما أن قطع الغيار ممنوعة من دخول غزة. وأغلب المعدات الطبية إما قديمة أو معطوبة بشكل غير قابل للإصلاح.

وكما قالت شبير: "لقد كانت وزارة الصحة تعمل في ظل حالة الطوارئ لسنوات. وإن كان هناك تفشي للفيروس، فلن تكون قادرة على التعامل مع أي حالات جديدة والتي من الممكن أن تنتشر بأعداد كبيرة".

وقد تعالت دعوات متعدّدة للضغط على إسرائيل للموافقة على السماح بدخول أدوية ومساعدة صحية إلى غزة، ومع ذلك لا يوجد مؤشر على أنّ الحكومة الإسرائيلية قد تخفّف الحصار.

وفي بيان مشترك وجَّهَت مؤسسة العون الطبي للفلسطينيين و18 منظمة فلسطينية وإسرائيلية ودولية الدعوة إلى إسرائيل من أجل رفع الإغلاق عن غزة للسماح بالوصول الآمن والسريع للعاملين والمواد والمعدات الطبية إلى جانب وكالات الإغاثة.

 

أليساندرا بايتش

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de