في مصر المحروسة: تضامن شعبي ورحابة إنسانية في مواجهة كورونا

أمام العتمة هناك نور. ضوء قد يرسم معالم الغد: قال الشاعر العربي أبو فراس الحمداني الذي عاش في القرن العاشر: "وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ"، وإذا صح هذا القول في ليلة المحاق الوحيدة في الشهر، فهو لا يصح في الحقبة المظلمة. فدائما يبزغ نور بدور مختلفة كلما اشتدت حلكة الظلمة. هذا الضياء هو ما أراه من حولي في مصر بين جنبات العتمة المهيمنة.
أمام العتمة هناك نور. ضوء قد يرسم معالم الغد: قال الشاعر العربي أبو فراس الحمداني الذي عاش في القرن العاشر: "وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ"، وإذا صح هذا القول في ليلة المحاق الوحيدة في الشهر، فهو لا يصح في الحقبة المظلمة. فدائما يبزغ نور بدور مختلفة كلما اشتدت حلكة الظلمة. هذا الضياء هو ما أراه من حولي في مصر بين جنبات العتمة المهيمنة.

يقدم الكاتب خالد الخميسي أمثلة إيجابية لمجهودات ومبادرات فردية تظهر الرغبة في العمل التطوعي لخدمة المجتمع المصري في مواجهة تداعيات كورونا ويشير إلى أن هذا النوع من العمل ينتشر بسرعة تفوق سرعة انتشار فيروس كورونا، "والأجمل لو علمنا أن هذه الجهود تأتي من شباب هو نفسه يتعرض لضغوط حياتية كبيرة".

الكاتبة ، الكاتب: Khaled al-Khamissi

قال الشاعر العربي أبو فراس الحمداني الذي عاش في القرن العاشر: "وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ"، وإذا صح هذا القول في ليلة المحاق الوحيدة في الشهر، فهو لا يصح في الحقبة المظلمة. فدائما يبزغ نور بدور مختلفة كلما اشتدت حلكة الظلمة. هذا الضياء هو ما أراه من حولي في مصر بين جنبات العتمة المهيمنة.

لم تكن الحالة في مصر في أفضل حال قبل شهر مارس، ولم أكن أرى نور من حولي، ولكن منذ الشهر الثالث وبدء الاجراءات الاحترازية للوباء، وغلق العديد من منافذ الرزق للفقراء، ظهرت جهود عديدة من شعب قديم اعتاد التكاتف والتلاحم الاجتماعي لإنقاذ حياة من حوله.

وكما عشت في يناير 2011 لحظة تاريخية بديعة، أعيش اليوم لحظة شبيهة وأنا أتابع الجهود الفردية والجماعية لدعم من يحتاج إلى دعم.

أؤمن أن جمعيات المجتمع المدني لو أتيح لها الفرصة سوف يكون لها دور فعال ومؤثر سياسيًا واجتماعيًا وستتعدد وظائفها وتتسع وتصبح أكثر إسهامًا في إدارة الشأن العام. دعوني ألقي الضوء على الضوء الذي بزغ من بعض هذه المبادرات ذات المسئولية المجتمعية التي مثلها مثل التثاؤب، تنتشر بمجرد متابعتها.

انطلقت مبادرة بدأتها فتاة شابة لتقديم وجبات لمرضى فيروس كورونا المحتجزين في منازلهم. واستطاعت التواصل مع عائلات تطوعت بتقديم المواد الغذائية، وعائلات أخرى تطوعت بالقيام بالطبخ، وشباب تطوعوا لنقل الوجبات يوميا للمريض في منزله.

سيدة مصرية تمشي في حي المالك في القاهرة ، الصورة لبنة طارق DPA
أمام العتمة هناك نور. ضوء قد يرسم معالم الغد: خالد الخميسي يكتب "قال الشاعر العربي أبو فراس الحمداني الذي عاش في القرن العاشر: "وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ"، وإذا صح هذا القول في ليلة المحاق الوحيدة في الشهر، فهو لا يصح في الحقبة المظلمة. فدائما يبزغ نور بدور مختلفة كلما اشتدت حلكة الظلمة. هذا الضياء هو ما أراه من حولي في مصر بين جنبات العتمة المهيمنة."

عادة ما يتم الإبلاغ عن المريض المحتجز من جيرانه، وقد تطوع أحد الجيران بالمال لتوفير الغذاء لجاره المريض. وفي قرية من قرى الدلتا، تجمع عدد من سكانها وبحثوا سويا في كيفية تقديم يد العون بالمشاركة مع الوحدة المحلية للقرية. وبعد دراسة ما تحتاجه القرية قاموا بمجهودات تطوعية لتطهير المراكز الخدمية في القرية كالبريد ومركز الشرطة يوميا، وكذلك تقديم دعم مالي لنساء عائلات لأسر، وأصبحن بعد توقف الأنشطة بلا مصدر دخل.

كما قام المدرسون بتسجيل دروسهم بالفيديو ووضعها على اليوتيوب لتلاميذهم. وفي مبادرة أخرى قام بها شاب وأطلق عليها اللجنة الشعبية لمواجهة كورونا، وهو اسم يذكرنا باللجان الشعبية التي تم تأسيسها في 2011. ومشروعه كان دعم عمال اليومية وعمال المقاهي الذين توقفت أعمالهم وليس لهم مدخرات تسمح لهم بالحياة. انضم له عدد من المتطوعين للحصول على الدعم المادي أو العيني لتقديم حقائب تحتوي على مواد غذائية وتموينية ومواد تنظيف ومطهرات وصابون. ويتم تسليم هذه الحقائب لمنازل المحتاجين.

............................

طالع أيضا:

فرق بين تعامل مصر وتونس مع فيروس كورونا

مصر: دعوات للتضامن الإنساني ورفع الوصمة عن ضحايا كورونا

...........................

 

وفي مبادرة أخرى قامت بها شابة ووصل عدد المتطوعين معها إلى خمسين شخصا. استطاعوا تقديم العون لقرابة الألف وخمسمائة أسرة من سبع جنسيات مختلفة. وقد وجدت صاحبة المبادرة أن هناك العديد من المقيمين في مصر من جنسيات أجنبية عرضة للطرد من منازلهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات. قامت المبادرة بتسديد ايجارات هؤلاء الذين توقفت أعمالهم في الشهور الماضية، وكذلك تسليم حقائب مواد غذائية وتموينية إلى العائلات الأكثر احتياجا. وهي مبادرة تعاون في الأساس غير المصريين.

وانتشرت كذلك مجهودات لشباب تطوع لشراء احتياجات المنازل لبعض العائلات التي أصيب أحد أفرادها بالفيروس وتم احتجازهم داخل منازلهم. ومجموعة أخرى تخصصت في البحث عن مستشفى لاستقبال المصاب بفيروس كوفيد 19.

 الكاتب المصري خالد الخميسي Foto: Mahmud Hams/AFP/Getty Images
خالد الخميسي كاتب، ومنتج، ومخرج مصري معروف، حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وحاصل على الماجيستير في السياسة الخارجية من جامعة السوربون. ويكتب الخميسي حاليا بشكل دوري في عدد من الصحف المصرية والأوربية. صدر كتابه الأول "تاكسي.. حواديت المشاوير" في يناير 2007 عن دار الشروق، وحقق مبيعات قياسية فور صدوره في مصر والوطن العربي.

هذه بعض النماذج التي قامت على مجهودات فردية، وبرغبة في العمل التطوعي لخدمة المجتمع، وعمل أغلبها من خلال جمعيات مشهرة. والأمثلة الايجابية كثيرة. الجميل أن هذا النوع من العمل ينتشر بسرعة تفوق سرعة انتشار فيروس كورونا، فكلما سمع أحدهم أن هناك من يتحرك لمساعدة مريض أو محتاج، نجده يريد التحرك هو الآخر، ويسأل من حوله عما يريد أن يعاونه. والأجمل لو علمنا أن هذه الجهود تأتي من شباب هو نفسه يتعرض لضغوط حياتية كبيرة.

صحيح أنه على الجانب الآخر هناك من يريد الاستفادة من الجائحة لجمع المال السريع. فقد ظهرت فجأة خدمة القيام بالكشف إذا كانت هناك إصابة من الفيروس من عدمه في مقابل مبلغا ماليا كبيرا، والخدمة تتم في المنزل. ولا أعرف شخصيا مدى دقة الاختبار.

ورفعت بعض المستشفيات الخاصة من أسعارها حتى أنني عرفت من ابنتي أن صديقتها التي أصيبت بفيروس كورونا يدفع أهلها مبلغ خمسين ألف جنيه في الليلة الواحدة، وهو مبلغ يعادل قيمة خمسة وعشرين شهرا من الحد الأدنى للمرتبات في مصر بعد أن تم رفعه منذ أشهر قليلة.

هذا النوع من الاستغلال معروف ومتوقع يا للأسف في ظل وجود وباء ونقص في عدد الأسرة في المستشفيات.

لكن أمام العتمة هناك نور. ضوء قد يرسم معالم الغد.

 

خالد الخميسي

حقوق النشر: قنطرة 2020

خالد الخميسي كاتب، ومنتج، ومخرج مصري معروف، حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وحاصل على الماجيستير في السياسة الخارجية من جامعة السوربون. ويكتب الخميسي حاليا بشكل دوري في عدد من الصحف المصرية والأوربية. صدر كتابه الأول "تاكسي.. حواديت المشاوير" في يناير 2007 عن دار الشروق، وحقق مبيعات قياسية فور صدوره في مصر والوطن العربي.