
جائحة كوفيد-19وباء كورونا - فرصة مثالية لاستعادة الوحدة العربية
تسببت جائحة كوفيد 19 في حدوث حالة طوارئ للصحة العامة العالمية، وانخفاض حاد في أسعار النفط نتيجة لتراجع الطلب. تزامُن صدمة الصحة وصدمة النفط يمثل عاصفة مثالية وكاملة في الشرق الأوسط، حيث يعتمد كل شيء من الرواتب إلى الإعانات على عائدات النفط.
وكما كان الحال في الماضي، فإن صدمة أسعار النفط ستمتد في تأثيرها أيضًا إلى الدول العربية غير النفطية، من خلال انخفاض المساعدات وتحويلات العمالة المغتربة، وهو ما سيؤدّي للمزيد من التآكل في الغطاء المالي اللازم لاحتواء كوفيد 19 وتداعياته.
والأسوأ من ذلك أن الوباء أصاب المنطقة في وقت كانت تعاني فيه بالفعل من أزمات متعددة، حيث تدور رحى حربين أهليتين في ليبيا واليمن، وتستمر المأساة السورية الكارثية، مع تجدد المظاهرات في الشوارع العربية. من الجزائر والسودان إلى العراق ولبنان، يتحدث المتظاهرون بصوت واحد ضد نموذج التنمية الذي لم ينتج عنه سوى الفساد وعدم الاستقرار الاجتماعي.
تصورات الجمهور حول منطقة الشرق الأوسط غير خاطئة. على الرغم من أنها تعد منطقة متوسطة الدخل، إلا أنها شهدت ارتفاعًا مقلقًا في الفقر والتفاوت في مستوى الدخل في السنوات الأخيرة.

يُظهر تقرير حديث للبنك الدولي أن النسبة المئوية للأشخاص الذين يعيشون على مقربة من النزاع قد ارتفعت من 6% إلى 20% في الشرق الأوسط خلال الفترة (2010-2017)، بينما المتوسط العالمي هو 3% فقط.
كما أن 40% من النازحين في العالم يتحدّرون من منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أيضاً من أعلى معدلات للبطالة بين الشباب في العالم.
يعاني القطاع العام المتضخم في المنطقة من صعوبة الاستمرارية أكثر من أي وقتٍ مضى. هنالك تساؤلات حول قدرة العراق على دفع رواتب موظفي الحكومة في الشهر التالي. وهو ليس الدولة الوحيدة التي تعاني من ذلك.
الآن وبعد تفشي جائحة كوفيد 19، يواجه الشرق الأوسط تحديًا غير عادي، ويتطلب احتوائه استجابة استثنائية وغير تقليدية. على الرغم من الدعوات المتزايدة لبذل جهود عالمية للتعامل مع الوباء، إلا أن أول شيء يحتاج إليه الشرق الأوسط اليوم هو استراتيجية إقليمية فعالة وموجهة.
حان وقت تبني مصير مشترك
يجب الاعتراف بالأزمة كفرصة لبناء نظام سياسي إقليمي جديد. حان الوقت للعالم العربي للعمل من أجل إيجاد حلول مشتركة، وتبني مصير مشترك، وإطلاق نموذج تنموي جديد لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المترابطة بشكل متزايد.
لقد وصل النظام الإقليمي، الذي أسس بعد الحرب العالمية الثانية، بالفعل إلى نقطة الانهيار بحلول نهاية عام 2019. ولم تعد الولايات المتحدة الحكم الوحيد في شؤون الشرق الأوسط، بسبب تراجع اعتمادها على واردات النفط وإرهاقها المتزايد من الاشتباكات العسكرية الخارجية.
وبينما أبدت روسيا والاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية استعدادًا متزايدًا للتدخل في المنطقة، إلا أن أيا منها لا يملك الموارد أو الرغبة في ملء الفراغ الناتج عن انحسار الدور الأمريكي.
ونتيجة لذلك، لم تعد الدول العربية قادرة على الاعتماد كليًا على القوى العالمية للمساعدة في مواجهة التحديات الوجودية التي تواجهها.
بينما تجري بعض دول الشرق الأوسط محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية طارئة، فإن معظم الحكومات تفتقر إلى القدرة السياسية اللازمة لتطبيق وصفات الصندوق. حتى لو خفَّف صندوق النقد الدولي من متطلباته بشأن الضبط المالي المحكم، فلن يكون هذا سوى علاج آنيّ للمساعدة في تمويل شبكات الحماية الاجتماعية. فور انتهاء الأزمة، سيكون على عاتق صانعي السياسة في المنطقة وضع نموذج تنمية أكثر استدامة.
في الواقع، لا يمكن لأي حكومة أن تقوم بهذه المهمة، حتى وإن حظيت بدعم الجهات المانحة الدولية، لأن المشاكل الاقتصادية في المنطقة مترابطة للغاية، ولا يمكن معالجتها إلا بطريقة متكاملة.
من بين القضايا الأكثر إلحاحًا، الصحة العامة وستظل على رأس جدول الأعمال في المستقبل. لكن الشرق الأوسط يحتاج أيضًا إلى توفير المياه والغاز والنفط والنقل، فضلاً عن تعزيز الحماية البيئية.