مصر: من يقف خلف الاحتجاجات المطالبة برحيل عبد الفتاح السيسي؟

مظاهرات في عدة محافظات مصرية بدت وكأنها نتاج حالة تململ وغضب تصاعد منذ بدأ المقاول والممثل المصري محمد علي في نشر مقاطع مصورة، تحدث فيها عن "فساد بالمليارات" في الدولة المصرية. فما خلفيات المشهد في مصر؟

في العشرين من سبتمبر/ أيلول الحالي شهدت مصر حراكاً غير معهوداً في شارع منعت فيه كل أنواع التجمعات وفق القانون، منذ عام 2013. احتجاجات وصفتها وكالات أنباء دولية بأنها "تظاهرات صغيرة ونادرة" فيما نفى الإعلام المصري الذي تسيطر عليه الدولة في بداية الأمر وجود أية تجمعات من الأصل.

وبعد انتشار فيديوهات وصور للتظاهرات بدأ الحديث في مصر عن "جماعات الإسلام السياسي" و "الدول المعادية" الضالعة في "مؤامرة كبرى" تهدف لـ "هدم الدولة المصرية".

ما الذي حدث بالفعل؟

إثر احتجاجات الأسبوع الماضي شنت السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة للغاية، إذ أشارت بعض التقديرات لمنظمات حقوقية مصرية إلى أن عدد من اعتقلوا حتي الآن يتراوح بين 1200 و 1900 شخص، كان من بينهم شخصيات سياسية وأكاديمية بارزة.

لكن هذا العدد الكبير من المعتقلين يثير تساؤلات لدى المراقبين عما إذا كان جميع المعتقلين شركاء في الاحتجاجات أم أن تلك الاعتقالات يغلب عليها الطابع العشوائي، إذ أن الشخصيات الموقوفة تضم طيفا واسعا من التيارات الليبرالية واليسارية  ولا تظهر من ضمنهم وجوها معروفة من التيار الاسلامي.

 

شاهد..



في ليلة الجمعة/السبت.. احتجاجات تنادي برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح #السيسي



ومعركة هاشتاغات بين #ارحل_يا_سيسي و #ندعو_الجيش_بلاش_دم_تاني و #متحدون_ضد_اعدائك_يا_مصر و #ميدان_التحرير pic.twitter.com/IEGqyu1phf

— DW عربية (@dw_arabic) 21. September 2019

 

ومنذ أحداث يونيو عام 2013 والنظام المصري ينسب كل ما يحدث من مشكلات وأزمات إلى الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين التي صنفها النظام بأنها "جماعة إرهابية"، حتى أن آخر تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة كانت اتهام "الإسلام السياسي" بتأجيج الشارع المصري ودفع المصريين للتظاهر والاعتراض على سياسات النظام المصري بهدف العودة إلى المشهد من جديد.

لكن على شبكات التواصل الاجتماعي ينفي أغلب النشطاء، بل وحتى من شاركوا في التظاهرات، أية علاقة للإخوان بالتظاهرات. الأمر نفسه يؤكد عليه عمرو سعد الباحث في العلوم السياسية من برلين والذي قال إن "التجمعات التي حدثت في القاهرة وعدة محافظات أخرى كانت تلقائية تماما وحدثت بشكل عشوائي، أو كما يسمى في العلوم السياسية pre- politics وهو تجمع والتقاء لأشخاص بشكل تلقائي دون ترتيب مسبق بينهم".

من يقف وراء الاحتجاجات؟

وعن هذا يقول عمرو سعد، الباحث المصري في العلوم السياسية من برلين، إن التحرك في الشارع كان "المشهد الأخير، سبقه حالة احتقان وغضب موجودة بسبب تردي الأحوال الاقتصادية وتزايد معدلات الفقر بحسب تقارير الحكومة المصرية نفسها". ويوضح: "انتقل هذا الغضب إلى مواقع التواصل الاجتماعي والذي فجره حديث المقاول والفنان المصري محمد على عن قصور رئاسية يبنيها الرئيس المصري لنفسه ولعائلته وللمقربين ، تكلفت أموالاً طائلة".

و منذ صعود عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة الدولة، لم تظهر شخصية مصرية على وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الذي يظهر عليه المقاول والفنان محمد علي.

فبمجرد ما ينشر هذا المقاول- الممثل مقطعاً على صفحاته حتى يتسابق مئات الآلاف لمشاهدته، بل إن تأثير محمد علي، لم يبقَ حبيس العالم الرقمي، ففي الوقت الذي ظن فيه كثيرون أن دعواته للتظاهر ضد السيسي لن تكون إلّا صيحة في وادٍ عميق، فوجئوا بالمئات يصدحون في عدة شوارع مصرية بضرورة رحيل السيسي، في مشهد أحيا ميدان التحرير الذي يرقد في غيبوبة منذ سنوات.

 

النظام - وعلى لسان الرئيس نفسه - يحاول أن يوحي بأن المظاهرات يحركها الإخوان أو جماعات إرهابية. إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتم اعتقال شخصيات معروفة بخصومتها الفكرية مع الإخوان مثل حسن نافعة وحازم حسني وخالد داود؟ الحقيقة: كل منصف يعرف إن النظام يسحق الجميع ويزدري القانون بلا حدود.

— Amr Magdi (@ganobi) September 25, 2019

 

 ولا يوجد تصنيف سياسي أو أيديولوجي لمحمد علي سوى كونه استطاع حشد الاهتمام داخل الشارع المصري فيما يخص قضايا الفساد داخل النظام والجيش ودعوته للتغيير السياسي، معتمدا على مواهبه للحديث أمام الكاميرا، وفيديوهاته الحماسية التي يبثها من إسبانيا عبر مواقع التواصل، ويرى مراقبون أن دعوته للخروج إلى الشوارع وإلى ميدان التحرير من أهم العوامل التي ساهمت في تحريك الشارع المصري

ويشير الباحث المصري سعد إلى أن الكثير من الناس كانوا ينتظرون فقط من يشجعهم على اتخاذ خطوة النزول إلى الشارع للتعبير عن رفضهم للأوضاع الحالية. ويضيف أن أعداد المشاركين لم ترق إلى مستوى "التظاهرات الكبرى" وإنما هي "تجمعات احتجاجية كان فيها أعداداً غير متوقعة، وذلك بعد سنوات من اختفاء التظاهرات  في الشارع المصري".

للمزيد:

ألمانيا رداً على الاعتقالات: القمع لن يساهم في استقرار مصر

الإخوان المسلمون

ومن جانبه يرى شتيفان رول، الباحث بمؤسسة العلوم والسياسة الألمانية البرلينية، "أن المعارضة المصرية التقليدية بدت وكأنها قد فوجئت تماماً بالتطور الكبير الذي حدث في الشارع المصري"، مستبعداً بشدة أن يقف الإخوان وراء تلك الاحتجاجات "حيث فقدت الحركة تماماً أية قدرة على التجمع أو تحريك الشارع بعد الضربة الساحقة التي تعرضوا لها في السنوات الماضية". كما يقول.

بيد أن الباحث المصري يشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى بشكل حثيث "إلى استغلال التظاهرات والحراك في الشارع" حيث أصدروا بياناً تضامنوا فيه مع الدعوة للتظاهرات، مضيفاً أن هذا "لا يبدو أنه يبتعد كثيراً عن النهج المعتاد من محاولة استغلال الإخوان الوضع لصالحهم، لكن الحقيقة أن تحرك الشارع المصري كان بعيداً عنهم ومستقلاً تماماً". وهو ما أشار إليه أيضاً عدد من المغردين:

ويوضح سعد أن سردية ضلوع أنظمة خارجية في تأجيج الاحتجاجات لم تقنع أحداً لعدم واقعيتها، خاصة  أن "النظام المصري يتمتع بعلاقات قوية للغاية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأغلب دول الخليج، فيما عدا علاقاته المتوترة بقطر وتركيا والتي لا تخرج عن إطار المناكفات والمناوشات السياسية ولا ترتقي أبداً إلى مستوى العمل على الأرض بشكل قد ينتج عنه حراك شعبي كالذي شاهدناه".

لكن الباحثان المصري والألماني لم يستبعدا "وقوف جهات رسمية داخل دوائر الدولة المصرية – وخصوصاً من دوائر السلطة العليا - خلف تحرك الشارع، وأنها هي من أمنت خروج محمد علي من مصر وأمدته بالأرقام والأسماء التي تحدث عنها عبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

وفي ظل حالة الترقب لتطورات الأوضاع، واستمرار الدعوات لمظاهرات جديدة، واتساع حملة الاعتقالات، يسود الغموض حول مآل الاحتجاجات والقوى التي يمكن أن تظهر على السطح كمحرك لها.

 

ع.ح / ع.أ.ج

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا | حوار مع الباحث الألماني المرموق أودو شتاينباخ

التطبيع مع العنف وموت السياسة في العالم العربي

ضعف الوعي بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بين النخب

رغم الاستبداد والتطرف الديني...توق العرب والمسلمين الى الحرية