حرب الأيام الستة 1967: الصدمة التي غيّرت العالم العربي إلى الأبد

الأستاذ في جامعة هارفارد روجر أوين: حرب يونيو عام 1967 انتهت بنكسة غيرت شكل المنطقة العربية. إنها قصّة مؤسفة حقاً، لكن الوضع الراهن يمكن أن يكون أكثر سوءاً من مجرّد نكسة حصلت منذ 50 عاماً.

الكاتبة ، الكاتب: روجر أوين

يستحيل أن ينسى أي شخص مطّلع على أحداث المنطقة العربية الصدمة التي أحدثتها نتائج حرب 5 حزيران (يونيو) 1967 في الشرق الأوسط. وقد بدا في لحظة ما أن الجيوش العربية تتقدّم منتصرة نحو تل أبيب، ليتبيّن في اللحظة التالية أنها كانت تنسحب مشوّشة ومبعثرة، وقد دُمّر سلاح الجو الذي كان يغطّيها، كما أُلحق العار بالقادة، حتى أن جمال عبد الناصر غرق آنذاك في بحر من اليأس، يُزعم أنه تسبب بموته بعد ثلاث سنوات تقريباً.

وقد تلت هذه الصدمة صدمات أخرى على غرار زيارة الرئيس السادات المفاجئة إلى القدس من أجل تحقيق السلام، والانقلابات اللامتناهية في سورية، وبروز حركات مثل حركة «فتح» لإنجاز ما عجزت عنه الجيوش النظامية.

ولكن بالنسبة إلي، أنا الذي كنت أجلس أمام شاشة التلفزيون في بيت مدير مركز أوكسفورد لدراسات الشرق الأوسط في ذلك الوقت برفقة صديقة مصرية، ستبقى صدمة حرب 1967 وإلى الأبد لحظة بشعة جداً، لا سيما عندما صرخت الصديقة المصرية صرخات غضب عند رؤية الصور التي التقطها الجيش الإسرائيلي من الجو لأحذية الجنود المصريين وهم ينسحبون.

تحول القوى الإقليمية

أما اليوم، ماذا بعد مرور 50 عاماً على هذا اليوم الشنيع؟ لقد تعلّمنا كلّنا أن نبتلع مثل هذه الأحداث المهمّة مع تحوّل الوزن الإقليمي إلى دول الخليج من جهة، وإلى الدولتين الأساسيتين، تركيا وإيران من جهة أخرى. ولنضع جانباً تقلّص اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على صادرات النفط العربية بسبب اكتشاف النفط الصخري في غرب البلاد.

حرب شنتها إسرائيل يوم 5 يونيو/حزيران 1967 على ثلاث من دول جوارها العربي، دامت ستة أيام وهزمت فيها الأطراف العربية هزيمة ساحقة. وكان من نتائجها خسائر بشرية ومادية كبيرة، واحتلال أجزاء واسعة من الأراضي العربية، وتدمير أغلبية العتاد العسكري العربي.
حرب يونيو عام 1967 انتهت بنكسة عربية غيرت شكل المنطقة العربية. انعكست هذه الحرب ولا تزال تنعكس بصور مختلفة على شكل السُّلطة في العالم العربي وعلى الوعي والثقافة السياسية في العالم العربي. العالم العربي بحاجة لإعادة قراءة الحرب وتبعاتها ونقد تحليلاتها.

ومن السهل أيضاً رصد الأهمية المتنامية للطائفية والعنف باسم الدين الذي يتسبب بالحروب الأهلية في سورية والعراق واليمن، بالإضافة إلى الاقتتال الذي لا نهاية له في أفغانستان. علاوةً على ذلك، عاد الشرق الأوسط ليكون الحدّ الفاصل بين العالم الأول والعالم الثالث مع تدفّق سفن اللاجئين إما هرباً من الموت والخراب في الداخل، وإما سعياً وراء حياة أفضل في الخارج، أو الاثنين معاً.

وثمة افتراض معقول بأن كلّ هذا التركيز على العنف والارتباك وعدم التوافق في الوضع الحالي يمنع الناس من التركيز على التحديات الكبيرة التي ستواجهها المنطقة في المستقبل، وبنوع خاص في ما يتعلّق بالصحة العامة والمياه والتوظيف.

لننظر في وضع اليمن الذي تمزّقه الحرب على سبيل المثال، فقد دُمّرت أو أُقفلت نصف المرافق الطبية، ولا يتم استيراد سوى 30 في المئة من المعدات الطبية المطلوبة، وقد أصيب بالمرض ما لا يقلّ عن 160 ألف شخص منذ نيسان (أبريل)، أغلبهم من سوء التغذية والكوليرا، وقد زاد الأمر سوءاً بسبب عدم دفع رواتب المسؤولين عن الصحة العامة، ما يترك كماً هائلاً من القمامة مكدّساً على الطرقات. وأيضاً، ثمّة سورية حيث تضاءل عدد المستشفيات والعيادات التي هي بمأمن من القصف الجوّي أو من هجمات مختلف القوات في ميدان المعارك.

العنف والارتباك يهددان مستقبل المنطقة

أما بالنسبة إلى المياه والدليل المتزايد على تراجع حجم هطول الأمطار في أفريقيا جنوب الصحراء، لم يستوعب أي بلد عربي بعد أهمية تقليص الاستهلاك المحلي من خلال فرض الضرائب والتعليم لترشيد الاستخدام، وهما أمران قامت بهما إسرائيل بكلّ نجاح.

ولعلّ الأمر الأكثر خطورةً لجهة الرفاه الشعبي هو العدد المتزايد من الشباب المتعلّم ولكن العاطل من العمل، والحال أن ما يقارب نصف الخريجين الذكور في مصر، وبحسب بعض التقديرات، يدركون تماماً محنتهم من خلال الصور التي يرونها على شبكة الإنترنت أو الرسائل التي يتلقونها من أصدقاء أكثر حظاً على «تويتر».

منذ سنوات عدة، أشار ونستون تشرشل إلى الثلاثينات بأنها «السنوات التي أخذها الجراد»، ما يعني الغياب شبه الكامل للخطوات اللازمة للتحضير للحرب التي كانت تلوح في الأفق ضد ألمانيا وإيطاليا واليابان.

ولا شك أن المؤرخين في المستقبل سيقولون شيئاً مماثلاً عن الفترة التي بدأت في العام 1967 في العالم العربي، عندما أهدرت موارد المنطقة على مشاريع لم تفد بشيء يذكر لإعداد شعوبها للتحديات الضخمة الناجمة عن تغير المناخ وتزايد التوقعات والتنويع الاقتصادي وأنظمة التعليم البائدة.

ويقع بعض اللوم أيضاً على الدول المجاورة، فمنذ اتفاقات برشلونة عام 1999 على الأقل، دفع السياسيون الأوروبيون فكرة التنمية وإيجاد فرص العمل لاحقاً على طول الساحل الشمالي لأفريقيا من دون أن يتمكنوا من التوصل إلى خطة قابلة للتطبيق.

.إنها قصّة مؤسفة حقاً، مع احتمال أن يكون الوضع الراهن أكثر سوءاً من مجرّد نكسة حصلت منذ خمسين عاماً

 

روجر أوين

* أكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد

حقوق النشر: الحياة 2017