
حرية الإعلام والصحافة في مصر السيسيإسكات ممنهج لأصوات مصر الناقدة
يحب عبد الفتاح السيسي، وهو جنرال سابق، إظهار بلاده بوصفها مستقرة للغاية وقوة إقليمية تمتلك أهمية سياسية وعسكرية. كما أنه يتحدث عن الاقتصاد المزدهر الذي يوفّر فرصاً كبيرة للشركات المتعددة الجنسيات. وهذه هي الصورة التي حاول رسمها أيضاً خلال زيارته لبروكسل لحضور قمة المشاركة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في شباط/فبراير 2022.
إلا أنّ طاغية مصر واجه انتقادات في عاصمة الاتحاد الأوروبي. إذ استغلّت جماعات حقوق الإنسان الفرصةَ للاحتجاج على انتهاكات نظامه للحقوق المدنيةِ. كما ردّد أعضاء من البرلمان الأوروبي، وحتى مسؤولين حكوميين، هذه الانتقادات الشديدة.
في أوائل شباط/فبراير، طالب 175 عضو من برلمانات دول أوروبية مختلفة مجلسَ حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتكثيف الضغط على النظام المصري لوقف انتهاكاته المنهجية لحقوق الإنسان. أعلنت لاحقاً وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، أنّ ألمانيا ستجعل صادرات الأسلحة المستقبلية إلى مصر تعتمد على حالة حقوق الإنسان في مصر. ودعت منظمات حقوق الإنسان مفوضيةَ الاتحاد الأوروبي إلى عدم مدّ السجاد الأحمر من أجل السيسي في بروكسل، كما طالبت بدلاً من ذلك بإدراج أزمة حقوق الإنسان في مصر على جدول الأعمال.
كما استغلّت لجنة حماية الصحفيين غير الحكومية زيارةَ الرئيس السيسي إلى بروكسل من أجل مناشدة مفوضية الاتحاد الأوروبي لوقف العمل بالطريقة المعتادة مع مصر. وصرّحت لجنة حماية الصحفيين بأنّ "السيسي قد هاجم بشكل منهجي الصحافة، وسجن الصحفيين وأسكت الأصوات الناقدة".
والوضع صعب للغاية بالنسبة لوسائل الإعلام والصحفيين المصريين الذين يجرؤون على انتقاد حكومتهم. وفي عام 2021، احتلّت البلاد المرتبة 166 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي، والذي يصدر سنوياً عن المنظمة الدولية غير الحكومية مراسلون بلا حدود. ووفقاً لمراسلون بلا حدود، يوجد الآن خلف القضبان في مصر 22 صحفيا ومواطنان اثنان نشطا في مجال صحافة المواطنين. وهذا يجعل البلد "واحدة من أكبر دول العالم التي تسجن الصحفيين". إذ أنّ عدد المسجونين من الصحفيين أعلى في ثلاث دول فحسب: المملكة العربية السعودية والصين وميانمار.
قوانين قاسية ومزاعم تعسفيّة
يُعتقلُ الصحفيون والإعلاميون، ويُحاكمون ويُسجنون بسبب تقاريرهم التي تنتقد الحكومة. ومما فاقم المشكلةَ، أنّ العديد يقعون ضحايا عمليات تعسّفية تستندُ إلى اتهامات وقوانين مبهمة الصياغة. ففي نهاية عام 2021، حكمت محكمة القاهرة على الصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس بالسجن أربع سنوات بسبب "نشر أخبار كاذبة في مصر والخارج". حين اعتُقِل فؤاد في القاهرة في عام 2019، اتُّهِم بدايةً بِـ "ضرب الاقتصاد القومي" وحتى بـ "الإرهاب". إذ غالباً ما تستخدم جهات إنفاذ القانون المصرية تهمَ الإرهاب لإسكات الأصوات المنتقدة.
ووفقاً لمنظمة "مُراسلون بلا حدود"، لدى مصر الآن "ترسانة تشريعية قمعية" تقيّدُ حريةَ الإعلام في البلاد. ويعدُّ قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 مثالاً على ذلك. فهو يمنع الصحفيين من نشر أي شيء سوى المعلومات الرسمية حول الهجمات الإرهابية.
.

أما المخالفون فيواجهون إجراءات قانونية بموجب قانون مكافحة الإرهاب كما يخاطرون بالتعرض لعقوبات سجن قاسية.
وفي عام 2018، سنّت الحكومةُ تشريعين آخرين يقيّدان بشكل كبير حريةَ الصحافة وحريةَ التعبير. يُلزِم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (والمعروف إعلامياً بقانون مكافحة جرائم الانترنت) شركات الاتصالات بتخزين سجل النظام المعلوماتي للمستخدم لمدة 180 يوماً، بينما ينظرُ قانونُ تنظيم الصحافة والإعلام في مسألة الترخيص للكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية ومهّد الطريق لتأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو هيئة تسيطر عليها السلطةُ التنفيذية بالكاملِ. ويسمح للنظام بالتلاعب بالمشهد الإعلامي لمصر بحسب مشيئته. واللافت، أنّ المجلس يقع في مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو) بوسط القاهرة، الذي يضم مقر المؤسسة التلفزيونية والإذاعية الحكومية الرسمية لمصر.
السيطرة على وسائل الإعلام
مع هذه القوانين وغيرها، خلق النظام بيئة تضطر فيها وسائل الإعلام المصرية قانونياً إلى اتّباع نهج الحكومة. وهذا النظام فعّال بشكل كبير. وحتى في ظل حسني مبارك، الديكتاتور الذي أُطيح به في عام 2011، لم تخضع التقارير العامة لسيطرة الدولة بالدرجة التي تُمارس بها اليوم.
خلال عهد مبارك، كان انتقاد الحكومة أمراً محفوفاً بالمخاطر، لكن كان لدى الشركات الإعلامية الخاصة مجال أكبر بكثير، طالما كانت تقاريرها في صالح النظام إلى حد كبير. وعلى النقيض من ذلك، يعتمد السيسي على السيطرة المباشرة على الصحافة. كما زاد نفوذ الدولة بشكل منهجي حتى في شركات الإعلام الخاصة.
أُجبِر رجال الأعمال والسياسيون على بيع أسهمهم في شبكات التلفزيون والصحف. كما اضطر بعضهم إلى الانسحاب من الأعمال المتعلقة بالإعلام بالكامل. استحوذت الشركات المرتبطة بـ (جهاز المخابرات العامة) على أسهمهم. في عام 2016، بدأ أحد أقطاب صناعة الحديد (الصلب) أحمد أبو هشيمة، وهو رجل أعمال مقرّب من النظام، بشراء الصحف وشبكات التلفزيون لصالح شركته القابضة التي تُدعى مجموعة إعلام المصريين. وبعد ذلك بوقت قصير، حُوِّلت أسهم أبو هشيمة في مجموعة إعلام المصريين إلى شركة إيغل كابيتال، وهي شركة استثمارية تتبع لجهاز المخابرات العامة المصرية. وقد كشف عن هذا الأمر موقع مدى مصر، وهو منصة إخبارية مصرية مستقلة.