تعديلات الجرائم الالكترونية في الأردن: لا تمسوا حرية التعبير مجدداً!

أثار مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية جدلا واسعا في الأردن، خاصة في قطاع الإعلام مع ازدياد المخاوف من تقييده لحرية العمل الصحافي. الصحافية الأردنية لينا شنك تؤكد في تعليقها لموقع قنطرة على حق جميع الصحافيين والصحافيات في التعبير، المُصان في الدستور الأردني، قبل أي معاهدة دولية.

الكاتبة ، الكاتب: لينا شنك

كلما فكرت في التعديلات المقترحة على قانون الجرائم الالكترونية في الأردن، عادت بي الذاكرة إلى ذاك اليوم في شهر أيلول من العام 2012.

في ذلك النهار، شاركت إلى جانب مجموعة من الأردنيين والأردنيات بوقفةٍ أمام مجلس النواب الأردني، اعتراضاً على تعديلات قانون المطبوعات والنشر التي كانت قيد النظر آنذاك.

أراد المشرع أن يشمل المواقع الالكترونية، التي بدأت بالظهور والنمو بسرعةٍ كبيرةٍ آنذاك، في القانون، وهي خطوة أخافت الصحفيين في هذه المواقع من نوايا الحكومة، شأنها شأن كل خطوة تُتَّخذ بعد قطع شوط صغير في مجال الحريات.

اعتراضي، وأتحدث عن نفسي على الأقل، كان على محاولة سلب تلك المساحة الجديدة التي وفرتها بعض هذه المواقع لنا، نحن الجيل الذي نشأ فوجد بضعة صحف يومية أغلبها رسمية والمتبقية لا تجرؤ على المجاهرة بالواقع كما هو.

كنت خائفة على موقع مثل حبر، على الأصوات التي قالت أخيراً ما كنا لا نجرؤ على قوله في العلن، على المساحة التي مُنحت لشابٍ حدّثنا عن قريبته التي تعرضت لاعتداءٍ بحجة الحفاظ على "شرف العائلة" باسمٍ مستعارٍ، فعشنا معه التجربة، ولآخرٍ حدّثنا عن ذاك الانتماء الكاذب الذي يتيح لصاحبه السرقة من المال العام دون حسيبٍ أو رقيب، فجعلنا نعيد النظر بمفاهيم الانتماء، ولغيرهم ممّن استفاضوا في توثيق الربيع العربي بتفاصيله، بأحلامه وأخطائه.

كنت أخشى أن تضيع تلك المساحة التي ما لبثنا أن وجدنا فيها ضالتنا، ولكن التعديلات مرّت في النهاية ونجح المشرع في ضم المواقع الالكترونية، إلا أنه أعطاها ضمانات من القانون ذاته، كألا يتم توقيف صحفي بسبب رأيه. بمعنى آخر، قال لنا المشرع، تعال أرخصك وفقاً لقانون المطبوعات والنشر، واستفِد من الحصانة التي أمنحها لك أسوة بالمطبوعات الورقية الأخرى. ثم بدّل المشرع كلامه.

 

 

تهديد حرية التعبير في الأردن

انتهت مرحلة الربيع العربي، آخذةً منا تلك الانفراجة التي شهدناها في الحريات العامة، وعاد سلوكنا الالكتروني، كصحفيين ومواطنين، يؤرق الحكومات ومن والاها، فجاءت تعديلات جديدة لقانون الجرائم الالكترونية في عام 2015، كان أخطرها المادة التي تتيح التوقيف بناءً على رأي منشور على الشبكة العنكبوتية.

ساوى هذا القانون بين الصحفي، الذي يُفترض أن يحميه قانون المطبوعات والنشر من الحبس بسبب نشاطه، والمواطن العادي الذي لا يتمتع بهذه الحصانة.

وعلى الرغم من اعتراضي على تطبيق عقوبة التوقيف السالبة للحرية لأي شخصٍ كان بسبب التعبير عن الرأي، فإن تطبيقها على الصحفيين لا يمكن أن يُفسّر بنية حسنة كيفما نظرنا لها.

بعد إقرار القانون بمدةٍ قصيرةٍ، أُطلقت حملة بعنوان "الحكي مش جريمة"، تذكرنا بالأساسيات، وتعرفنا بمن تم توقيفهم بسبب آراء منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونية، منهم صحفيون ومواطنون عاديون، ولكنها انتهت دون وقف تجريم "الحكي"، الذي اعتبره وزير الدولة السابق لشؤون الإعلام والاتصال محمد المومني أخطر من "الطلقة" في بعض تصريحاته.

وكأن هذه الضوابط على حرية التعبير لا تكفي، يقترح مشروع قانون معدّل للجرائم الالكترونية سيُطرح ليناقشه مجلس النواب قريباً تغليظ العقوبات على ما يسميه "خطاب الكراهية"، والذي لم يضع له تعريفاً واضحاً، فترك الناس رهينة التفسير ونسي أن العالم أجمع لا يزال يناقش ماهية هذا الخطاب! يُمكن أن تؤدي التعديلات إلى الحبس فترة تتراوح ما بين سنة إلى ثلاث سنوات ودفع غرامة تتراوح ما بين 5 إلى 10 آلاف دينار أردني، وهي عقوبات قاسية جداً قد تُطبق على طيفٍ واسعٍ من منشوراتنا التي نعبّر فيها عن واقعٍ قاسٍ نستحق أفضل منه مائة مرة!

مذ أعلنت الحكومة عن هذه التعديلات المقترحة، انبرت ألسنة المهتمين بالحقوق والحريات العامة لتحذيرها من عواقبها، بينما رحّب بها البعض، تحديداً بسبب تغليظ العقوبات على ما يسمونه زوراً وبهتاناً "خطاب الكراهية".

فكرة المواطنة بعيدة عن الخطاب الإعلامي

لينا شنك صحفية أردنية تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. كتبت لمواقع أردنية وعربية وعالمية مثل موقع حبر، ورصيف22، والعربي الجديد، والجزيرة الإنجليزية.
لينا شنك صحفية أردنية تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. كتبت لمواقع أردنية وعربية وعالمية مثل موقع حبر، ورصيف22، والعربي الجديد، والجزيرة الإنجليزية.

برأيي الشخصي، من يرحّب بهذه التعديلات قد ينتمي إلى قسمين: قسم يسؤه انتقاد الدولة بجميع مكوناتها، إما لأنه يستفيد من غياب الرقابة الشعبية أو لأنه يوالي مستفيدين منها، وقسم أزعجه كثرة الانتقاد على مواقع التواصل الاجتماعي، فتراهم يقولون "زودناها.. وما بنِنعطى عين"، وهؤلاء معذورون لأنهم لا يستوعبون بعد فكرة المواطنة، لعل عقودٍ من تغييبها أثرت على وعيهم، فلم يقبلوا بعد أن يكون لهم حرية لا يمنحها أو يسلبها أحد.

لا أروّج لإثارة نعرات من أي نوعٍ كان، ولكن أدافع عن حق الناس في التعبير عما تمر به بصدق، ولا يجب أن ننسى أن قانون العقوبات يتكفل بهذه الجرائم أساساً.

لا أؤيد نشر الشائعات، كما يدعي المنزعجون، ولكن أؤيد الضغط على الحكومة لتوفير المعلومات حتى لا تترك للشائعات مجالاً بدلاً من معاقبتنا نحن على تقصيرها.

لا أؤيد الإساءة إلى أيٍ كان بالشخصنة، ولكن إذا عُدنا للأرشيف، كون مدننا صغيرة وسكانها يعرفون بعضهم البعض بالاسم، سنعرف من أكثر الناس إساءةً لغيرهم، ولم يبقوا أحراراً بدون عقاب وحسب، وإنما تصدروا المشهد لسنوات.

أؤيد حقنا جميعاً في التعبير، المُصان بالدستور الأردني، قبل أي معاهدة دولية، وأرفض كل محاولة لسلبنا هذا الحق!

 

لينا شنك

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

لينا شنك: صحفية أردنية حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية. تهتم بالكتابة التي توّثق تجارب الناس وحكمتهم مهما كانوا بسطاء. كتبت لمواقع أردنية وعربية وعالمية مثل موقع حبر، ورصيف22، والعربي الجديد، والجزيرة الإنجليزية.