ارتداء الحجاب في ألمانيا - أيضا وسيلة اعتراض على التمييز والعنصرية
حكم المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية العليا في قضية ارتداء الحجاب داخل قاعات المحاكم الألمانية لم يكن متوقعاً صدوره بعد فترة وجيزة من هجوم مدينة هاناو الألمانية، الذي قُتِل فيه ذوو أصول مهاجرة في مقهيين للشيشة.
ولكن المصادافات تكشف الواقع أحيانًا كشفًا خاصًا. فبالإضافة إلى العديد من الأبعاد الأخرى، كشف هجوم هاناو عن أنَّ الألمان الأتراك أو العرب أو غيرهم من الألمان ذوي الأصول غير الألمانية كثيرًا ما يكونوا مجرَّد موضوع في النقاش الألماني العام، ولكن ليسوا شركاء في هذا النقاش.
فلا أحد يتحدث في تلك النقاشات عن أنَّ سببًا من أسباب ذهابهم إلى مقاهي الشيشة هو منعُهم من الدخول إلى الديسكوهات والأندية، وأنَّهم كثيرًا ما يتم استبعادهم من فرص الصعود والترقية وفرص المشاركة الكثيرة والغنية في ألمانيا، رغم امتلاكهم لجواز سفر ألماني ورقم تعريف ضريبي ألماني، والأهم من ذلك هو أنَّهم حاصلون على تعليم ألماني، وأنَّهم يدركون ذلك إدراكًا عميقًا.
بعد بضعة أيَّام من هجوم هاناو، حكمت المحكمة الدستورية الاتحادية -الواقعة بمدينة كارلسروِه الألمانية- بعدم السماح للمحجَّبات المُتدرِّبات في مجال القضاء والنيابة والعامة بالجلوس على منصة القضاة وعدم رئاسة الجلسات واستلام الأدلة، بل يجب عليهن الجلوس في قاعة الحضور داخل المحكمة. قد يكون من غير الممكن بالنسبة للمسلمين ألَّا ينظروا إلى هذا الحكم باعتباره أحدث مثال على رفضهم في سلسلة طويلة من أمثلة الرفض.
وهذا ليس فقط لأنَّ الالتزام بمبدأ الحيادية من الناحية الأيديولوجية أو الدينية في القضاء -الذي استخدمه قضاة المحكمة الدستورية بمدينة كارلسروه لتبرير حكمهم- يُعَدُّ على أية حال مَثَلًا أعلى ضروريًا للديمقراطية، ويجب السعي إليه والدفاع عنه بأي ثمن؛ بل لأنَّه -كأي مَثَلٍ أعلى- مستحيل المنال. لا يمكن إلغاء الفارق القائم بين الطموح المطلق والعامل البشري. الصليب أو الحجاب أو العمامة أو أية مؤثِّرات بصرية أخرى تجعل هذا الفارق واضحًا للعيان.
ليس وراء كل ارتداء للحجاب اضطهاد
قضاة المحكمة الدستورية في كارلسروه تعاملوا مع الحجاب باعتباره "رمزًا دينيًا" فقط، غير أنَّ رأيهم هذا قديم عفا عليه الزمن، ومع ذلك لا يزال له تأثير هنا في ألمانيا. لم يعد الحجاب رمزًا دينيًا حتى في العالم الإسلامي، لأنَّ القوانين أو الأعراف الاجتماعية غالبًا ما تُجبِر النساء في دول مثل السعودية أو ليبيا على ارتداء الحجاب، بصرف النظر عن كونهن ملتزمات أو غير ملتزمات بالصلاة. وهذا ينطبق أكثر في ألمانيا وكذلك في الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتَّحدة الأمريكية.
فغالبًا ما تقرِّر النساء ارتداء الحجاب (هنا في ألمانيا والغرب) لأنَّهن لا يستطعن على أية حال الإفلات من التمييز، الذي يتعرَّضن له بسبب أسمائهن التركية أو العربية أو الباكستانية، مثلًا: عند البحث عن سكن أو فرصة تدريب مهني، وباختصار عند بحثهن عن مكانهن في المجتمع.
بحسب مؤرِّخة الفنّ البريطانية رينا لويس فإنَّ وصم الحجاب بوصمة سلبية يمثِّل سببًا من أسباب ارتدائه من قِبَل بعض النساء: كدليل على "اعتزازهن بثقافتهن". وليس بالضرورة أنَّ ارتداء الحجاب له علاقة بالروحانية الشخصية.
يمكن أن يصبح ظهور الحجاب تعبيرًا عن تأكيد الذات، ولكن فقط في مجتمع لا يثق في المسلمين لمجرَّد أنَّهم مسلمون - سواء أكانوا متديِّنين أو علمانيين. الحجاب في الواقع ليس لفتةً تشير إلى الخضوع، بل هو أيضًا احتجاج على حكم أكثرية المجتمع الألماني على مَنْ هم المسلمون وكيف يجب أن يكونوا.
لا بدَّ من الاعتراف بأنَّ هذا التشابك بين الهوية الثقافية والمطالب السياسية، وبين الإقصاء وجهود الاندماج، هو أمر مربك إلى حدّ ما.
ومن أجل مواساة قضاة المحكمة الدستورية في كارلسروه، تجدر الإشارة إلى أنَّ فكّ شيفرة الرسالة التي يحملها الحجاب لم يكن أسهل أيضًا في الماضي. فحين أقدمت الناشطة النسوية المصرية هدى شعراوي على خلع نقابها عن وجهها أمام الملأ، كان هذا رسالةً إلى اتِّجاهين مختلفين: للمراقبين الغربيين، الذين يعتبرون المرأة "الشرقية" مُسْتعبَدة ومتخلفة، وكذلك للمجتمع الذكوري الأبوي. كما أن النساء اليهوديات والدرزيات قُمن أيضاً بخلع نقابهن في ذلك الوقت. وإلى هذه اللحظة، كان التضامنُ بين الأغلبية والأقلية قريبًا في متناول اليد.
سونيا زكري
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2020
[embed:render:embedded:node:23718]