
حكم مبني على أسس هشة قوامها الحفاظ على السلطةأوبرا ألمانية بين الحكم المطلق وأسطورة البطولة في الشرق والغرب
عملان من أشهر أعمال الأوبرا الألمانية معروضان في مدينة بون في غرب ألمانيا، وهما: "زركسيس" الحاكم الفارسي الباطش من تأليف الموسيقي الشهير في عصر الباروك هيندل، وملحمة فاغنر الأسطورية "لونغرين" التي تتناول نمط المزج بين السحر الأسطوري والوقائع الحياتية اليومية. عملان فنيان ينقلان نماذج من حياة الدول والمجتمعات القديمة تتشابه إلى حد ما مع معطيات العصر الراهن.
أكثر ما يعشقه الجمهور الألماني من أنماط الأوبرا هو النمط الإيطالي الذي اشتهر به فيردي ومونتيفيردي وبوتشيني وروسيني، وغيرهم ممن أبدعوا في أعمال الدراما والكوميديا في القرن التاسع عشر على وجه خاص.
لكن هناك نمطا "ألمانيا" يعشقه الجمهور يتألف من الموسيقى "الخفيفة" القريبة من أغاني الطرب المنمق، وهو ما يعرف بالأوبيريت ومن الأوبرا التقليدية الأكثر ثقلا من حيث المحتوى والنهج الموسيقي. كان موتزارت أكبر من أبدع في هذا النمط فقد أنتج أعدادا كبيرة من الأعمال الموسيقية مثل "حلاق إشبيليه" و"دون جواني" (أي دون جوان بحسب التسمية العربية) و"الخطف من السراي" إلخ.
قد يعترض البعض بأن موتزارت لم يكن ألمانيا بل نمساويا لكنه ترعرع في ظل مناخ مجتمعي وسياسي في مدينة سالسبورغ التي كانت بافارية أي ألمانية أحيانا ونمساوية أحيانا أخرى. وبغض النظر عن ذلك التعريف الجغرافي الضيق فقد عرفت أعمال هذا الموسيقي المشهور بكونها جزءا من التراث الموسيقي الألماني بصورة عامة. يدخل في هذا السياق بيتهوفين أيضا وإن اشتهرت ملحماته الموسيقية أكثر كثيرا من قطع الأوبرا التي أنتجها مثل أوبرا "فيديليو" التي جاءت تعبيرا عن خلود مفاهيم الحرية والإنسانية والمحبة.
بعض أعمال الأوبرا الألمانية غير التقليدية ظهرت في عصر الباروك الذي تصدره يوهان سبستيان باخ وإن انهمك أكثر في الأعمال الموسيقية البحتة كالكونشرتات والكانتات وملاحم اليوراتويوم الكنسية. أما زميله غيورغ فريدريش هيندل (1685 - 1759) الذي أخصب في الإنتاج الموسيقي في البلاط الملكي الإنكليزي أكثر مما اشتهر بداية في ألمانيا فقد أعد مجموعة من الأوبراهات مثل "رينالدو" و"سيروس".

عاش هيندل الفترة الباروكية الأخيرة وتميز بأعماله في فن اليوراتويوم . رأى خبراء الموسيقى بأن لغته الموسيقية شكلت خلاصة الأساليب الموسيقية في أوروبا (الإيطالية، الفرنسية، الألمانية والإنكليزية)، فلاقت أعماله نجاحا في كامل القارة بينما لم يلقَ في مسقط رأسه السكسوني والألماني ذات النجاح الذي أحرزه باخ.
حاكم فارسي مستبد شبيهة بحاكم كوريا الشمالية
عرضت دار الأوبرا في بون كوميديا "زركسيس" للموسيقي هيندل تيمنا بالحاكم الفارسي المطلق الذي سمي هكذا وفقا للتراث الإغريقي. وكان قد اتسم بالبطش وعشوائية التصرف والانزلاق الأخلاقي. فوق ذلك لم يكن قائدا عسكريا ناجحا في الأغلب فكثيرا ما خسر المعارك الحربية ضد اليونان، لكنه بسط نفوذه على مصر وغيرها من الدول لفترات تاريخية طويلة.
في أوبرا هيندل وضع المخرج هذا الحاكم المستبد وغير العادل في إطار آخر يكاد أن يكون كوميديا وأظهر هذا الملك الفارسي كما لو كان كل اهتمامه مرتكزا على غريزته الجنسية وحبه للهيمنة الشخصية والانتقام لكل من جرأ على التصدى له فعلا أو كلاما. وقد عشق خطيبة أخيه وحاول بكل الطرق انتزاعها منه لكنه فشل بذلك رغم طغيانه وتهديداته وعاد أخيرا إلى خطيبته التي أصبحت بعد ذلك ملكة الإمبراطورية.
باب الاستخفاف بالطغاة سواء القدامي أو المعاصرين كان زركسيس يحمل في زيه دوما دمية "صواريخ نووية" يعتز بها رغم أنه لم يكن أهلا لذلك التفوق العلمي. والملاحظ أن المخرج حاول نقل زركسيس من العصور القديمة إلى عصر اليوم فجاءت صورته البشعة والهزيلة في آن واحد شبيهة بحاكم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي يعشق هو أيضا المجد والعظمة بأشكالهما الحربية والسلطوية وفيما يتعلق بسعيه لجعل دولته تضاهي الدول العظمى في السلطة والنفوذ وفي حيازة الأسلحة النووية المتطورة.
ذكرنا سلفا بأن ملحمة هيندل لم ترتكز على البنيان التسلطي للحكم بل سعت بأسلوب المسرح الساخر إلى تبيان سطحية بل حتى تفاهة، هذا الحكم المبني على أسس هشة قوامها الحفاظ على السلطة مهما كلف الثمن ذلك. من هنا تمتع الجمهور بهذه الأوبرا شبه الكوميدية التي أثارت لديه شعور المرح دون أن تهمل الجوهر المقدم مجازا وهو احتقار الحكم المبني على القمع والطغيان والسخر الحاد بأعمدته الأساسية.
تعليقات القراء على مقال : أوبرا ألمانية بين الحكم المطلق وأسطورة البطولة في الشرق والغرب
هذا مبدأ حكام العراق من حكم الطاغيه ابن صبحه ولغاية اللحظه.هدفهم تدمير البلد وحرق خيراته وسرق امواله..
الحاظر سقم07.12.2018 | 11:07 Uhr