حكومة ألمانيا تدافع عن صفقة أسلحة للسعودية لكن ما الأسلحة التي لا تصدرها لها بسبب خاشقجي واليمن؟

دافع وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير عن موافقة الحكومة الألمانية على صفقة تصدير أسلحة للسعودية. وقال ألتماير في تصريحات لصحيفة "باساور نويه بريسه" الألمانية الصادرة  يوم السبت 13 / 04 / 2019 إن الحكومة اتفقت على تمديد وقف تصدير أسلحة من إنتاج ألماني بحت للسعودية، وأضاف: "من ناحية أخرى، لدينا التزامات تجاه فرنسا وبريطانيا عندما يتعلق الأمر بما يسمى بالمشروعات المشتركة التي نشارك فيها. هنا يتعين علينا أن نكون ملتزمين بالعقود وبتوريد المكونات المتعهد بها".

وعقب أقل من أسبوعين من تخفيف حظر تصدير أسلحة للسعودية، وافق مجلس الأمن الاتحادي في ألمانيا، المعني بقرارات صادرات الأسلحة، على توريد أسلحة مجددا للمملكة. وذكر ألتماير مساء  الخميس في خطاب للجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الألماني (بوندستاغ) أن الصفقة تتعلق بـ"تكنولوجيا تصنيع العربات نصف المقطورة" لشركة "كاماج" الألمانية.

تجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن الاتحادي، الذي يعقد جلساته سرا، يضم المستشارة أنغيلا ميركل وعددا من الوزراء. وبحسب خطاب الوزير، وافق المجلس في اجتماعه الأخير على تسع صفقات تصدير أسلحة لست دول. 

وأوضح الوزير في الخطاب أن أجزاء المقطورات التي سيُجرى إنتاجها في مصنع "كاماج" في ألمانيا ستُنقل بعد ذلك إلى فرنسا لإتمام تصنيعها لتكون وجهتها الأخيرة السعودية. وعقب ضغط من فرنسا وبريطانيا، قررت الحكومة الألمانية نهاية آذار/مارس 2019 تخفيف حظر تصدير الأسلحة للسعودية بالنسبة للصفقات التي تتعلق بمشروعات مشتركة مع دول أوروبية شريكة.

وكانت ألمانيا فرضت حظرا على تصدير الأسلحة للسعودية منتصف تشرين  الثاني / نوفمبر 2018 عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية. ومددت ألمانيا حظرها لتوريد أسلحة مباشرة إلى السعودية لمدة ستة أشهر  حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2019. 

خلفيات وأسباب: كان قرار ألمانيا وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية بعد مقتل خاشقجي أثار خلافات برلين مع شركائها الأوروبيين 

فالقيود الألمانية على بيع السلاح للسعودية أثرت على طلبيات كثيرة وفرنسا سعت لاستيضاح الوضع بالنسبة للتعاون في صناعة السلاح مستقبلا ثم وعود من برلين بإصدار قرارات في شهر آذار / 2019 ومحللون قالوا إن الصناعة الدفاعية الألمانية معرضة للخطر.

تمثل القيود التي فرضتها ألمانيا على صادرات الأسلحة مجازفة بأن تصبح برلين طرفا منبوذا في صناعة السلاح الأوروبية الأمر الذي يهدد التعاون المستقبلي في تطوير الأسلحة بل وطموحات ألمانيا نفسها أن تتعهد بالرعاية صناعة سلاح أوروبية مشتركة.

فقد أدى قرار ألمانيا وقف كل شحنات العتاد العسكري للسعودية في نوفمبر / تشرين الثاني 2018 بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي إلى دفع خلافات قديمة بين برلين وشركائها الأوروبيين حول قيود الأسلحة إلى نقطة الغليان.

وأثار القرار علامة استفهام حول طلبيات عسكرية بالمليارات من بينها صفقة قيمتها عشرة مليارات جنيه استرليني لبيع 48 مقاتلة من طراز يوروفايتر تايفون للرياض ودفع بعض الشركات مثل إيرباص إلى استبعاد مكونات ألمانية من بعض منتجاتها.

وفي ضوء تحذير شركة بي.إيه.إي سيستمز البريطانية للعتاد الدفاعي، وهي الشركة التي تقف وراء المقاتلة يوروفايتر تايفون، من أن الحظر الألماني سيؤثر سلبا على أدائها المالي تسابق لندن وباريس الزمن لإقناع برلين برفعه.

ويريد الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الشريك الأصغر في حكومة المستشارة أنغيلا ميركل، الحفاظ على حظر السلاح المفروض على السعودية والتوصل إلى اتفاق لوضع سياسة تصدير أكثر تقييدا إذ يحرص على تفادي خسائر أخرى من أصوات الناخبين الألمان الذين يتوخون الحرص فيما يتعلق بمبيعات السلاح.

وحرصا على تخفيف حدة الخلاف مع فرنسا وبريطانيا يتهم المحافظون الذين تنتمي إليهم ميركل الحزب الديمقراطي الاشتراكي بتعريض الصناعة والوظائف في ألمانيا للخطر، الأمر الذي يزيد الضغوط على الحزب.

غير أن الحزب يشير إلى أن أطراف التحالف وافقت العام الماضي 2018 على وقف مبيعات السلاحة المستقبلية لأي بلد يلعب دورا في حرب اليمن.

وفي ضوء حالة الشلل بسبب الخلافات السياسية الداخلية أرجأت برلين البت في تمديد الحظر بعد انتهائه في التاسع من مارس / آذار 2019 حتى نهاية الشهر، الأمر الذي أثار قلقا بين الحلفاء الأوروبيين والصناعة.

وقال مسؤول بالصناعة الأوروبية: "لا نرى سبيلا لحل المشكلة في الوقت الحالي. ثمة حالة من الجمود التام".

الشراكة مع فرنسا

تمثل ألمانيا التي فرضت قيودا على مبيعات السلاح في السنوات الأخيرة ما يقل قليلا عن اثنين في المئة من مجمل الواردات السعودية من الأسلحة. غير أن دورها في تصنيع مكونات تدخل في صادرات دول أخرى يتيح لها إفساد مشروعات أوروبية مربحة.

فبالإضافة إلى عقد الطائرة يوروفايتر تايفون يعطل الحظر الألماني على مبيعات السلاح للسعودية شحنات من صواريخ جو/جو من طراز ميتيور التي تصنعها شركة إم.بي.دي.إيه، التي تشترك في ملكيتها إيرباص وبي.إيه.إي سيستمز وشركة ليوناردو الإيطالية، وذلك لأن نظام الدفع في الصواريخ ورؤوسها الحربية تصنع في ألمانيا.

وقال مصدران مطلعان على مناقشات الائتلاف إن الأطراف قد تتفق على رفع جزئي للحظر على عدد من زوارق الدورية التي تصنعها للسعودية شركة لورسن الخاصة وصواريخ ميتيور لأنهما لا يستخدمان في حرب اليمن. إلا أنه لم يتقرر شيء كما أن صفقة يوروفايتر ما زالت محل شك.

وقد صيغت اتفاقات تشمل المقاتلة يوروفايتر والصاروخ ميتيور بهدف منع أي دولة من فرض حظر للصادرات من جانب واحد غير أن هذه البنود وردت في مذكرات تفاهم لضمان السرية وليست في اتفاقيات ملزمة قانونيا.

وأدى تقاعس برلين عن الالتزام بهذه الاتفاقات وغياب التنسيق مع فرنسا في الحظر الذي فرض على مبيعات السلاح للسعودية إلى إقناع فرنسا بأنها بحاجة لاتفاق ملزم قبل المضي قدما في برامج السلاح المشتركة مع ألمانيا التي تقدر استثماراتها بعشرات المليارات خلال العقود المقبلة.

وصاغت باريس وبرلين مسودة وثيقة ثنائية تنص على أن أيا من البلدين لن يعرقل صادرات البلد الآخر إلا عندما تتعرض مصالح مباشرة أو الأمن الوطني للخطر باستثناء أحداث مثل قضية خاشقجي.

غير أن مصدرين مطلعين قالا إن الخلافات في صفوف الائتلاف الحاكم في ألمانيا أدت إلى عدم إتمام هذه الوثيقة. ولم يتضح أيضا ما إذا كان الاتفاق الثنائي يحتاج لموافقة البرلمان الألماني.

لم يصدر الحزب الديمقراطي الاشتراكي تعليقا جديدا على القضية غير أن أندريا ناليس زعيمة الحزب قالت الشهر الماضي إنها ستصر على الاتفاق على توجيهات تفرض مزيدا من القيود على الصادرات الألمانية قبل الانتقال إلى موضوعات أخرى مثل العلاقات الدفاعية بين فرنسا وألمانيا.

ومؤخراً قال إيريك ترابييه الرئيس التنفيذي لشركة داسو الفرنسية التي تتولى تصنيع المقاتلة رافال إن الشركة تراقب الوضع عن كثب.

وقال للصحفيين: "من الواضح أننا إذا كنا سنطلق برنامجا لمقاتلة فرنسية ألمانية فيتعين تحديد قواعد التصدير بأسرع ما يمكن".

وقال ديرك هوك رئيس إيرباص للصناعات الدفاعية والفضائية لرويترز إن الاتفاق ضروري قبل أن يمكن للبلدين المضي قدما في خطة الطائرة الحربية الجديدة أو توقيع عقد كما هو متوقع بنهاية العام للعمل المشترك من أجل طائرة مسيرة أوروبية جديدة.

وأضاف: "هذا سيضر بشراكة ألمانيا مع فرنسا في الأجل الأبعد إذا لم يتم التوصل لحلول جادة طويلة الأجل". كما يعرقل الخلاف المساعي الألمانية والفرنسية لتحقيق مزيد من التكامل في المشتريات الدفاعية الأوروبية وبرامجها ومن ثم بناء جيش أوروبي في نهاية المطاف.

وتعد الصادرات حيوية لضمان نجاح أي برامج تطوير مشترك وذلك لأنها تجعلها أكثر اقتصادية. وقال ماتياس فاختر المسؤول باتحاد الصناعة الألماني: "سياسات التصدير الألمانية هي السبب الرئيسي وراء قرار فرنسا تطوير سلاح فرنسي ألماني مضاد للدبابات في السبعينيات".

وأضاف: "نحن في الصناعة لدينا انطباع أن الحكومة الألمانية تصاب بالشلل عندما يتعلق الأمر بالمشتريات والصادرات العسكرية". وسئل شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية عما إذا كانت سياسة برلين تتسبب في عزلها عن أوروبا فقال: "نحن ندرك أن هذه القضية تمثل موضوعا مهما لعدد من أهم حلفائنا وأن من المطلوب اتخاذ قرار. ولهذا السبب نجري نقاشات مكثفة داخل الحكومة الألمانية وسنتخذ قرارات في مارس" آذار.

"خالية من المكونات الألمانية"

ليست مسألة التوفيق بين الآراء المختلفة في القيود على السلاح في أوروبا بالقضية الجديدة. فقد دعا اتفاق ديبر/شميت الفرنسي الألماني لعام 1972 إلى التشاور في صادرات السلاح بما يمنع طرفا من حظر صادرات الطرف الآخر. غير أن خلافات في المواقف العامة فرضت ضغوطا على هذا الحل الوسط بمرور الوقت وأدت سلسلة من المشروعات الجديدة إلى دعوات لإعادة النظر في الأمر.

الجديد هذه المرة تحركات الشركات للتخلص من الموردين الألمان. ورغم أن من المستحيل تقريبا التخلص من المكونات الألمانية التي تمثل حوالي الثلث في المقاتلة يوروفايتر فقد بدأت شركة إيرباص إعادة تصميم طائرة النقل العسكرية سي295 لإبدال مصابيح الملاحة الألمانية الصنع التي تمثل حوالي أربعة في المئة من الطائرة حسب ما قالته مصادر في الشركة لرويترز .

وقال مصدر إن الشركة تتطلع أيضا إلى بدائل للمكونات الألمانية التي تمثل حوالي 15 في المئة من الطائرة الصهريج إم.آر.تي.تي التي ترتكز على الطائرة إيه330 والتي باعتها الشركة لاثنتي عشرة دولة من بينها السعودية.

ويجري اتخاذ خطوات مماثلة في فرنسا حيث دفعت القيود الألمانية على صادرات السلاح لدول أخرى شركة بي.إم.إي نيكولا إندستري الأصغر إلى إعلان الاستغناء عن عشرات العاملين.

وتطور فرنسا أيضا صاروخا يخلف الصاروخ ميلان الموجه المضاد للدبابات الذي قامت بتصنيعه مع ألمانيا في السبعينيات، كما قالت مصادر إن شركة أركوس الفرنسية لصناعة الشاحنات بدأت تسويق شاحنة للتصدير إلى الشرق الأوسط "خالية من المكونات الألمانية".

وقال توماس كلاين بروكهوف المستشار السابق للرئيس الألماني ومدير صندوق مارشال الألماني في برلين إن مصداقية ألمانيا واستقلالها معرضان للخطر. وأضاف: "عواقب سياسة التصدير الحالية في الأجل الطويل قد تتمثل في عدم وجود صناعة دفاعية في ألمانيا مستقبلا".

وتبين دراسة طلبت وزارة الاقتصاد الألمانية إجراءها أن عدد العاملين في الصناعات الدفاعية الألمانية 80 ألف عامل كما أن دخلها بلغ حوالي 25 مليار يورو في 2014 بالمقارنة مع مليون عامل و370 مليار يورو في قطاع صناعة السيارات الألمانية في ذلك العام.

وقال مصدر مطلع إن أي خطوات لإبدال المكونات الألمانية في نظم الأسلحة قد يستغرق تنفيذها عامين أو ثلاثة وربما فترة أطول. وأضاف: "بمجرد الانتقال لإنتاج خال من المكونات الألمانية، فإن العودة ستستغرق سنوات".

ولا تزال صناعة الأقمار الصناعية الأمريكية تشعر بوطأة تشديد قواعد التصدير الأمريكية التي ساهم تنفيذها في ظهور أقمار بلا مكونات أمريكية تنتج في أوروبا وكبد الشركات الأمريكية مليارات الدولارات. د ب أ / رويترز