حلم عداءة صومالية يتبدد في البحر المتوسط

نصطدم يومياً بأخبار سريعة، وفي الغالب تكون هامشية، مفادها أن هناك أناساً غرقوا في البحر المتوسط، عادة لا نلتفت إلى الضحايا وقصصهم. لكن كان للرسام الألماني راينهارد كلايست (من مواليد عام 1970) نظرة أخرى، فقد حوّل قصة العداءة الصومالية سامية عمر التي لقيت حتفها غرقاً في البحر الأبيض المتوسط إلى رواية مصورة تمس المشاعر بطريقة مؤلمة، وقد تم تدشين النسخة العربية من الكتاب في الخرطوم بحضور كلايست. عبد االسلام الحاج يطلع موقع قنطرة على أمل أولمبي انتهى في قارب الموت، وعلى سرد بصري لقصة مؤلمة اطلع على تقتنياته بعض أبناء السودان.

الكاتبة ، الكاتب: عبد السلام الحاج

بعد صدور الرواية المصورة باللغة الألمانية والإنجليزية والفرنسية، تم تدشين النسخة العربية من (حلم الأولمبياد) في العاصمة السودانية الخرطوم، في مطلع مارس/ آذار 2017، في مقر معهد جوته الألماني بالسودان. بحضور عدد كبير من الإعلاميين والمهتمين بفن القصة المصورة.

يقول كلايست أن السودان هو أول بلد عربي عبرت من خلاله سامية نحو البحر المتوسط، حيث نهايتها المأساوية هناك، لذلك رأى أن يكون إطلاق النسخة العربية من الخرطوم. ويضيف كلايست: "آمل أن أنصف سامية بهذا الكتاب، وأن تساهم قصتها في إيقاظ  وعينا بأن خلف الأخبار الهامشية السريعة، تكمن مصائر أناس، وخلف الأرقام المجردة تتوارى حيوات".

لماذا قصة سامية عمر؟

سامية عمر(17 عاماً) لم تكن الوحيدة في قارب الموت ذلك، ولكن الأمر الذي جعل من قصتها أكثر تداولاً هو ماضيها المختلف. فبعد مشاركتها في دورة الألعاب الأوليمبية في بكين عام 2008 وإحرازها للمركز الأخير في مسابقة 200 متر، عادت سامية إلى مقديشو، مكسورة الخاطر، لكنها أكثر تصميماً على العودة بقوة في الأولمبياد التالية.

لكنها تلقت تهديدات من حركة الشباب الإسلامية المتشددة، لذا لم يكن بوسعها مواصلة تدريباتها لكونها امرأة. فلم يبقَ أمامها سوى الهرب إلى أوروبا من أجل تحقيق حلم المشاركة في الدورة الأوليمبية بلندن. ذهبت إلى إثيوبيا في عام 2010، ثم السودان وصولاً إلى ليبيا، لكنها لقيت حتفها غرقاً مع عدة هاربين في ربيع عام 2012.

راوية (حلم أولمبياد) هي بورتريه ينقل ما بداخل سامية عمر الرياضية القوية العزيمة، التي لا تسمح للظروف القاسية بالتغلب عليها، ولكن كان البحر يتربص بها قبالة الشواطيء الإيطالية
راوية (حلم أولمبياد) هي بورتريه ينقل ما بداخل سامية عمر الرياضية القوية العزيمة، التي لا تسمح للظروف القاسية بالتغلب عليها، ولكن كان البحر يتربص بها قبالة الشواطيء الإيطالية، يقول راسمها وكاتبها كلايست: "عندما اصطدمت بقصة سامية، ظل تأثري شديداً بمآلها المأساوي".

قصة عن قوة العزيمة

(حلم أولمبياد) هو بورتريه ينقل ما بداخل سامية عمر الرياضية القوية العزيمة، التي لا تسمح للظروف القاسية بالتغلب عليها، ولكن كان البحر يتربص بها قبالة الشواطيء الإيطالية، يقول كلايست: "عندما اصطدمت بقصة سامية، ظل تأثري شديداً بمآلها المأساوي". ويرى كلايست أن موقف شقيقة سامية جعله أكثر صلابة، فقد أرادت أن تكون قصة سامية عمر خالدة للأجيال. ويضيف: "كان هذا بالغ الأهمية بالنسبة لي ودافع قوي لسرد قصة سامية في كتاب مصور".

تركز رسومات كلايست المعبرة بالحبر في درجات الأسود والرمادي والأبيض على شخصيته الرئيسة سامية، فيُقربها إلى القارئ ويجعله يشاركها معايشاتها المضنية وما تواجهه من نكسات عديدة.

ورشة للقصة المصور

وضمن برنامج زيارته للسودان، أقام كلايست ورشة للقصة المصورة بمشاركة 20 رساماً من أجيال مختلفة، استمرت لمدة ثلاثة أيام، تناولوا فيها موضوعات السرد البصري والأساليب الحديثة في القصص المصورة.

الرسام الشاب طارق نصر  يرى أن الورشة أتاحت له فرصة التعرف علي أجيال مختلفة من الرسامين في مجال القصص المصورة، ويضيف: "كانت سانحة جيدة للاستفادة من خبرة كلايست الكبيرة في مجال القصة المصورة". بينما أبدت الرسامة عابدة حاج طه سعادتها بالمشاركة في الورشة واستفادتها وتضيف: " تعرفت على أدوات مختلفة لتنفيذ القصص المصورة، ولكن الفائدة الأكبر بالنسبة لي كانت في تلخيص القصة في جملة واحدة، فقد ساعدتني هذه الطريقة في ترتيب أفكاري بصورة أوضح".

أما الرسام عمار موسى  صاحب التجربة الكبيرة في مجال القصة المصورة، أوضح أن الورشة كانت فرصة مناسبة للوقوف على مستوى الأعمال التي ينتجها، ويرى أن أعماله لا تقل عن مستوى كثير من الأعمال التي وجدت طريقها للنشر بعدة لغات خارج السودان، ويضيف: "الورشة كانت فرصة مواتية للتعرف على مجموعة من الرسامين الشباب وتبادل الآراء معهم حول التعاون في النهوض بفن القصة المصورة في السودان برؤية أحدث وأكثر جرأة على صعيد الكتابة والتأليف والرسم ".

بينما أوضحت سحر صلاح منسقة الورشة بمعهد غوته السودان بأنها مثلت ملتقى حقيقياً لرسامين  سودانيين من أجيال مختلفة، وتضيف: "رغبتنا منذ البداية هي أن ندمج الفنانين بعضهم مع البعض، إذ استطاعوا من خلال هذه الورشة التعرف على التجربة الأوروبية في هذا النوع من الفنون من خلال راينهارد كلايست، الذي يمتلك خبرة ممتازة لأحدث الوسائل وطرق عرض القصة المصورة وكيفية الترويج لهذا الفن، لأننا نفتقد لذلك في العالم العربي، وفي السودان بشكل خاص".   

 

              

عبدالسلام الحاج

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de