رغبة باسم يوسف العارمة في العودة للديار المصرية

خلال الربيع العربي كان الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف محبوبًا ومرهوبًا. تابعه المصريون ليس للضحك فقط بل لمعرفة إن كان برنامجه لم يوقَف أيضا. اضطر للفرار من مصر -إلى بلاد ترامب- وقلبه معلق بوطنه: "حين أنجح في أمريكا سأسلط الضوء على مصر". وكعربي ومسلم يقول: "أدافع عن نفسي ضد الإسلاموفوبيا والتمييز، لا أدافع عن الدين، بل عن الناس". دنيا رمضان تعرِّف موقع قنطرة بأحد برامجه في أمريكا.

الكاتبة ، الكاتب: Dunja Ramadan

[مما يقوله بعض الأمريكيين لبعضهم]: جيرانك الجدد، هل هم غريبو الأطوار؟ الزوجة هل ترتدي الحجاب، والزوج هل هو ملتحٍ وعلى جبينه علامة من أثر السجود؟ هل هم مختلفون؟ غرباء؟ دعونا نسأل بصوت مرتفع: هل هم مسلمون؟

مسموح للمرء هناك بطبيعة الحال أن يصبح عصبيًا، وهذا أمرٌ مفهوم للجميع: بسبب الإرهاب وصورة المرأة وما إلى ذلك. ولكن في الحقيقة لا ضرورة لذلك. وهذا نظرًا لأنَّ باسم يوسف لديه الحل، وعلى نحو أكثر دقة لدى "شركته"، واسمها: "حلول جهادية" [حلول ناجعة لمشكلة الجهادية].

لقد طوَّرت هذه الشركة جهازًا -صغيرًا وسهل الاستخدام وقليل الثمن- عَرَضَهُ باسم يوسف في شريط فيديو مدَّته ثلاث دقائق على الإنترنت. وقد أطلق عليه اسم "تَنفَّسْ بسهولة!" (Breathe Easy). وهو يعمل مثل جهاز فحص مستوى الكحول لدى السائقين من خلال التنفُّس ويقوم بتصنيف مجرِّبيه بحسب درجة التطرُّف على مقياس يتراوح بين "مُحبٍ للحمُّص" و"داعمٍ لتنظيم داعش".

Deutsche Welle TV-Sendungslogo "AlBarnameg" mit dem ägyptischen Satiriker Bassem Youssef; Foto: DW
Scharfe Klinge, spitze Zunge: Drei Jahre lang war seine äußerst populäre Polit-Satireshow „AlBernameg“ in Ägypten zu sehen – bis zur abrupten Absetzung Ende 2013. Wenige Wochen später nahm die Deutsche Welle die Sendung in ihr arabisches Programm. Im Sommer desselben Jahres musste Bassem Youssef dennoch das Handtuch werfen – aus Angst um seine Sicherheit.

وبحسب باسم يوسف فإنَّ جهاز "تَنفَّسْ بسهولة!" هو نتيجة للبحوث المكثفة والتكنولوجيا المتقدِّمة. فدائمًا عندما -لِنقُلْ- يتمنى الجار المسلم الموت لأمريكا، تبقى بقايا في خلايا جسمه، ويتم إطلاق إنزيم يسمى "إنزيم التطرُّف". وحول ذلك يقول باسم يوسف إنَّ جهاز "تَنفَّسْ بسهولة!" يعطينا نتائج دقيقة، "أكثر دقة من غارة بطائرة بدون طيَّار".

عودة جون ستيوارت العربي إلى دائرة الضوء

إذًا لقد عاد باسم يوسف من جديد: جون ستيوارت العربي، رائد السخرية السياسية، صاحب البرنامج الأكثر مشاهدة خلال الربيع العربي. عندما أصبح قويًا جدًا بالنسبة للأقوياء في مصر، اضطر إلى الهرب من البلاد. وهو يعيش الآن في أمريكا. ويفعل أفضل ما في وسعه، أي السخرية.

لقد بدأ نجاحه عندما تم للتو إسقاط الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي حكم البلاد لفترة طويلة. كان باسم يوسف، وهو طبيب مختص بجراحة القلب، يقوم بتصوير مقاطع فيديو وينشرها على موقع يوتيوب من داخل غرفة الغسيل في شقته الكائنة في القاهرة. وبسرعة البرق أصبح باسم يوسف مشهورًا جدًا، بحيث حصل على برنامج تلفزيوني خاص، اسمه "البرنامج".

لقد كانت تلك فترة حرِّية غير مسبوقة، وكان باسم يوسف عصفورها المغرِّد. أحبَّه المشاهدون. أمَّا الحكومة -جميع الحكومات المصرية المتتالية- فقد كانت تكرهه. نجا باسم يوسف من حكومة المجلس العسكري، ومن الإخوان المسلمين، غير أنَّ حكومة السيسي العسكرية منعت برنامجه.

وها هو يعيش في "ترامب لاند". كان من الممكن ألاَّ يكون باسم يوسف هو نفسه لو أنَّه لم يكتشف قدراته الساخرة: "هل يعود سبب ذلك لي أنا؟ وهل أجلب معي سوء الحظ أينما حللت؟ وهل أنا مغناطيس للديكتاتوريين؟"، مثلما يسأل في سيرته الذاتية الصادرة تحت عنوان "الثورة للمبتدئين - الضحك عبر الربيع العربي".

ولكن مَنْ مِن الأمريكيين يريد سماع نكات حول أمريكا من إعلامي مصري، في حين أنَّ الساخرين الأمريكيين كثيرًا ما يتجاوزهم واقعهم؟ في نسخته العربية جذب باسم يوسف أربعين مليون مشاهد في الحلقة الواحدة. بينما تجتذب مقاطعه المنشورة على موقع يوتوب باللغة الإنكليزية في المتوسط مائتين وخمسين ألف مشاهد.

لقد وجد على أية حال موضوعًا. ففي حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية كان ترامب يحرِّض ضدَّ العرب والمسلمين. وباسم يوسف عربي ومسلم على حدّ سواء. في مكالمة هاتفية معه من أمريكا، قال باسم يوسف: "أنا أدافع عن نفسي ضدَّ الإسلاموفوبيا والتمييز، ولكن لا أدافع عن الدين، بل عن الناس".فيديو يعرض "وسائل" لإنقاذ المسلمين من الكراهية والاشتباه

بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في برشلونة، نشر باسم يوسف فيديو ساخر بعنوان "Muslim Morning After Kit" (حقيبة السلامة والإسعافات الأولية الصباحية للمسلمين). وهذا الشريط الساخر هو دعاية لحقيبة إسعافات أولية تحتوي على وسائل لإنقاذ المسلمين، الذين يضطرون بعد كلّ هجوم إرهابي لإثبات ولائهم للولايات المتَّحدة الأمريكية. وتحتوي هذه الحقيبة على علم أمريكي كبير، وتيشيرت كتب عليه "واحد من الصالحين"، ورقعة لحقيبة الظهر كتبت عليها عبارة "فقط بعض الكتب وجهاز كمبيوتر محمول"، وصورة المسلم المعنيّ مع مغني موسيقى الكانتري [الريفية الشعبية التقليدية] الأمريكي توبي كيث (وهو مؤلف أغنية "الأمريكي الغاضب"، وقد غنَّى في حفل تنصيب ترامب).

[embed:render:embedded:node:17293]

والآن يقوم باسم يوسف بعرض برنامج خاص به على موقع يوتيوب بعنوان "دليل الديمقراطية". حيث يسافر عبر الولايات المتَّحدة الأمريكية، من أجل التعرُّف على "أروع وأعظم ديمقراطية في العالم"، ويذهب إلى محلات بيع الأسلحة، التي تمنع دخول المسلمين إليها، ويبيع ملصقات للسيارات تحمل عبارة "منطقة خالية من المسلمين"، وكذلك يتحدَّث اللغة العربية بمكبِّر صوت من أجل ممارسة "حقِّه في حرِّية التعبير".

يقول باسم يوسف إنَّ أسلوب مقاومته قد تغيَّر، وإنَّ قلبه لا يزال معلقًا بوطنه القديم. ويأمل: "حينما أنجح في الولايات المتَّحدة الأمريكية، أستطيع تسليط الضوء على الأحداث في مصر".

عندما كان لا يزال يبثّ برنامجه من القاهرة، لم يكن المصريون يُشَغِّلون التلفزيون من أجل الضحك فقط، بل أيضًا لأنَّهم كانوا يريدون معرفة إن كان برنامجه لم يتم إيقافه بعد. وفي هذا الصدد يكتب باسم يوسف: "في مجتمع مُبرمج على أن يقول ’نعم يا سيدي‘، قاومت أنا النظام وقلت ’لا‘. فعلت ذلك بابتسامات ساخرة، بغمزات وإيماءات - وهذا أغضبهم كثيرًا".

"البرنامج" - تجربة ديمقراطية قصيرة

أمَّا الآن فقد غادر باسم يوسف البلاد، وعاد المصريون ليقولون ’نعم يا سيدي‘ لحكومة يعتبرها الكثيرون أكثر وحشية من نظام حسني مبارك. من المعروف أنَّ عمل الإعلاميين الساخرين في مصر محفوف بمخاطر كبيرة، وعندما تسير الأمور بشكل سيء، ينتهي بهم المطاف إلى السجن - وينظر الجمهور إلى الاتِّجاه الآخر. يقول باسم يوسف: "كلّ ما يتبقى منك هو هاشتاغ على موقع تويتر". وهذا ليس اتّهامًا، ولكن لماذا يجب عليه أن يخاطر بحياته من أجل هذا البلد؟ لذلك فإنَّ المنفى أفضل.

برنامجه "البرنامج" كان تجربةً ديمقراطيةً قصيرة. وعندما تم إيقافه، قال الكثيرون إنَّ مصر لم تكن مستعدة بعد للسخرية السياسية. يعتقد باسم يوسف أن هذا أمر غير معقول.

ويقول: "هذه هي الأعذار التي ينشرها النظام: نحن لسنا مستعدين للمساواة، نحن لسنا مستعدين للحرِّية، نحن لسنا مستعدين للديمقراطية. كيف يمكن للمرء ألَّا يكون مستعدًا لشيء حسن؟". ويضيف أنَّ الثورة لم تنتهِ، بل هي حدث أقل من كونها عملية: "لا يتعلق الأمر برمي الحجارة، بل بتغيير طريقة التفكير".

ومن وجهة نظر مصرية، أي من وجهة نظره هو، فإنَّ أمريكا لديها الكثير لتخسره. عندما يعادي الرئيسُ الأمريكي وسائلَ الاعلام، فيجب عندئذ حماية الديمقراطية، بحسب رأي باسم يوسف، الذي يخاطب الأمريكيين بقوله: "يا أمريكا، آملُ أن تفعلوا شيئًا حيال ترامب. اُنظروا إلى هذا الكتاب على أنَّه تحذير مما يمكن أن يحدث لكم"، مثلما يقول في نهاية كتاب سيرته الذاتية.

ونظرًا لأنَّه بطبيعة الحال لا يريد أبدًا أن ينتهي بهذا الشكل المأساوي، يضيف: "بصراحة أقول: لقد ضاقت بي الأماكن التي يمكن أن أهاجر إليها، وكندا باردة جدًا!".

 

دنيا رمضان

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de