ألا يضر ذلك بمصداقية اللجنة المانحة وكان فيها روائي كبير هو إبراهيم الكوني وناقد كبير كذلك صلاح فضل وكان قد كتب إلى صلاح فضل رئيس اللجنة المانحة: "لست شخصا ينساق وراء القضايا بطريقة هوجاء. لكنّني في إطار احترامي الخاص للشعوب العربية وثقافتها الرائعة، انتقدتُ دائماً، وكلَّما استطعت، الأنظمة الخاضعة لحكم السلالات". وأضاف الروائي أنّ "رفضه الجائزة خففه من ثقل مضنٍ، هو الذي لم يجرِ في حياته وراء الجوائز".

الموقف الأشهر موقف المفكر محمد عابد الجابري

 

لكن الموقف الأشهر والجدير بالتنويه والتأمل هو موقف المفكر الكبير محمد عابد الجابري فقد اتخذ موقفا مبدئيا من قضية الجوائز والتكريمات ورفضها رفضا قاطعا فقد رفض جائزة صدام أكثر من مرة وقيمتها المالية 100 ألف دولار ورفض جائزة الشارقة وقيمتها 25ألف دولار، كما رفض جائزة معمر القذافي العالمية لحقوق الإنسان والبالغة 32 ألف دولار  وأصر على موقفه من رفض عضوية الأكاديمية المغربية، وجائزة الحسن الثاني للكتاب معللا ذلك بالبقاء في المعارضة وككاتب وبهذه الصفة.

 محمد عابد الجابري (1935 - 2010): أحد رواد الفكر العربي المعاصر  Mohammed Abed al-Jabri war ein marokkanischer Philosoph und Literaturwissenschaftler. FOTO VIA DW MIDDLE EAST
"لعل موقف الجابري هو الموقف الجدير بالتنويه حقا والإشادة، إنه موقف المثقف النقدي الذي يعلو على المؤسسات وكل أشكال التدجين والتطويع والقولبة والاستحسان والمديح والاستكانة فقط إلى ميثاق شرف الكاتب وإلى صوت الضمير الذي يصر على الحرية الشاملة للمثقف النقدي ويعلو على كل مؤسسة وعلى كل تطويع وتركيع أو تدجين واستخدام وتسويق تجاري ودعائي." نحن بحاجة إلى المثقف النقدي والكاتب التنويري الحر المدافع عن الحقوق الإنسانية والكرامة البشرية غير المتقرب من كل سلطة، ولا يجري خلف النجومية والشهرة والجوائز، والأدهى أحيانا أن يقدم بعض الكتاب العرب صورة هزلية إلى لجان جوائز غربية تهتم بتغذية المخيال الغربي السينمائي المريض عن العالم العربي والإسلامي، مهمته فقط هي الكتابة من أجل متعة الكتابة كما وصف نجيب محفوظ مساره الرائع وإن جاءت الجائزة والمال فمرحبا وإن لم يجئ شيء ففي ستين داهية، لأن الكاتب يمارس العشق الجنوني مع الحرف ويراقص الحرية ولا يكتب بحسب دفتر الشروط ولا هو يتقدم بمناقصة. ولو أن الجوائز تساهم في تعميم الأدب والارتقاء به والتواصل الحضاري ... والجانب المادي مهم للكاتب ... – كما يكتب إبراهيم مشارة.

لعل موقف الجابري هو الموقف الجدير بالتنويه حقا والإشادة ،إنه موقف المثقف النقدي الذي يعلو على المؤسسات وكل أشكال التدجين والتطويع والقولبة  والاستحسان والمديح  والاستكانة فقط إلى ميثاق شرف الكاتب وإلى صوت الضمير الذي يصر على الحرية  الشاملة للمثقف النقدي ويعلو على كل مؤسسة وعلى كل تطويع وتركيع أو تدجين واستخدام وتسويق تجاري ودعائي.

من العجيب كيف تتحول الجوائز إلى عصا تأديب

 

من العجيب في قضية الجوائز هذه كيف تتحول إلى عصا تأديب فقد منح مجلس أمناء مؤسسة العويس الثقافية جائزة العويس الثقافية إلى الشاعر العراقي سعدي يوسف عام 1990 "تكريما لريادته الشعرية ولدوره الإبداعي المتميز في النهوض بمستوى القصيدة العربية المعاصرة بعيدا عن أفكاره السياسية" لكن لماذا عام 1990 ألا يوحي ذلك التاريخ بشي؟ أليس لذلك علاقة بموقف صدام وصراعاته مع مشيخات الخليج؟

عاد المجلس بعد ذلك في مطلع الألفية الجديدة وسحب الجائزة منه لما بدر منه من إساءة لدولة الإمارات ولشخص الشيخ زايد، بحسب بيان جديد للمجلس.

مهما يكن الأمر فعالمنا العربي في وضعه الراهن المتسم بالقمع وغياب العدالة وحضور الظلامية بكثافة وغياب الطابع العلمي والنقدي وندرة المثقف النقدي فهو أندر من بيضة الديك وانكشاف ثورات الربيع العربي على السراب وعودة الديكتاتوريات بأشكال أخرى ومسميات أخرى في عالمنا العربي هذا الموبوء والمتسم بكل أشكال النقص والضحالة.

نحن بحاجة إلى المثقف النقدي والكاتب التنويري الحر المدافع عن الحقوق الإنسانية والكرامة البشرية غير المتقرب من كل سلطة، ولا يجري خلف النجومية والشهرة والجوائز، والأدهى  أحيانا أن يقدم بعض الكتاب العرب صورة هزلية إلى لجان جوائز غربية تهتم بتغذية المخيال الغربي السينمائي المريض عن العالم العربي والإسلامي، مهمته فقط هي الكتابة من أجل متعة الكتابة كما وصف نجيب محفوظ مساره الرائع وإن جاءت الجائزة والمال فمرحبا وإن لم يجئ شيء ففي ستين داهية، لأن الكاتب يمارس العشق الجنوني مع الحرف ويراقص الحرية ولا يكتب بحسب دفتر الشروط ولا هو يتقدم بمناقصة، ولو أن الجوائز تساهم في تعميم الأدب والارتقاء به والتواصل الحضاري، والكتاب صناعة بكل ما تعني الكلمة من معنى كما أن الجانب المادي مهم للكاتب فهو له حقوقه ومتطلباته الحياتية المشروعة.

الجائزة ليست معيارا لتقييم أصالة المبدع وعبقريته

 

وبعد فليست الجائزة معيارا لتقييم أصالة المبدع وعبقريته فهي قد تخضع للاستقطاب وللمصالح الفئوية والنخبوية والسياسية والدعائية والتجارية  كما قد تتخذ شكلا من أشكال التدخل في شؤون الآخرين كما في زمن الحرب الباردة  وفي جوائز الاتحاد الأوروبي كالجائزة التي يمنحها البرلمان الأوروبي جائزة أندريه سخاروف مثلا حيث أن أوروبا برمتها داعمة للديكتاتوريات العربية  ومتسترة عليها فأي نفاق سياسي أوروبي هذا!؟

المبدع مبدع حتى وإن لم ينل أي تكريم

 

فالمبدع مبدع حتى وإن لم ينل أي تكريم ولم ينل أي جائزة  فقد عاش التوحيدي مغبونا بل وأحرق كتبه ومع ذلك فالتوحيدي هو رائد النزعة الإنسية في الفكر العربي  ونتلهف شوقا لقراءة حرفه الباذخ  المتمرد على كل سلطة.

 

إبراهيم مشارة

حقوق النشر: إبراهيم مشارة / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

 

 
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة