باحث ألماني مرموق: الإسلام يمر بأزمة عميقة ويعايش ثورة علمانية صامتة

باحث ألماني مرموق: الإسلام يمر بأزمة عميقة ويعايش ثورة علمانية صامتة
باحث ألماني مرموق: الإسلام يمر بأزمة عميقة ويعايش ثورة علمانية صامتة

ما مدى إرتباط المسلمين في ألمانيا بالإسلام ؟ في الحوار التالي مع الصحافي كريستوف هاسيلباخ يفند الباحث في شؤون الأديان، ميشاييل بلومه، المخاوف من "أسلمة المجتمع الألماني" ويعتبر أن المسلمين يعانون من أزمة عميقة.

الكاتبة ، الكاتب: Christoph Hasselbach

صدر كتابكم "الإسلام في أزمة"، الذي يناقش اوضاع المسلمين في ألمانيا، قبل أسبوع. الكثير من الناس يعتقدون أن للإسلام حضورا قوياً في ألمانيا التي تضعف فيها التعاليم المسيحية. لكن نتائج بحوثكم تثبت صورة معاكسة لهذا التصور؟

ميشاييل بلومه: صحيح .نحن نرتكب خطأ فادحاً عندما نعد في إحصاءاتنا جميع من ينحدرون من والدين مسلمين أو يصفون أنفسهم كمسلمين، مسلمين فعلاً.

تصور لو أننا نعتبر جميع الناس في ولاية ساكسونيا مسيحيين ينحدرون من أسلاف مسيحيين ويحتفلون بعيد الميلاد، فستبلغ نسبة المسيحيين في ساكسونيا تسعين في المائة مجددا. لكننا في الحقيقة نعتبر فقط أعضاء الكنيسة المسجلين مسيحيين وهم في ساكسونيا 23 في المائة. وهذا يعني أننا نقارن التفاح بالإجاص.

وإذا تمعنا في هذا فإننا سنلاحظ لدى المسلمين سيرورات فصل قوية عن الدين. فجزء صغير من المسلمين لا يزال يؤدي الصلاة بانتظام. ونحن لدينا نفس عملية الفصل عن الدين السريعة مثل ما هو حاصل في المسيحية، وهذا معزز من خلال ما يسمى تنظيم "داعش" والعنف، الذي يرتكب باسم الإسلام. وهذا يدفع الكثيرين من المسلمين إلى التفكر.

هل بمقدوركم ذكر نسبة مئوية لعدد المسلمين الذين مازالوا يمارسون دينهم؟

ميشاييل بلومه: السؤال الحقيقي هنا هو ما تعنيه الممارسة. هل هي تعني الاحتفال بالأعياد؟ فمن تم سيكون الساكسوني الذي يقدم هدايا لعائلته في عيد الميلاد مسيحيا متدينا. أو هل هي الصلوات المنتظمة؟ فسنكون لدى المسلمين في المانيا عند نسبة ما تحت 40 في المائة.

غلاف كتاب "الإسلام في أزمة"
يفند الباحث الالماني ميشائيل بلومه أساطير "أسلمة أوروبا" وعدم تعلمُن المسلمين ويؤكد أن ظاهرة الإبتعاد عن الأديان موجودة عند مسلمي ألمانيا.

أنا أسمي هذه الظاهرة "التراجع الصامت"، لأن غالبية المسلمين يعرفون بالطبع أنه أمر خطير: فهو مرتبط بعقوبات داخل العائلة، وأحيانا توجد محظورات حكومية ضد الابتعاد عن المعتقد. وهذا يعني أن الغالبية تعتبر ذلك قضية خاصة. غالبية المسلمين يقلصون التزامهم الديني ولا يتحدثون كثيرا عن ذلك ولا يعلنون أنهم غير متدينين.

ولكن عندما نتمعن في ذلك، نلاحظ أن هناك تراجعا قويا في الحفاظ على التقاليد، لاسيما في صفوف الشباب والمتعلمين وبين النساء اللاتي لا يشعرن بالارتياح في الاتحادات التابعة للمساجد.

ولكن من ناحية أخرى نلاحظ مثلا أن بين الأتراك الذين يعيشون منذ أجيال في ألمانيا أن  الشباب متمسكون بالدين أكثر من الكبار مثلا في اتباع قواعد الصوم في رمضان أو المسلمات الشابات اللاتي يلبسن الحجاب أكثر من ذي قبل. كيف ينسجم هذا كله؟

ميشاييل بلومه: هذا هو المثير، لأن الإدراك السائد لدى غالبية الألمان هو أن المسلمين يزدادون تديناً. لكن عندما نسأل يقول عدد متزايد من الشباب: نعم أنا متدين وأنا مسلم. لكن بشيء من التمعن نلاحظ، كما تؤكد دراسة جامعة مونستر حول الألمان من أصل تركي، أن نسبة أولئك الذين يصلون بانتظام والذين يضعون حجابا على الرأس والذين يرفضون المصافحة باليد تنخفض بسرعة.

كلا الحالتين غير متفقتين وغير منسجمتين، بل إن ذلك يحصل مثل ما هو عليه عندنا بأن يردد الكثير من الناس أنا أنتمي للغرب المسيحي، ولكنني دخلت الكنسية آخر مرة قبل سنتين. وهذا ما نعايشه أيضا في الجانب المسلم. إنه انتقال من الممارسة الدينية إلى الاعتراف الديني. المرء يعترف بانتمائه إلى الغرب المسيحي أو الشرق الإسلامي، لكن الممارسة الدينية تتقلص.

كيف تفسر تطرف بعض المسلمين الذين يستندون في أفعالهم للدين؟

ميشاييل بلومه: نحن نعيش دوما ذلك أثناء الأزمات في الديانات: وهو أن الجزء الصغير هو الذي يتطرف والجزء الأكبر هو الذي يبتعد عن الدين وهو ما عايشناه في أوروبا خلال حروب الثلاثين سنة ـ البروتستانت ضد الكاثوليك ـ واليوم نشاهد هذا لدى المسلمين بتناحر السنة ضد الشيعة. في الماضي تطرف جزء صغير وبعد مدة تقوقع الجزء الأكبر.

مسجد في العاصمة الالمانية برلين
المسلمون في ألمانيا تحت المجهر: في كتابه "الإسلام في أزمة" يفند الباحث الالماني ميشائيل بلومه المخاوف الشعبوية من تطرف عامة المسلمين ويعتبر أن هناك أدلة واضحة على تحولات في أشكال التدين.

بعد حروب الثلاثين سنة حصل تراجع في المعتقد وجاءت فترة التنوير، واحتجنا إلى وقت طويل إلى أن أستعادت الكنائس صدقيتها التي فقدتها في تلك الحروب. وهذا حاصل أيضا لدى المسلمين. جزء من المسلمين يفسر جميع هذه الحروب والأزمات على أنها نتيجة مؤامرات. فهم يقولون: لا يمكن أن يحصل هذا في الاسلام، أكيد أنهم الماسونيون أو اليهود أو الأمريكيون. هؤلاء الأشخاص يتقوقعون إلى حد ما. فعوض دراسة الوضع هم يتجهون لأساطير المؤامرة، وهذا لا يحسن من الوضع شيئا.

هل تعتقد أنّ هذه الأزمة في الإسلام قد تكون بداية فترة الإصلاح التي يتمناها الكثير من المسلمين المعتدلين والمجتمعات الغربية؟

ميشاييل بلومه: كتابي هدفه هو الدفع بالتفكير في هذا الاتجاه وطرح أسئلة. يوجد مسلمون ليبراليون يريدون الاصلاح، نحن لدينا في ألمانيا علوم دين إسلامية لا بأس بها. لكن هؤلاء المسلمين الليبراليين قلما ينظمون أنفسهم.

أما الاتحادات الإسلامية الليبرالية والمساجد فتبقى صغيرة. هذا يعني أن الاتحادات الكبرى هي في غالبيتها قومية ومحافظة. لكن هناك عدد أكبر من المسلمين، وتحديدا أيضا علماء يرون هذه المشاكل ويقولون: يجب علينا تغيير شيء وإلا فإن هذا الدين سيلتطم بالحائط.

 

* خبير الشأن الديني الدكتور ميشاييل بلومه هو رئيس قسم الأديان غير المسيحية والأقليات في وزارة بادن فورتمبيرغ. في الـ 31 من أغسطس صدر له كتاب "الإسلام في أزمة".

 

أجرى المقابلة كريستوف هاسيلباخ/ م.أ.م

حقوق النشر: دويتشه فيله 2017