حوار مع الكاتب الليبي هشام مطر
الزمن لا يعود إلى الوراء...الربيع العربي لم يتحطم

في روايته "العودة"، يصف الكاتب الليبي هشام مطر بحثه دون جدوى عن والده المعارض المختَطف دون أثر، ولحظة أمل قصيرة تلت سقوط القذافي. في حواره -مع كلاوديا منده لموقع قنطرة- يرى أن التمزق في ليبيا واليمن وسوريا أكثر واقعية من الطموحات الثورية، لأنه نتاج حكم عقود من الدكتاتورية. ومَثَلُ من يرى الربيع العربي صداعاً كمثل امرأة مغتصبة، تقول: "ربما كان هذا خطئي"، كما لو أننا جميعاً لم نكن نستحق شيئاً أفضل.

سيد مطر، كان كتاباك الأولان خياليين. أما في كتابك "العودة" تحوّلتَ إلى الذاكرة. لماذا التغيير في النوع الأدبي؟

هشام مطر: لم يكن التغيير متعمّداً ولم يكن حتى عبارة عن وعي ذاتي. غالباً ما تأتي فكرة الكتاب مع شكلها، على الأقل بالنسبة لي. فجاءت رواياتي مثل كافة الروايات؛ ففيها ذاك الموقف المعين وحرية التخيّل التي تمنحها الروايات.

لقد بدأت بكتابة "العودة" في الظلام. بالنسبة لي، تبدأ كل الكتابة بشيء صغير جداً. ليس بإيماءة متعمّدة، فقد تبدأ بصورة، أو بشعور أو فكرة معينة أو أحياناً بمجرد جملة. ففي هذا الكتاب بدأت بالتساؤل حول تلك اللحظة عندما كنت في مطار القاهرة مع زوجتي ووالدتي وأردت صعود الطائرة للعودة إلى ليبيا وبنفس الوقت لم أرغب في ركوب الطائرة. لقد فتَنتْني تلك اللحظة.

لقد كتبت حول تغلّبك على تجربة اختفاء والدك المؤلمة. ألم يكن ذلك خصوصياً جداً بالنسبة لجمهور أكبر؟

Libyens Ex-Diktator Muammar al-Gaddafi; Foto: dpa
نشوة جماعية تجاه الدكتاتور الليبي: يقول هشام مطر: من السهل تحديد الأعمال الشيطانية للدكتاتورية، ولكن الأصعب بكثير أن تحدد كيف يمكن لسلطات قمعية أن تثير نوعاً من اضطراب عقلي اجتماعي عندما تجتمع كل المكونات معاً في ظل الظروف المناسبة.

هشام مطر: لقد كنت قلقاً من تلك الناحية لأنني شخص أقدّر الخصوصية، وقد عنت عملية الكتابة أنه كان علي أن أكون صبوراً جداً مع أشياء تجعلني في الواقع نافد الصبر إلى حد بعيد. لم أكن متأكداً من إن كان بإمكاني فعل ذلك أو إن كنت أريد فعل ذلك. ولكن المواد كانت مقنعة جداً بحيث أنني بمجرد أن بدأت لم أقوَ على التوقف.

هناك تناقض بين الرغبة في المعرفة من جهة وفي ذات الوقت عدم الرغبة في المعرفة. هل هذا ما يسيّر كتاباتك؟

هشام مطر: إن كان هناك ما سيّر الكتاب، فقد كانت الفرصة بالسماح لنفسي أن أكون فضولياً وأن أركّز على مجموعة معقّدة جداً من الأحداث، والتي تنطوي بطبيعتها على سجل واسع من المشاعر الإنسانية. إنها حول الأحداث والتعديلات الداخلية الخصوصية جداً والتي لها علاقة بالبلد كله وتاريخه في الوقت ذاته. أجد هذه الدرجة من المجال فاتنة ككاتب.

في نهاية "العودة" لا يبقى يقين فيما يتعلق بمصير والدك. مع ذلك، هل يمثّل الكتاب نوعاً من الخاتمة بالنسبة لك؟

هشام مطر: مسألة مصير والدي لا تزال مفتوحة. لم أكن لأقول أن الكتاب يمثّل نوعاً من الخاتمة بل يمكن القول إنني لست مقتنعاً كلياً بفكرة الخاتمة. فأنا أكثر اهتماماً بكثير بافتتاح الأشياء من اختتامها. لقد أردت التعامل مع هذه الأشياء التي شعرت أنها في غاية الجسامة بفضول حقيقي، محاولاً فرض نوع من السيطرة عليها بالضبط لأنها بدت شديدة الجسامة.

تذكّرتُ بريمو ليفي: في كتابته بالإمكان أيضاً لمس رغبته في محاولة فهم وتوثيق شيء يهدّد بإبادته. لقد فهمت ما حدث لوالدي بطريقة مشابهة. فقد كانت النية الرئيسية لهذه الأحداث خنق قدرتي على أن أكون فضولياً وواسع الخيال. لذلك يذهب الكتاب في الاتجاه المعاكس، مركّزاً على هذه الأشياء في محاولة لإلغاء الفعل القمعي الذي ولّد هذا الوضع.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة