ما وراء مغامرة شباب جزائري عبر البحر إلى أوروبا

يرى باحثون أن الهجرة غير النظامية من الجزائر إلى أوروبا ليست مرتبطة ارتباطا محضا بالعامل الاقتصادي بل أصبحت تتداخل فيها عوامل أخرى متشعبة ومتشابكة، وأنه لا بد من التركيز على طبيعة تفكير المهاجر الجزائري غير النظامي (الحرّاڨ الجزائري) وتنشئته وتكوينه وطموحاته لفهم هذه الظاهرة. نور الدين بسعدي بحث لموقع قنطرة وسأل مراقبين عن طبيعة تفكير الشاب المهاجر الجزائري غير النظامي إلى أوروبا.

الكاتبة ، الكاتب:  نور الدين بسعدي 

خلال آخر أسبوع من شهر يوليو / تموز 2020، ووفقًا لمصادر حكومية، وصل ما لا يقل عن 418 مهاجراً جزائرياً غير نظامي (حراقين جزائريين) على متن 31 قارباً إلى السواحل الإسبانية في مورسيا وجزر البليار وأليكانتي، حتى أن بعض المراقبين تحدثوا عن وصول أكثر من 1000 شخص من الجزائر.

تؤكد إحصائيات وكالة الأمم المتحدة للاجئين الخاصة في إسبانيا، للأسبوع الممتد من 20 إلى 26 يوليو / تموز 2020، أن الجزائريين هم أول جنسية للوافدين غير النظاميين إلى إسبانيا. ووفقا لمصادر حكومية في مورسيا الإسبانية تم إنقاذ العديد من هؤلاء المهاجرين في أعالي البحار من قِبَل الحرس المدني الإسباني، وتم بالفعل العثور على آخرين على الشواطئ.

وافدون غير نظاميين على الساحل الإسباني

تصدّر هؤلاء الوافدون على الساحل الإسباني، بأرقام تعتبر ضخمة، عناوين الأخبار والشبكات الاجتماعية في كل من إسبانيا والجزائر، مما تسبب في قلق من الناحيتين الإنسانية والصحية. وأظهرت صور ومقاطع الفيديو نُشِرَت على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعات من الجزائريين يصلون على متن قوارب، حيث أعادت هذه الصور إحياء الجدل حول الوضع السياسي والاقتصادي المتوتر حالياً في الجزائر.

ومع ذلك في حين أنه من الأرجح أن الأحوال الجوية الجيدة تحفز الرغبة بالعبور عبر البحر، فمن الواضح أن هذه الموجة الجديدة تؤكد فقط اتجاهاً قوياً تمت ملاحظته منذ شهور. وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصل 1993 جزائرياً إلى إسبانيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من بداية عام 2020 حتى 30 مايو / أيار 2020.

خلال نفس الفترة كانت الجزائر إلى حد بعيد أول بلد مصدر للأشخاص الذين وصلوا بشكل غير قانوني عن طريق البحر إلى إسبانيا. وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2020 مثّل الجزائريون واحدًا من كل اثنين وافدين، بحسب فرونتكس: الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل.

 

 

يجب أن نتذكر أن عمليات المغادرة هذه عبر البحر من الساحل الجزائري تجري في سياق أزمة صحية بسبب وباء كورونا المستجد. ووفقاً للجمعيات العاملة على السواحل الجنوبية لإسبانيا، فإن سبعة على الأقل ممن وصلوا مؤخراً أُثبتت إصابتهم بفيروس كورونا. ومع ذلك -ووفقاً للمصادر نفسها، لم يتم الإبلاغ عن أي عمليات إخلاء في الوقت الحالي.

دوافع حقيقية لمغامرة شبان جزائريين بأنفسهم عبر البحر

ومن جديد يتم إعادة إطلاق النقاش حول الحوافز الحقيقية التي تدفع الشباب الجزائري إلى المغامرة عن طريق البحر، مع كل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك، من أجل الوصول إلى الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط.

 

.....................................................

طالع أيضا

إلدورادو "الحراكة" الجزائريين

مُرحل مغربي من ألمانيا: "لا مستقبل لي هنا.. سأعود إلى ألمانيا سباحة"

ألمانيا والمنطقة المغاربية.. مغريات المصالح وتعقيدات الواقع؟

حوائل دون اندماج مهاجري أفريقيا السوداء في المغرب

الجزائر - "الشرطي المغاربي" للاتحاد الأوروبي؟

تركيا وأوروبا في أمس الحاجة لبعضهما بشأن اللاجئين

تونس والحاجة إلى تنمية إقليمية مع الجزائر

مشاهدات لاجئ يمني في بلدان عربية شمال إفريقية على طريق أوروبا

.....................................................

 

يرى كمال شرشور -وهو باحث في مواضيع الصحة والفقر والتنمية المستدامة- أن "الهجرة غير الشرعية من الجزائر ليست مرتبطة ارتباطا محضاً بعامل اقتصادي، بل أصبحت تتداخل فيها عوامل أخرى متشعبة ومتشابكة بعضه مع بعض. فالمهاجر الغير شرعي الجزائري (الحرّاڨ بالعامية الجزائرية) غالبًا ما يكون شابًا يهاجر لوحده والصور المتداولة للأطفال والعائلات غالبا ما تكون مغلوطة، فلو كان العامل الاقتصادي وحده هو المهيمن لهاجرت العائلات الجزائرية في مجموعات، الأمر الذي مازال نادراً لحدّ الآن".

تصورات مسبقة وهروب نفسي من المحيط ومن الفشل

هذا ويرى كمال شرشور أنه "يجب علينا أن نركز على طبيعة تفكير الحرّاڨ الجزائري وتنشئته وتكوينه وطموحاته لفهم هذه الظاهرة. فيرى الباحث أن العامل الأول الذي يدفع الحرّاڨ الجزائري لكي يهرب هو نفسي بالدرجة الأولى، الهجرة تمثل هروبا نفسيا من المحيط الذي تربي فيه الحرّاق وفشل فيه (فشل دراسي، مهني، عائلي ...) ".  وَ "هنا أتحدث عن هذه الفئة من المهاجرين الباحثين عن أوهام الاندماج السريع في المجتمع الأوروبي: فرص عمل كثيرة وفتيات شقراوات وبيوت جاهزة وسيارات ...، والعديد من المغالطات التي يحملها الحراق الجزائري عن الحلم الأوروبي مسبقاً".

عوامل سياسية ودينية

يضيف كمال شرشور أن العامل السياسي له دور كذلك، بحيث أن "النظام المستبد، المتسلط، الذي يقمع الحريات، الفاشل في استغلال الثروة البشرية التي يملكها وفي بناء دولة بنظام ديمقراطي يقوم على العدالة والفردانية والحريات الشخصية وعلى اقتصاد المعرفة هو نظام لم يترك حيزاً آخر للشباب غير الهجرة".

العامل الثالث بحسب الباحث "الذي لا يحب العديد من الباحثين الخوض فيه لكي لا يتعرضون للشتيمة والنبذ أو حتى للتكفير، هو: العامل الديني"، في نظر كمال شرشور" أن الدين لم يترك لنا حرية الاختيار، فهو يطغى على كافة مظاهر الحياة المدنية بالتدخل والمنع والتحريم والمعاملات ... ولم يترك الحرية للشباب في عيش حياتهم الشبابية المواكبة للعصر، وبالتالي خلق تناقضات فكرية وصراعات نفسية يومية لدى الشباب الطامح للعيش بحرية كبلدان الدول الأوروبية".

ومن جهته يرى صلاح الدين صالحي، باحث مشارك في المجموعة البحثية للدراسات حول المجتمعات العربية والإسلامية في جامعة طليطلة بإسبانيا، أن الدافع وراء رحيل الشباب الجزائري إلى الخارج هو: "في الأساس الشعور بالمعاملة غير العادلة في بلد غني جدا يطغى فيه الفساد والمحسوبية والبيروقراطية. وتضاف هذه الظواهر إلى الحڨرة، والظلم الاجتماعي، والوعود الكاذبة من طرف الحكومات المتعاقبة، والتعسف الذي يعاني منه النشطاء السياسيون".

 

 

لماذا إسبانيا بالذات؟

ورداً على سؤال حول سبب اختيار إسبانيا كوجهة، قال صلاح الدين صالحي: "ذلك لأن إسبانيا هي الدولة الأوروبية الأقرب جغرافيا من الساحل الغربي الجزائري، والتي هي نقطة الانطلاق لغالبية المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر من الجزائر.  أيضًا لأن الحراڨة عمومًا يذهبون بقوارب صغيرة مصنوعة بوسائل بدائية، والهدف هو الوصول إلى السواحل الإسبانية التي لا تسيطر عليها فرونتكس وحرس السواحل الإسباني بشكل كبير. ويضيف: "بشكل عام جزء كبير من الجزائريين لا يبقون في إسبانيا ويفضلون الذهاب إلى فرنسا أو بلجيكا أو شمال أوروبا، حيث يكون لديهم أفراد من العائلة يمكنهم الترحيب بهم، أو لأن هناك المزيد من فرص العمل وأكثر حظوظ لتسوية أوراق إقامتهم".

حيِّز الهجرة الشرعية أصبح ضيقاً جداً

مع إغلاق الحدود بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد يخشى بعض الملاحظين زيادة الهجرة غير النظامية: من الجزائر خصوصاً، ومن الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط عموماً، علماً بأن حيز الهجرة الشرعية أصبح ضيقاً جداً. هناك مخاوف أيضاً من الوضع الاقتصادي والسياسي المتوتر للغاية الذي يواجه البلاد، والذي قد يدفع العديد من الشباب الجزائريين إلى البحث عن مواسم أخرى للهجرة إلى الشمال.

حتى الآن تبنت السلطات الجزائرية مقاربة قضائية إلى حد ما لظاهرة الهجرة غير الشرعية من خلال معاقبتها، وربما حان الوقت لاتباع نهج أكثر شمولية مع مراعاة جميع العوامل.

 

نور الدين بسعدي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:22395]