ذعر عربي من احتمالات الانفجار الشعبي في المملكة الهاشمية!الأردن و"صفقة القرن"...الاختبار الأول لرهان الحمقى
بينما يغرق لبنان في مماحكات "المكونات" الطائفية، التي لا تستقر على قرار، من التجنيس إلى القناصل وصولاً إلى افتعال معركة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما يجعل طبقة المافيا اللبنانية خارج اللعبة الكبرى التي تدور في الإقليم، انفجرت عمان في انتفاضة شعبية ضد قانون الضرائب. والانتفاضة، على الرغم من طابعها الاجتماعي-الاقتصادي، ليست سوى الاختبار الأول لما يسمّى بـ «صفقة القرن»، على المستوى الشعبي العربي خارج فلسطين.
لا أسعى إلى إهمال الجانب الاجتماعي- الطبقي في الانتفاضة الشعبية، التي قادت إلى إسقاط الحكومة الأردنية، أو غض النظر عن تكبّر رئيس الوزراء المستقيل، الذي قال انه لا يتراجع أمام ضغط الشارع لأن تعيينه جاء "من فوق"، ولا إلى ضرورة إحداث تغييرات جذرية في النظام السياسي، الذي يهمّش دور المجتمع ، فهذه مسائل أساسية، تمس جوهر مسألة الانتقال إلى الديمقراطية الفعلية، وهو مطلب كل الانتفاضات العربية التي اغتالها القمع الوحشي في عواصم "الربيع العربي".
هناك مشكلة كبرى ناجمة عن هيمنتين: هيمنة منطق صندوق النقد الدولي، الذي يسعى إلى فرض "إصلاحات" رأسمالية متوحشة، وهيمنة طبقة من الفاسدين والمفسدين، التي تتصرف وكأنها جالية أجنبية، ولا تراعي مستقبل بلاد مهددة بالاندثار، أمام ضغوط تحولات إقليمية مليئة بالحروب والمآسي.
غير أن هناك وجهاً آخر يجب التوقف عنده من أجل فهم دور المظاهرات الأخيرة في محاولة إنقاذ الأردن من كارثة حصار إقليمي عنوانها الوحيد هو "صفقة القرن".
نظرة استشراقية...لا وجود للرأي العام العربي
بطل هذه الصفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يملك سوى "المعرفة" التي صنعها له المستشرقون وعلى رأسهم برنارد لويس بأن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة. وللأسف فإن حكّام هذه اللحظة العربية المنقلبة، أثبتوا صحة هذه النظرية، فخضعوا وأُخضعوا للابتزازين المالي والسياسي، وهم يرون شرعيتهم تتداعى، ويصابون بالرعب من المد الايراني، فقبلوا ما لا يُقبل: التحالف مع إسرائيل، والرضوخ للاعتراف الامريكي بالقدس كعاصمة للدولة العبرية والقبول بتأبيد الاحتلال الإسرائيلي عبر حكم ذاتي فلسطيني ينظم التمييز العنصري ويطلق عليه اسم "دولة" فلسطينية، وهي دولة دالت، أي انهارت قبل أن تولد.
لا يبالي ترامب برأي عام عربي يؤكد له حلفاؤه العرب أن لا وجود له، وهو متيقن من أن بلاغة الجريمة التي صنعها الاستبداد في مواجهة انتفاضات الشعوب العربية، تشلّ أي احتمال شعبي.
كما أن الممارسة الإسرائيلية الوحشية أمام بوابات غزة، تشير إلى أن الثنائي الأمريكي الإسرائيلي لا يلوي على شيء، وهو يعتقد أن الانهيار العربي أعطاه تفويضاً على بياض بأن يفعل ما يشاء. هنا أتت المفاجأة الشعبية الأردنية.
يجب أن نقرأ المظاهرات والاعتصامات في المدن الأردنية المختلفة في سياقها الداخلي، أي في سياق أزمة بنيوية اقتصادية اجتماعية. وحلّ هذه الأزمة يبدأ من تغيير يجب أن يكون بنيوياً هو الآخر، فالاكتفاء باحتمالات المساعدات العربية، التي انقطعت من دون سبب معلن ومن المرجح أن تعود، ليس هو الحل. لأن الضغط السياسي- الاقتصادي، الذي يبدو أنه سيتراجع قليلاً من المحتمل أن يعود في أي لحظة.