غوته شاعر ألمانيا: "إن كان الإسلام يعني الخضوع لله ففي الإسلام نحيا ونموت جميعا"

في الذكرى المئتين لصدور كتاب "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" (الصادر عام 1819) هنا مقتطف من قصيدة غوته (هجرة): "الشمال والغرب والجنوب في تحطّم، والعروش في تصدّع، والممالك في تزعزع، فلنهاجر إذًا إلى الشرق في طهره وصفائه". هاينريش ديتيرينغ يجيب على السؤال: لماذا ينتمي الإسلام إلى الأدب الألماني؟ ويقرب لنا علاقة أمير الشعراء الألماني غوته بالإسلام.

الكاتبة ، الكاتب: Heinrich Detering

القول بانتماء الإسلام إلى الأدب الألماني منذ القرن السابع عشر هو قول مُستَهلَك جليل الشأن. لكن في ظل وفرة الحالات الفردية نادرًا ما أُدرِكَ أنه قد تراكمت في هذا السياق مظاهر مستمرة لا يمكن التقليل من شأنها بكلمة "استشراق" ببساطة.

وديوان غوته "الشرقي الغربي" لا يمثِّل بأية حال من الأحوال ضمن هذا التاريخ الطويل استثناءً غرائبيًا، بقدر ما هو محطة تقوية وإعادة إرسال عظيمة، بين فضول مُستنير وسلسلة من أعمال شعرية تمتد إلى العصر الحديث، نشأت في حوارات مع عوالم إسلامية - مع معتقدات تقليدية، وتوجهات هرطقية، وتقاليد سُنِّية وشيعية وصوفية.

عندما بدأ غوته العمل على "الديوان" في عام 1815، كان قد لجأ بالفعل إلى مكتبة كاملة من المعارف الألمانية حول الإسلام. لم يعتمد فقط على ترجمات هامر بورغشتال الألمانية لديوان حافظ الشيرازي، التي قادته إلى نواة التصوُّف الفارسي.

 

تجسيد لصورة أشهر أدباء ألمانيا: غوته.  Foto: imago/imagebrooker
Anknüpfung an gewachsenem Wissen über die islamische Welt: Wenn Goethe 1815 am "Divan" zu arbeiten beginnt, kann er bereits auf eine ganze Bibliothek deutscher Islamkenntnisse zurückgreifen. Er beschränkt sich durchaus nicht auf die Hafis-Übertragungen Hammer-Purgstalls, die ihn in den Glutkern der persischen Mystik führen.

 

على مكتبه كانت توجد أيضًا ترجمة ألمانية وأخرى لاتينية للقرآن، بالإضافة إلى العديد من مجلدات أبحاث الدراسات الدينية الناشئة في ذلك الحين، بما في ذلك منشوراها الشائعان: سيرة فرنسية للنبي محمد ومسرحية فولتير "محمد" المليئة بالكراهية والحقد، والتي كان شعارها أيضًا: "سحق العار" (Écrasez l'infâme)، وكان غوته قد ترجمها بنفسه على مضض ومن دون حماس بعدما تم تكليفه بذلك.

في جعبته روائع أدبية

ولكن توجد من بين الأصوات التي تتحدَّث في شعره أيضًا بعضُ الأصوات التي يتم تجاهلها بسهولة. على سبيل المثال صوت ليسينغ، الذي كان يعتقد - مثل الكثيرين من معاصريه - أنَّه قد اكتشف في توحيد الألوهية الصارم وفي أخلاقيات الإسلام الشكلَ الذي قد يكون الأكثر استنارة من بين أشكال الدين.

أو صوت الشاعر الألماني الرشيق كريستوف مارتين فيلاند (1813-1733)، الذي يرسم بطريقته الخاصة في قصائده -مثل عمله أوبرون- من تقليد الحكايات الخيالية الشرقي صورة حلم عن المصالحة بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي. أو أصوات المسافرين، الذين لم يجلبوا معهم -منذ عصر الباروك- الحرير والتوابل فقط من بلاد فارس وجزيرة العرب، بل جلبوا معهم الشعر أيضًا.

صحيح أنَّ الوفد الدبلوماسي - على سبيل المثال - الذي سافر من شليسفيغ (ولاية ألمانية) وكان قد عاد من بلاد فارس في عام 1639، لم يجلب معه العقود التجارية المأمولة، ولكنه جلب معه عملًا أدبيًا رائعًا مثل عمل الشيخ سعدي الشيرازي (من القرن السابع الهجري) "روضة الورد" (گلستان سعدى).

 

 

لم يقم العلامة الموسوعي [الألماني]، آدم أوليريوس، بترجمة هذه القصائد إلى اللغة الألمانية الباروكية الأنيقة فقط، بل قام هو نفسه بتزيين هذا الكتاب ببراعة واللعب بالخط العربي والزخارف الأيقونية الإسلامية، بحيث أنَّ غوته استطاع الاعتماد في مشروع "ديوانه" على كلّ من الأبيات الشعرية وتصميم هذا الكتاب الألماني في مظهر إسلامي.

إنَّ ما بدأ مع آدم أوليريوس والشاعر المرافق له في سفره باول فليمنغ، واستمر في كتب رحلات المسافرَين الألمانيين إنغلبرت كيمبفر وكارستن نيبور، أسَّس اتِّجاهين مهمين لتلقِّي الإسلام في الأدب الألماني. أوَّلًا: كان الاستكشاف العلمي والتكيُّف الشعري يسيران يدًا بيد. وثانيًا: ونتيجة لذلك فقد تفوَّق الحوار المفعم بالاحترم والفضول على جميع الميول نحو تشكيل الكليشيهات الاستشراقية.

تاجر مسافر يستورد قصائده

عندما يفكِّر غوته في شعره ولعب الأدوار في الجزء النثري المُقَلَّل من شأنه حتى يومنا هذا ضمن "ديوانه"، فهو يرسم صورته الذاتية أولًا وفق هذه النماذج: مثل صورة التاجر المسافر الذي يستورد قصائده وَ"يعرضها بسرور". لقد وجد بالفعل لصورته الذاتية المُبَكِّرة كعبقري ملهم نموذجه في نفس المجال.

يبدو أنَّ محاولة غوته الشبابية تصنيف مسرحية حول محمد مُوَجَّهة ضدَّ فولتير وتروي قصتُها من جديد "الشعرَ والحقيقةَ"، قد تتبَّعت طريق بطلها المسماة على اسمه من الوحي الكريم إلى السلطة السياسية، وجعلت الرجل المُتوفى (أي فولتير) يندم على أخطائه ويعود إلى التقوى الخالصة، وهي قدوة وتنبيه في الوقت نفسه.

تتفرَّع المسارات الأدبية من قصائد غوته. فمثلما اكتشف من جديد داومر وبلاتن تصوَّف حافظ، سائرَيْن على خطى غوته، فإنَّ ترجمة فريدريش روكيرت للقرآن التي لا تشوبها شائبة في دِقَّتِها قدَّمت أخيرًا للقرَّاء الألمان فكرةً عن جمال الأصل.

وبالنسبة لمَنْ كان يشعر بأنَّ هذا كله مستواه مرتفع جدًا، يجد في روايات كارل ماي حول الشرق، التي تبدأ بعبارة "في الصحراء"، مُلخَّصات ومختصرات مستنيرةً للمعارف المعاصرة حول عوالم المسلمين وأركان معتقداتهم وممارساتهم، وصراعاتهم مع المسيحيين واليهود والإيزيديين (وآليات التعصُّب المتبادل) - كتبٌ غنية بالمعرفة بشكل ملفت للنظر ومتعاطفة ولديها استعداد للفهم على الرغم من كلِّ بوادر التفوُّق.

تصور للنبي محمد. رسم عثماني من القرن 17.  Quelle: Wikipedia/Public Domain
Der Prophet als Friedensstifter und Verkünder einer neuen Zeit: Während des Ersten Weltkriegs, schreiben der expressionistisch schwärmende Klabund und der sozialistische Aktivist Friedrich Wolf unabhängig voneinander über Mohammed als den Verkünder einer Menschheitsversöhnung.

 

ذروة التفسيرات الأدبية للإسلام

ولكن استمرت المسارات الرائعة أيضًا عبر الأدب العالي. الشاعر راينر ماريا ريلكه، على سبيل المثال، صاغ في عام 1907 في سونيت "دعوة محمد" ذلك المشهد الأساسي من الوحي الشعري، الذي أصبح بعد خمسة أعوام نموذجًا كثيرًا ما يُساء فهمه في مجموعته الشعرية "مراثي دوينو". أشار ريلكه أثناء عمله على هذه المراثي إلى أنَّ الإلهام يجب أن يأتي عن طريق الفنَّان "على الأقل كما جاء عن طريق محمد".

خلال الحرب العالمية الأولى، كتب كلٌّ من الكاتب التعبيري العاطفي كلابوند والناشط الاشتراكي فريدريش فولف -كل منهما بشكل مستقل عن الآخر- حول النبي محمد باعتباره المبشِّر بالأخوة الإنسانية تحت راية السلام الإلهي.

رواية كلابوند "محمد" تدع في النهاية كلًا من محمد وموسى والمسيح يقعون في أحضان بعضهم وهم يبكون. وهذا المشهد العاطفي الرائع يمثِّل ذروة وليس نقطة نهاية التفسيرات الأدبية للإسلام. هذا المشهد على أية حال ربَّما كان سينال إعجاب غوته. لقد كتب في ديوانه: "إنْ كان الإسلام يعني الخضوع لله"، إذًا فنحن "نحيا ونموت جميعًا في الإسلام".

 

 

هاينريش ديتيرينغ

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de