اصرخ باسمك لأن الصامت يباع بسوق العبيد

انتقد نظامي الشاه والملالي لكنه لم يمجِّد ألمانيا والغرب. ومن أقواله: "دافعتُ عن تديُّني في وجه جمهورية إيران الإسلامية". الشاعر سعيد (1947 - 2021) مِن أكثر مَن كتبوا بالألمانية نجاحا وتصميما وهي ليست لغتهم الأم. انخرط سياسياً بشدة وظل وفياً لموقفه بين الثقافات. الكاتب الألماني شتيفان فايدنَر يرثيه لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Weidner

سعيد كان شاعرًا عظيمًا يكتب دائمًا كلَّ شيء بحروف صغيرة ما عدا اسمه هو. لم يكن ذلك يشير إلى الاستعلاء بقدر ما كان يشير إلى الإرادة لفرض الذات: "اصرخوا بأسمائكم / بصوت عالٍ وواضح - لأنَّهم هنا / في سوق العبيد، / يبيعون بالمزاد / أولئك الذين يصمتون".

يُعَدُّ سعيد من الجيل الأوَّل من المؤلفين الألمان غير المتحدِّثين الأصليين للغة الألمانية، ولكنهم حقَّقوا بنصوصهم الكثير من الاهتمام في المشهد الأدبي الألماني أيضًا - طريق طويل وشاق. ولد سعيد في طهران عام 1947، وهو ابن ضابط منحه اسمه سعيد ميرهادي، وتم إرساله للدراسة في ألمانيا عام 1965: "ثم رمتني الحياة إلى هنا، في سنّ السابعة عشرة مثل طفل نُقل نائمًا"، مثلما كتب في نَص سيرة ذاتية.

تغيير اللغات

وفي ألمانيا "استيقظ" في وسط الحركة الطلابية وحرِّيات خارقة واحتجاجات سياسية اشتعلت بالذات بسبب البلد القادم منها - إيران. فقد شكَّلت زيارة الشاه في الثاني من حزيران/يونيو 1967 نقطة تبلور الحركة الطلابية في ألمانيا. وأصبح هذا الطالب شاعرًا سياسيًا يندد من دون كلل أو ملل بالديكتاتورية في بلاده، أولًا ديكتاتورية الشاه ثم الملالي.

وبعد فترة وجيزة لم يعد يفعل ذلك باللغة الفارسية، بل بالألمانية: "في منفانا القاحل / لا أحد كان يريد قصائدي الفارسية. / كانت الأناشيد القتالية هي الوحيدة / الرائجة في دائرتنا - / فلجأت / إلى اللغة الألمانية؛ / التي استضافتني / بقدر استطاعتها".

 

قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني بعد عودته من منفاه في فرنسا. (Foto: picture-alliance/dpa/AFP/G.Guval)
Ein wichtiger Vermittler zwischen den Kulturen: "Ich sage immer über mich, dass ich meine Religiosität verteidigt und bewahrt habe gegen die Islamische Republik", betonte der iranische-deutsche Dichter SAID im Qantara-Interview. Darüber hinaus „spielte Said eine ganz ungewöhnliche Rolle als jemand, der die islamische Welt, aber eben auch den Westen stark kritisierte. Er hat natürlich auch die Ausgrenzung in Deutschland kritisiert, den Rassismus, die politischen Vereinfachung, die Kulturkämpfe, die bei uns betrieben werden. Er war eine sehr beeindruckende Persönlichkeit, sehr höflich, aber zugleich sehr bestimmt“, so Stefan Weidner im Gespräch mit Deutschlandfunk Kultur.

 

وبعدما تم إسقاط الشاه في عام 1979، عاد سعيد إلى إيران. وكان أسرع من غيره في فهم أن البلاد كانت فقط مقبلة على دكتاتورية أخرى - دكتاتورية تُعتَبر هذه المرة دينية، وقد عاد إلى ألمانيا بعد ستة أسابيع. وبذلك أصبح منفاه أبديًا. يقتبس سعيد في مجموعة قصائد من الكاتب النمساوي جان أمري اعترافه بأنَّه "لا توجد عودة لأنَّ العودة إلى فضاء لا تعتبر أبدًا استعادة للوقت الضائع".

ضد الكليشيهات الشرقية

كان سعيد يقتصد في استخدام الاستعارات اللغوية. كان يحبُّ الأدب الفارسي ويهتم بلغته الأم ويقرأ الشعراء القدامى وكذلك الشعراء الحديثين، الذين كثيرًا ما كان على اتصال بهم. ولكنه لم يستخدم قطّ الكليشيهات الشائعة عن تنميق الشعر الشرقي. كانت لغته الألمانية -القاسية والباردة والحادة- تمثِّل نقيض السحر باللغة، الذي لا يزال يميِّز بعض الشعر الفارسي حتى يومنا هذا.

كانت الرصانة اللغوية -على الرغم من أنَّها بأسلوب أكثر مرحًا- هي أيضًا السمة المميِّزة لنثره ومقالاته، التي غلبت على شعره في أعوامه الأخيرة. ويشمل ذلك كتابه الجميل المحتوي على "قصص حول صور" ("الأحمر يبتسم والأزرق يصمت") أو كتابه المعنون بعنوان يشير للشاعر الألماني ريلكه حول "الحيوان غير الموجود" - وهو مشكال لغوي يتم فيه تفنيد الكليشيهات والكلمات الجوفاء في الألمانية المعاصرة.

نشاطه السياسي وتوليه رئاسة نادي القلم الألماني

لعب سعيد دورًا منقذًا للحياة بالنسبة للكثير من المؤلفين بصفته عضوًا في اللجنة الرئاسية -ثم رئيسًا- لنادي القلم الألماني في الفترة بين عامي 1995 و2002. فقد حدثت في تلك السنين في أواخر التسعينيات سلسلةٌ من جرائم قتل ومحاولات قتل لكتاب ومثقَّفين في إيران. أصبح سعيد في تلك الفترة معارضًا خطيرًا للنظام وكان يرى نفسه مهدَّدًا من قِبَل عملاء إيرانيين ولذلك أخفى عنوانه. ولفترة طويلة، كان الالتقاء به يُخَلِّف انطباعًا تآمريًا.

 

[embed:render:embedded:node:43766]

 

ومع أنَّه كان في حالة حرب مع النظام الإيراني وتسييس الإسلام فإنَّ هذا لم يجعله طبعًا من ممجِّدي ألمانيا أو الغرب: "كم مرة أسمع هذه العبارة - وغالبًا بشفقة رؤوفة لا تطاق: ’لم يحدث تنوير في الشرق وهنا تكمن تعاسته‘. ألمانيا اكتشفت التنوير لنفسها في وقت مبكِّر جدًا - ليس أخيرًا من خلال كتابات إيمانويل كانط - وقتلتْ مع ذلك ستة ملايين إنسان. [...] لذلك مَنْ يدَّعي أنَّ التنوير يؤدِّي بالضرورة إلى التسامح يؤكِّد فقط على سذاجته".

الإصرار على الغُربة

لم يتمكَّن سعيد بفضل موقفه هذا من أن يتمتَّع بشعبية كبيرة، ولكنه حصل على العديد من الجوائز ومنها مثلًا جائزة أدلبرت شاميسو في عام 2002. حافظ على كبريائه، ولم يقلع عن التدخين من دون شعوره بتأنيب ضمير وحتى بعد خضوعه لعملية جراحية في القلب في مطلع القرن الحادي والعشرين، وظل في منفى مزدوج لإنسان يفهم الاستقرار "الساذج" في بلد جديد أو لغة جديدة على أنَّه استسلام. ومن أشهر مجموعاته الشعرية ديوان عنوانه "غُربتي حيث أموت".

توفي سعيد يوم السبت الماضي (2021 / 05 / 15) إثر سكتة قلبية عن عمر ناهز ثلاثة وسبعين عامًا في مدينة ميونِخ، حيث عاش منذ قدومه إلى ألمانيا. وسيبقى قدوةً لجميع الذين لا يريدون اختيار هوية واحدة أحادية الفكر.

 

شتيفان فايدنَر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

شتيفان فايدنَر كاتب وباحث ألماني مختص في العلوم الإسلامية. صدر له كتابٌ تحت عنوان: " غراوند زيرو (المنطقة صفر) - الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وولادة الحاضر"، عن دار نشر هانزَر، ميونِخ، سنة 2021.