قوة الكلمة

تقرير منظمة العفو الدولية حول الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان الفلسطيني  - 2022.
تقرير منظمة العفو الدولية حول الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان الفلسطيني - 2022.

الخلاف حول تعريفات مصطلحَيْ معاداة السامية والفصل العنصري من شأنه صرف النظر عن الواقع الإسرائيلي الفلسطيني الملموس. رأي الباحث دانيال مارويكي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Daniel Marwecki

عندما يُكتب "فصل عنصري" في تقرير فلا بدّ من وجود معاداة للسامية في داخله. هذا على الأقل ما يراه منتقدو تقرير قدَّمته مؤخرًا منظمة العفو الدولية.

وفي هذا النصّ المكوَّن من مائتين وثمانٍ وسبعين صفحة، وثَّقت منظمة العفو الدولية التمييز المنهجي، الذي يتعرَّض له السكَّان الفلسطينيون. ويتلخَّص حكم منظمة العفو الدولية في إدانة إسرائيل بممارسة التمييز العنصري ضدَّ الفلسطينيين.

من جانبها رفضت الحكومة الإسرائيلية هذا التقرير ووصفته بأنَّه معادٍ للسامية. وكذلك لم تتبنَّه وزارة الخارجية الألمانية الاتِّحادية. وعلى الرغم من أنَّ المسؤولين في برلين لم يعتبروا التقرير في حدّ ذاته معاديًا للسامية، لكن المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الألمانية الاتِّحادية، كريستوفَر بورغَر قال إنَّ وزارته ترفض "مصطلحات مثل تمييز عنصري وكذلك التركيز من جانب واحد على إسرائيل".

وزارة الخارجية الألمانية الاتِّحادية وضعت هذا التقرير ضمن سياق العداء المتزايد للسامية في أوروبا. ومثلما قال كريستوفَر بورغَر فإنَّ مَنْ يعمل من أجل حقوق الإنسان يتحمَّل مسؤولية التأكد من "عدم دعمه بشكل غير إرادي" لمعاداة السامية. وكعادتها، خَطَتْ الجمعية الألمانية الإسرائيلية خطوتين إلى الأمام وطالبت منظمة العفو الدولية بإعادة جائزة نوبل للسلام.

وهذا الاعتراض على اتِّهام التمييز العنصري باتِّهامه بمعاداة السامية أدَّى إلى أنَّ الأمر لم يعد يتعلق بنفس الموضوع المطروح.

إنَّ المقتنعين فعلًا بأنَّ كلمة "أبارتايد" (فصل عنصري) معادية للسامية، لا يضطرون أصلًا للاهتمام بمعاناة الشعب الفلسطيني الحقيقية. ويظهر ذلك - على سبيل المثال - في تغريدات مؤسَّسة أماديو أنطونيو على موقع تويتر، التي تعتبر تقرير منظمة العفو الدولية هجومًا معاديًا للسامية ضدَّ إسرائيل ولا تذكر أية كلمة عن الظروف التي يصفها هذا التقرير.

ويتَّضح هذا أيضًا في أعمدة الكاتب الصحفي الألماني ساشا لوبو، الذي أصبحت منظمة العفو الدولية بالنسبة له الآن "منظمة معادية للسامية" - من دون أن يقتبس هو أيضًا حتى لو جملة واحدة من تقريرها هذا.

"الفصل العنصري موجود من أجل التغلب عليه"

ولكن ما ينطبق على أحد الطرفين ينطبق أيضًا على الطرف الآخر. مَنْ يصف إسرائيل بشعار "الفصل العنصري" يعزل نفسه بذلك عن المجتمع المدني الإسرائيلي الحيوي والمعقَّد. من المعروف أنَّ لا أحد يتحدَّث مع أشخاص يمارسون الفصل العنصري. ولذلك لا بد أن يكون الموافقون على هذا التقرير من أقصى يسار الطيف الإسرائيلي - لا سيما وأنَّ منظمة العفو الدولية لا تُفرِّق بين الأراضي المحتلة وإسرائيل ضمن حدودها من عام 1948.

 

وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد في زيارة إلى مصر. Der israelische Außenminister Lapid beim Besuch in Ägypten; Foto: Nariman El-Mofty/Ap Photo/picture-alliance
رفض وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد اتِّهامات منظمة العفو الدولية وقال إنَّ منظمة العفو "منظمة راديكالية تنقل الدعاية من دون تدقيق جاد"، وتقتبس أكاذيب تم ترويجها من قبل إرهابيين: "إسرائيل ليست مثالية - ولكنها ديمقراطية ملتزمة بالقانون الدولي ومنفتحة على التدقيق ولديها صحافة حرة ومحكمة عليا قوية". وكذلك انتقد يائير لابيد منظمة العفو الدولية على عدم تصنيفها سوريا أو إيران أو "الأنظمة القاتلة" في أمريكا اللاتينية وأفريقيا كدول فصل عنصري. تعرض منظمة العفو الدولية في تقريرها كيف تمارس إسرائيل من وجهة نظرها "نظام قمع وهيمنة" ضدَّ الفلسطينيين في إسرائيل نفسها وكذلك في المناطق الفلسطينية ودول أخرى، ويشمل ذلك مصادرة أراضيهم والقتل غير المشروع وفرض قيود شديدة على حركتهم.

 

إنَّ مَنْ يتَّهم إسرائيل بالفصل العنصري لا يثير الاستفزاز فقط، بل يُحوِّل دولة إسرائيل إلى دولة منبوذة. ومثلما لاحظت مراسلة صحيفة دي تسايت الألمانية في الشرق الأوسط، ليا فريسي وبشكل مناسب أيضًا فإنَّ "نظام الفصل العنصري موجود من أجل التغلب عليه".

ولذلك لا عجب من أنَّ الإسرائيليين الذين يرفضون سياسة الاحتلال ولا يريدون التخلي عن دولتهم يرفضون أيضًا تقرير منظمة العفو الدولية هذا. فمَنْ ذا الذي يرغب وعن علم في العيش داخل دولة فصل عنصري والاستفادة منها؟

الخلاف حول الأسماء المستخدمة لوصف الحقائق يحلُّ - وخاصة في ألمانيا - محلّ نقاش الحقائق نفسها؛ مع أنَّ تقرير منظمة العفو الدولية هو قبل كلِّ شيء وصف لأوضاع معروفة: أنظمة قانونية مختلفة للإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي وكذلك عنفٌ عسكري وحصار مفروض على قطاع غزة.

ولذلك فلا داعي للعجب على أية حال من أن يخطر ببال المراقبين الناقدين استخدام كلمة الفصل العنصري لمثل هذا الكيان السياسي. أمَّا إن كان هذا الاستخدام مبرَّرًا أم غير مبرَّر، فهذا في الواقع سؤال فارغ يُصرف الانتباه عن السؤال الأهم: كيف يمكن تحسين الوضع هناك بشكل ملموس؟ فحتى منتقدو منظمة العفو الدولية الألمان يجب أن يكون بإمكانهم الاتِّفاق على أن هذا الوضع لا يمكن تحمُّله.

 

 

دانيال مارويكي

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de

 

دانيال مارويكي باحث سياسي ومؤرِّخ يعمل حاليًا في جامعة هونغ كونغ. حصل على درجة الدكتوراه من معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن وعمل قبل ذلك في القدس. صدر له في عام 2020 عن دار نشر هيرست كتابٌ حول تاريخ العلاقات الألمانية الإسرائيلية بعنوان "ألمانيا وإسرائيل - الغسيل الأبيض وبناء الدولة ".