مجالس الصوفية في القاهرة - طقوس رمضان بنكهة مصرية خاصة

يكتسب شهر رمضان طابعًا خاصًا لدى مريدي الطرق الصوفية في مصر، حيث يتوافد آلاف على ساحات الذِكر الخاصة بهم لقضاء الشهر في العبادة وترديد الأناشيد الدينية. الأمسيات الرمضانية الصوفية هي احتفالات دينية، كما تكتب ريهام مقبل التي زارت هذه الأمسيات.

الكاتبة ، الكاتب: ريهام مقبل

"مدد مدد يا مولانا يا حسين، مدد يا أبو زين العابدين"، هذه أحد الابتهالات التي ردّدها مريدو الصوفية في الاحتفالات الدينية، في السادس من شهر رمضان في سرادق مسجد الحسين في القاهرة.

وبدأ اليوم بإفطار جماعي لأبناء الطريقة الرفاعية، إحدى الطرق الصوفية، بإقامة صوان تحت رعاية المشيخة العامة للطرق الصوفية، وهي مظلة تضم تحت طياتها كل الطرق الصوفية المسجلة رسميًا بالباب الأخضر لمسجد الإمام الحسين.

وتظهر عبارات الطرق الرفاعية على لافتات موائد الرحمن المنتشرة في المكان، وعقب الإفطار يتم التوجه لأداء صلاة المغرب والعشاء، وعقب الصلاة، يتوجه المريدون إلى سرادق مسجد الحسين، لبدء الاحتفال.

وحضر الاحتفال عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الصوفية وممثلون عن وزارة الأوقاف، ونقيب الأشراف، وبدأ الاحتفال بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وابتهالات مديح للنبي، وعقب الاحتفال، عاد أغلبهم إلى المسجد لتلاوة القرآن وقيام الليل حتى صلاة الفجر.

هذه المشاهد تتكرر كل يوم في شهر رمضان، حيث يتوافد مريدون وأتباع من عموم مصر باختلاف انتماءاتهم الصوفية، التي لها أناشيدها وأذكارها الخاصة، ولكنها تدور في فلك ذكر الله ونبيه.

ويعد مسجد الإمام حسين مثالا بارزا لاحتفالات الصوفية كونه رمز ديني هام، فيتوجهون إليه للدعاء والتبرك والجلوس بجوار ضريحه، حيث تعتبر الصوفية ذكرى رحيله واجباٍ إيمانياً كبيراً لجميع المتصوفين لكن مساجد أخرى عديدة في محافظات مصر تشهد احتفالات مماثلة.

" محمد محمود، البالغ من العمر 56 عامًا، من محافظة سوهاج، متصوف وأحد أبناء الطريقة الرفاعية، يقول: "أحرص في رمضان على حضور حلقات الذكر والحضرات والأناشيد الدينية، خاصة وأن شهر رمضان شهر العبادة والروحانيات". وجاء محمود من محافظة تبعد عن القاهرة ست ساعات لحضور الاحتفال بالطريقة الرفاعية. ويشير محمود أن سبب تعلقه بالصوفية هو "تأثره بالإمام جعفر الصادق، من نسل الإمام علي بن أبي طالب، وإمام من أئمة المسلمين".

موائد الافطار للصائمين ، تقليد رمضاني مرتبط بالصوفية
موائد الافطار للصائمين ، تقليد رمضاني مرتبط بالصوفية

الملتقيات الفكرية في رمضان

تنتشر الطرق الصوفية في مصر في العديد من المحافظات والتي يقترب عدد مريديها ومحبيها من 15 مليون، وتمثل الطرق الصوفية في مصر أحد أهم التيارات الإسلامية المعتدلة، ويتجاوز عدد الطرق الصوفية 76 طريقة مسجلة رسميًا، وتمارس خلالها عديد من الطقوس والاحتفالات الدينية ذات الطابع الخاص .

الشيخ محمد الشرنوبي، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، يشرح لنا طرق احتفالات الصوفية برمضان قائلاً: "تنطلق احتفالات الصوفية في السادس من رمضان بمشاركة ثماني عشرة طريقة صوفية من خلال إقامة سرادق، بمعدل يوم لكل طريقة، ويستمر عمل سرادق الصوفية بساحة الحسين لمدة ثمانية عشر يوم".

وأردف: "تنظم كل طريقة إفطار جماعي لمريديها، ولكنها لا تقتصر على أتباع الطريقة الصوفية، بل تضم مختلف أطياف المجتمع، وفقا لجدول زمني تنظمه المشيخة العامة للطرق الصوفية".

"يتوقف عمل سرادق الصوفية بساحة الحسين في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، لإتاحة الوقت للمريدين والمتابعين للاعتكاف في المساجد".

وأشار إلى أنه كان من المعتاد إقامة مواكب للاحتفال في عموم مصر، والتي كانت مظهر من مظاهر الطرق الصوفية، وكانت تجوب من مسجد إلى آخر، ويرفع المشاركون فيها أعلاماً ولافتات، ولكن في ظل الظروف الأمنية في مصرتم إلغاؤها. ولكنه أوضح أن البديل الآن باتت مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الصوفيون لتهنئة أتباعها بحلول شهر رمضان.

وعن طرق الاحتفال برمضان، أشار الشرنوبي إلى "الملتقيات الفكرية داخل سرادق مسجد الحسين، ويتم دعوة شيوخ الطرق الصوفية، وممثلين من وزارة الأوقاف والأزهر ومسؤول حكومي، للإجابة على أية تساؤلات من المريدين والمتابعين".

وأردف مضيفاً: "حلقات العلم، وإقامة حضرات وسط تلاوة الذكر، وإنشاد ديني، وأداء صلاة التراويح، وزيارات لأبناء الطريقة في المحافظات المختلفة".

 

[embed:render:embedded:node:27917]

 

خارطة الطرق الصوفية في مصر

للطرق الصوفية مدارس عديدة ولكلٍ منها طبيعة خاصة وسمات مميزة، ويوجد في مصر أربع طرق صوفية رئيسية، وهم الطريقة الرفاعية والتي أسسها الشيخ أحمد الرفاعي، والطريقة الشاذلية، وفقا للإمام أبو الحسين الشاذلي وهي من أكبر المدارس الصوفية، والطريقة البدوية نسبة إلى الشيخ أحمد البدوي في مدينة طنطا دلتا القاهرة، وأخيرًا الطريقة القنائية والتي أسسها الشيخ عبدالرحيم القنائي. وهذه الطرق تستمد أفكارها من الرسول وأهل البيت.

ويسلط أبو فضل الإسناوي، الخبير في الصوفية في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الضوء على تاريخ ونشأة الصوفية بالقول: "المدرسة الصوفية المصرية قديمة منتشرة في جميع الخريطة المصرية، وتتمركز بشكل كبير في المناطق الريفية والصعيد، أي كلما كانت المناطق أكثر عائلية".

وقسم الطرق الصوفية في مصر حسب الوصف إلى ثلاث، أولها؛ طرق مؤسسية لها تركيب هرمي تبدأ من القاهرة العاصمة، وكل طريقة لها أتباعها ومريدوها، وهما 76 طريقة وفقًا لقانون 118 سنة 1976، أي لها صفة قانونية ومؤسسية. وثانيها، الطرق الصوفية التي تخضع لمشايخ الزوايا، ولهم دور اجتماعي، قائم على فكرة السلم الاجتماعي، وسياسي بمساندة وزارة الداخلية لتحقيق الأمن داخل منطقتهم. أما الثالثة فهي مشايخ المديح، والذين يقومون بالإنشاد الديني الصوفي بالقرب من الأضرحة والموالد.

وتتجلى الاختلافات بين الطرق الصوفية في أناشيد الذكر الصوفي، والتي تعرف بالحضرة الصوفية، وهي عبارة عن ترديد صلوات وأذكار على النبي محمد وآل بيته، لذا فالعلاقة بين الصوفية ومختلف فئات المجتمع المصري تحكمها الروحانيات والعمل القلبي والوجداني. وعن أسباب الانضمام أو التقرب من الطرق الصوفية، يقول الإسناوي "يعتمد على النشأة بالأساس وكذلك ارتباطهم بشيوخ محددة تجعلهم أقرب لبعض الطرق".

وعن الحضور النسائي في الصوفية، أشار الإسناوي إلى غياب فكرة القائد النسائي من الصوفية، فزوجات الشيوخ يكون لهنّ تأثير على السيدات دون أن يتم إتباعهم مثل شيوخ الصوفية. ولفت الأنظار إلى ارتباط الشباب، خاصة الفتيات بالأناشيد الصوفية من خلال إقبالهم الشديد على حضور الحفلات الصوفية.

 

ريهام مقبل – القاهرة

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019