
رواية "استدعاء الطيور" للكاتبة ليلى أبو العلامسار اكتشاف الذات لثلاث نساء مسلمات في اسكتلندا
في رواية ليلى أبو العلا، "استدعاءُ الطيورِ"، الصادرة عن دار النشر غروف أتلانتيك (Grove Atlantic)، نلتقي ثلاثَ نساءٍ مسلماتٍ حياتهن مثقلةٌ بالالتزامِ، والندمِ، وخيبةِ الأملِ، والمللِ. وسيكونُ قولنا بأنّهن عالقات في روتينٍ مملٍّ، مجردَ استهانةٍ وتبسيطٍ مفرطٍ. كانت كلُّ واحدةٍ منهن تلعبُ أدواراً في الحياةِ، على الأرجح أنّها لم تكن خيارهن الأول.
ظاهرياً يبدو كل شيء طبيعياً. فهن ينتمين إلى جماعةِ المرأةِ المسلمةِ الناطقةِ بالعربيةِ، ولديهن أزواج، ولدى اثنتان منهن أطفال. سلمى، وهي قائدةُ الثلاثي ورئيسةُ المجموعةِ النسائيةِ، أخصّائيّةُ تدليكٍ معتمدة، متزوجةٌ من رجلٍ اسكتلندي معتنقٍ للإسلامِ. ولديهما طفلان ويبدو ظاهرياً أنّهم عائلةٌ راضيةٌ.
أما موني، فكان لديها مهنة ناجحة في مجالِ المصارفِ، بيد أنّها تخلّت عنها لرعايةِ طفلها المصاب بإعاقة شديدة. وتتمحورُ حياتها حول ابنها إلى درجةِ استبعادِ كلّ شيء آخر تقريباً. لقد دفعت زوجها وعلاقات الصداقةِ بعيداً عنها في سعيها لتكون أفضل أمّ ممكنة في توفيرِ الرعايةِ لطفلها. فأصبح تركيزها ضيقاً للغايةِ بحيث يمنعُ أيّ شيء آخر، بما في ذلك زوجها وأصدقاؤها.

والأخيرةُ في الثُلاثيّ هي إيمان. وهي لاجئةٌ من سوريا، أرسلها والداها إلى اسكتلندا لتحقيقِ حياةٍ أفضل. وأخبروها أنّه نظراً لجمالها فإنّها مناسبةٌ للزواجِ فقط، فهي جميلةٌ ومستورةٌ، بيد أنّ حياتها إلى الآن كانت عبارةً عن سلسلةٍ من خيباتِ الأملِ. إذ أنّها في العشرينات من عمرها فحسب، بيد أنّها في زواجها الثالثِ ولم تنجب بعد. وماتزالُ تتوقُ لعائلتها ووطنها، وتعتقدُ بطريقةٍ ما أنّها أُرسِلت بعيداً إلى اسكتلندا لأنّها لم تكن مرغوبةً.
رحلة زيارة سحرية
تُنظِّمُ سلمى، لمجموعتهن النسائية، رحلةً إلى قبرِ امرأةٍ اسكتلنديةٍ اعتنقت الإسلامَ – أولُ امرأةٍ بريطانيةٍ تحجُّ إلى مكّة. بيدَ أنَّ بقيةَ النساءِ تراجعن، تاركات سلمى وصديقتيها فقط للقيامِ بالرحلة.
بينما نتعرّفُ على النساءِ الثلاثِ لا يسعنا إلّا التفكير في أنّه من المستبعدِ أن يشكِّلن ثلاثي أصدقاء. يبدو أنّهن لا يشتركن في شيء، ومع ذلك ها هنّ يتجهن إلى رحلةِ زيارة سوية.
وكما هو الحالُ مع العديدِ من الحجّاجِ، يوجد محطاتٌ ينبغي على المبتهلينَ التوقّف عندها وعقباتٌ ينبغي التغلبُ عليها. وتتغيّرُ نغمةُ الروايةِ في محطتهن، الجزيرة حيثُ يقعُ النزلُ الذي يُقِمن به. فهنا، السرديةُ التي كانت تبدو قصةً مباشرةً تتحدّثُ عن حياةِ ثلاثِ نساءٍ، تتحوّلُ إلى شيءٍ أكبر من ذلك؛ إلى شيءٍ سحري.
حين يتعقبهنّ زوجُ إيمانَ الثالث من أجلِ أن يخبرها بأنّه يجبُ عليهما الانفصال لأنّ والديه لا يُوافقانِ عليها -ومن ثمَّ يظهرُ أنهما لم يكونا متزوجين أساساً- يُسبِّبُ ذلك الدمار لها، وهو أمرٌ مفهومٌ.
ولا شيْء مما تقوله لها صديقتاها يمكن أن يُشعِرها بالتحسّن. فتبدأ إيمان بالعودةِ إلى السلوكِ الطفولي، لترتدي الأزياءَ التي تجِدها في خزانةِ الملابسِ بغرفتها في النُزُل وتخلع حجابها في الأماكنِ العامةِ. وهنا يدخلُ المشهدَ طائرُ الهدهدِ.
وسيتعرّفُ أولئك المطّلعون على كتاب "منطق الطيرِ" للشاعرِ الفارسي فريد الدين العطار، إلى الهدهدِ بوصفه عنصراً أساسياً من كتاب "منطقِ الطيرِ". فهو يقودُ بقية الطيورِ في سعيهم للعثورِ على البيتِ السحري لملكِ الطيور (طائرُ العنقاءِ).
وبالنظرِ فيما أفضى إلى هذه النقطة في رواية أبو العلا، سيبدأُ المطّلعون على القصيدة برؤيةِ كيف أنّها أنشأت قصتها لتوازي الحكايةَ الأصليةَ.
ومع ذلك، فإنَّ الإلمامَ بقصيدة العطار ليس ضرورياً للاستمتاعِ بتعقيداتِ وذكاءِ هذا الكتاب. فقد تمكّنت أبو العلا من تحقيقِ التوازن الدقيق بين محاكاة موضوعاتها وإعادتها إلى الحياةِ في سياقٍ حديثٍ، من دونِ الإصرارِ على أنّ لدى قرائها أي معرفةٍ مسبقةٍ بالقصيدةِ.
إذ لا تستخدمُ أبو العلا القصةَ لتأخذ ما يمكن أن يكون حكايةً عاديةً لثلاثِ نساءٍ يتعاملن مع قضايا شخصية وتحوّلها إلى شيء سحري وخيالي فحسب، بل أيضاً لتوضّح واقعهن بطريقةٍ أعمق وذات مغزى أكبر.