رواية السوري عبد الحكيم شباط "شارع بودين" في عاصمة ألمانيا
رواية عن عوالم جالية عربية مسلمة في شارع برليني

الألماني كارل أحد قاطني شارع بودين في برلين، يتحول من مسيحي إلى مسلم، وتتكشف له عوالم الجالية العربية المسلمة هناك. عزيز غنيم وقراءة في رواية "شارع بودين"، بما فيها من امتداد ونفاذ وقوة.

«ربما تبدو هذه الحكايات لبعضكم خرافية أو عبثية، ولكنها كانت بالنسبة لأولئك الناس حياة حقيقية ويؤمنون بأدق تفاصيلها، وأؤكد لكم بأن درجة صدقها عندهم لا تقل عن درجة صدق النظريات بالنسبة للعلماء»  (عبد الحكيم شباط، رواية شارع بودين، ص 20-21.)

مما لاشك فيه أن قارئ رواية شارع بودين، الصادرة عن دار الدليل للطباعة والنشر ببرلين (2017)، يلمس جرأة مؤلفها السوري عبد الحكيم شباط في ولوج العلب السوداء وتشخيص أمراض الحضارة وتعرية أعطاب التاريخ، وفق رؤية فلسفية نقدية تحفر في الذاكرة وتنبش في الموروث لأجل اقتفاء أثرهما في تشكيل الوعي الفردي والجمعي معا.

فمن خلال السفر في عوالم هذه الرواية والتجوال في دروبها الملتوية، تتقاذف القارئ وتستوقفه مجموعة من الأسئلة من قبيل : كيف يمكن للتأملات الفلسفية أن تخترق الإبداع وتنتج نصا روائيا يتناول الحاضر المضطرب؟ وإلى أي مدى يحضر الباحث الفلسفي في العمل الروائي؟ وبأي معنى يمكن فهم جدلية الفكر والواقع؟.  

و في هذا الإطار يمكن الجزم بقوة الطرح الذي تفصح عنه الرواية انطلاقا مما تضمره من أسئلة مؤرقة وما ترصده من مصائر وحالات ومشاهد وأوضاع معيشية تختزن مصادفات ووجهات نظر متجاورة أحيانا ومتنافرة في أحايين أخرى.  إلى جانب ما توفره من متعة حكائية وبصرية خاصة، ولما تقدمه من نكهة وتشويق يتكشفان في اعتماد المؤلف على بناء هندسي سردي قائم على ما يعرف بتقنية التناوب الملائمة تماما لخصوصية تكوينها الحكائي المركب.

خصوصية تتبدى في ما نلمسه من انتقالات سردية دورية منتظمة بين مختلف شخصيات المتن الحكائي، بحيث يتكفل كل فصل بسرد جزء من حكاية شخصية روائية لننتقل بعده في الفصل الموالي للتعرف على مقابله في حكاية شخصية أخرى وهكذا دواليك.

وهذه التقنية السردية لا ينحصر مفعولها وأثرها الإيجابي طبعا في تمكين السارد من تغطية شاملة ومتزامنة لمجموع حكايات الشخصيات فقط، وإنما يتجاوزها لإكساب الرواية تلوينا وتشويقا خاصين يستحيل تحقيقهما باستعمال تقنية سردية أخرى، لا لشيء سوى لأن السارد وهو ينتقل من شخصية لأخرى -وبالتالي من حكاية لأخرى- يجد نفسه مضطرا لتنويع الرؤى السردية أيضا، مما يسهم في كسر رتابة وهيمنة الرؤية الواحدة ويضفي على الخطاب الروائي حيوية خاصة.

 
 

حيوية تنضاف طبعا لما يحدثه التوقف السردي المتعمد عند نقطة معينة  في حكاية كل شخص، قبل العودة إليها مجددا بعد الانتهاء من سرد مقاطع مماثلة وموازية في حكايات الشخصية الأخرى من أثر إيجابي قوي على القارئ يتمثل أساسا في تأجيل رغبته الملحة في معرفة الأحداث اللاحقة إلى حين آخر.  

إكراهات الواقع

وضمن هذا السياق ترتبط الرواية بفضاء شارع من شوارع برلين بما يعنيه هذا الفضاء جغرافيا وفكريا وعاطفيا ونفسيا للسارد وللشخصيتين الموازيتين له:

شخصية كارل أحد قاطني شارع بودين الذي يتحول بقدرة قادر من مسيحي يزور الكنيسة بانتظام إلى مسلم متدين تتكشف له عوالم الجالية العربية المسلمة في بودين وتتراءى له أحوالها التي تعتريها الكثير من التناقضات وتتجلى أبرزها في ذلك الخلط  الخطير بين السياسة والدين، وتوظيف هذا الأخير لتحقيق أهداف ومصالح سياسية ولقضاء مآرب خاصة.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة