فوزية من مصر زوجة شاه إيران وطليقته
كانت الصحافة الشعبية في ألمانيا الغربية تنقل باستمرار إلى جيل جدَّات جيل اليوم أحدث الأخبار الموثَّوقة حول الدراما الزوجية لآخر حاكم كان يجلس على عرش الطاووس، الشاه محمد رضا بهلوي. ولكن هذا الاهتمام لم يبدأ في الواقع إلَّا منذ أن كانت ثريا إسفندياري بختياري، وهي من أصل نصف ألماني (أمُّها ألمانية)، قد أصبحت زوجة الشاه في عام 1951 وصارت أيضًا مثلما يُقال حبَّه الحقيقي الوحيد.
وبعد انفصالها المأساوي عن الشاه بسبب عدم قدرتها على الإنجاب، تحوَّل اهتمام الجمهور بسرعة إلى خليفتها فرح ديبا، التي أنجبت للشاه ولي عهده، ولكن ثريا اشتهرت بكونها "أميرة إيران ذات العيون الحزينة" حتى تم دفنها في مقبرة ميونيخ الغربية.
ولكن أَمَا يزال يوجد بعد مَنْ يتذكَّر زوجة الشاه التي سبقتها؟ أي الأميرة فوزية، الشقيقة الجميلة لملك مصر الفاسد فاروق الأوَّل، والتي تم زواجها من ولي العرش الفارسي في عام 1939 بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين. ونتج عن زواجهما ابنةٌ، ولكن فوزية لم تعد لديها رغبة في إنجاب ولي العهد الذكر. وفي عام 1945، تركت الشاه وعادت إلى مصر حيث اضطرت إلى انتظار طلاقها من الشاه ثلاث سنوات.
مدافعة عن تفوُّق الشرق ثقافيًا وروحيًا
تزداد -مع وجود بعض الاطلاع على الصحافة الشعبية- متعةُ قراءة رواية أمير حسن چهلتن الجديدة "حبٌّ في القاهرة"، وهذا من دون شكّ ما يريده مؤلفها. ويحدِّد عنوان هذه الرواية ومسرح أحداثها إلى حدّ ما نقطة تحوُّل في عمل هذا الكاتب الإيراني المولود في عام 1956، والذي عاد منذ فترة طويلة بعد قضائه عدة سنين في المنفى إلى وطنه، حيث يتم نشر معظم كتبه إمَّا بعد خضوعها للرقابة أو لا يُسمح بنشرها على الإطلاق.
بعد أن عمل كمؤلف روايات حتى الآن على توثيق محطات مهمة من التاريخ الإيراني في روايات سردية - من مطلع القرن الثامن عشر وحتى الثورة الإسلامية في عام 1979 وإلى يومنا هذا - وقام خلال ذلك قبل كلِّ شيء بوصف العاصمة الإيرانية طهران في عصور مُتغيِّرة وبطريقة متعدِّدة الأوجه وملوَّنة، توجَّه الآن إلى مركز العالم العربي، في مرحلة تعتبر حديثة نسبيًا بالرغم من كونها باتت تاريخية، شهدت خلالها من جديد العلاقةُ المعقَّدة بين إيران ومصر مرحلةً حرجة.
بدأ في خريف عام 1947 دبلوماسي إيراني يعرف باسم "السفير" عمله في العاصمة المصرية وفي حقيبته مهمات مستعجلة: فقد كان مُكلفًا بمهمة إقناع الأميرة المتمردة فوزية بالعودة إلى طهران وكذلك بالاهتمام بنقل جثمان والد الشاه المتوفى في جنوب إفريقيا -وقد تم وضع جثته مؤقتًا في مسجد بالقاهرة- إلى طهران مع بعض الأشياء الثمينة. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يجب أيضًا التوصُّل إلى إعادة استئناف المملكة العربية السعودية وإيران علاقاتهما الدبلوماسية بعد جمود استمر أربع سنين.
وكان من المنتظر منه أن يحقِّق كلَّ هذا على خلفية الصراع المتصاعد بشكل خطير في فلسطين ووباء الكوليرا، الذي كان يتراجع ببطء فقط.
ولكن على الرغم من أنَّ مهامه قد بدت -باستثناء المهمة الثالثة- صعبة وحتى عديمة الجدوى، ولكن السفير، وهو رجل في الخمسين من عمره، لم يكن يبدو عليه أنَّه مرهق من هذا العمل: فبين المفاوضات والبرقيات العاجلة والاجتماعات التآمرية والاستقبالات الأنيقة، كان لا يزال يجد الوقت لمتابعة مشروع غرامي تعود أصوله إلى خمسة عشر عامًا.
وفي ذلك الوقت كان قد التقى في باريس طالبةً أمريكيةً من أصول سنسكريتية، لم تسحره فقط بجاذبيَّتها الخارجية، ولكن أيضًا بصفتها مدافعة مناضلة عن تفوُّق الشرق ثقافيًا وروحيًا.
وهذا السفير ذو الطابع الغربي المعتدل اتَّخذ الموقف المعاكس، ولكنه تأسَّف قبل كلِّ شيء لكون هذه "الغزالة الجميلة" كانت على علاقة بفيلسوف هندي يكبرها سنًا بكثير وقبيح جدًا.
وقد شاء القدر أن يتزوَّج هذا الثنائي في تلك الأثناء وأن يقيما في القاهرة. ويتجدَّد الاتصال بينهما ويفوز السفير باستحسان السيِّدة، التي غدت بعد ذلك في الأربعين من عمرها وصارت أمًّا لبنت، ولكنها لم تفقد شيئًا من جمالها وخفة روحها. وعلى مدار هذه العلاقة، كان الدبلوماسي، وهو زير نساء سيئ السمعة، غارقًا في مشاعر تقلقه بشكل متزايد.
ثروة من التفاصيل والقصص
وهنا أيضًا، قام الكاتب أمير حسن چهلتن مرة أخرى بدمج ثروة من القصص في محادثات ونقاشات وجولات في المدينة، تنقل معلومات بطريقة مريحة: حول السياقات والخلافات التاريخية وحول العلاقة بين الإسلام واليهودية وحول منطقة من العالم غنية جدًا بالثقافة وكذلك بالمواد الخام المرغوبة، وتعتبر من الناحية السياسية برميل بارود. وبالإضافة إلى ذلك فقد تمكَّن المؤلف من القيام بحيلة أدبية.
وهذا السفير في الواقع هو شخص لا يرغب المرء في أن تكون له أية علاقة به: فهو متحيِّز جنسيًا لدرجة الرفض، وعنصري أيضًا ومنتفخ بالغرور حتى "بطنه الكبيرة المدوَّرة"، ولديه أيضًا صفات مشبوهة يُفضَّل توفُّرها من أجل العمل الدبلوماسي في الدول، التي تعاني من مشكلات، ويقدِّم الكاتب أمير حسن چهلتن بعض النساء الواثقات بأنفسهن واللواتي يعارضنه. وعدا ذلك فهو يقود بطله عبر القاهرة من مسافة ساخرة ويتمكَّن من جعل القارئ يستمتع بمتابعته رغم كلِّ شيء في طريقه بين مكتبه والقصر الملكي والملاذات الخاصة وكذلك إلى داخل أفكاره وأحاديثه واضطراباته العاطفية.
إلى أن يشعر المرء في وقت ما بأنَّه عالق -تمامًا مثل السفير- في حلقة انتظار لم يعد يحدث فيها أي شيء خارق. وهنا يجب على السفير تبديل الدولة مرة أخرى وعلى القارئ تبديل الكتاب. وعلى الرغم من أنَّ نهاية الرواية المناسبة تمامًا للمجلات والجرائد الشعبية تترك بعض الأشياء معلقة في الهواء، إلَّا أنَّ تاريخ العالم استمر بعد ذلك من دون رادع.
كريستينا مايدْتْ تسينكه
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2022