
درويش تائه وعاشقة يهودية في "قواعد العشق الأربعون"
بجرأة القرن الحادي والعشرين، دلفت أليف شفق إلى عالم المتصوفة من القرن الثالث عشر ميلادي. الرواية تحكي تفاصيل من حياة المتصوّف الأفغاني، الإيراني، التركي، جلال الدين الرومي. زمن الحكاية قبل وبعد سقوط دولة الخلافة العباسية على أيدي المغول حيث تنتهي الوقائع سنة 1260 ميلادية.
إلى " مولانا " الخطيب المفوه سعى الدرويش المشرد شمس الدين التبريزي، وحين التقيا سلب شمس لبّ وعقل مولانا الرومي، فاسكنه الأخير بيته بين أفراد أسرته، وانشغل عن العالم كله بهذا الدرويش التائه. شمس يقول: "في نهاية المطاف، ماذا يهم في أي مدينة أمكث، مادام الرومي ليس بجانبي، فحيثما يوجد، توجد قبلتي".

هما يفسران هذا الوله بينهما باعتباره عشقا معرفيا صوفيا، لكن الكاتبة أليف لا تسعى أن تقنع القارئ المعاصر بهذا الانطباع.
"الكفر الحلو" نص يخلط حدود الزمن
تنمو علاقتهما رغم أنّها أم لثلاثة أبناء، كبراهم جانيت في السابعة عشرة تريد ترك البيت، فيما زوجها ديفيد لا يفتأ يخونها. من خلال سرد الكفر الحلو ومراسلتهما نعرف قواعد العشق الأربعين تباعا، فيلخص عزيز مفهوم مولانا عن العالم بالقول: "كما ترين يا إيلا، كل ما يمكنني أن أمنحك إياه هو اللحظة الراهنة، هذا كل ما أملكه، وفي الحقيقة لا أحد يملك أكثر من ذلك". وهو بهذا يردد تصور الرومي عن العالم وتنكشف للقارئ تفاصيل علاقة غامضة بذلها المتصوف الخطيب مولانا للدرويش التائه، وتصل إلى الأمور إلى حدود قصوى، حين تسير الأحداث باتجاه تزويج شمس الدين من ربيبة مولانا الساكنة في بيته " كيميا" العذراء ذات الخمسة عشر ربيعا، ليضمن بقاء الدرويش إلى جنبه.
تدريجيا ينمو الهاجس الحسي لدى القارئ، هاجس محموم يفترض أن علاقة الإيميلات بين إيلا وبين عزيز" كريغ" بدأت تنمو باتجاه التماس الجسدي، كما كانت العلاقة الصوفية الغامضة تثير لدى محيط الرجلين هواجس حسية غامضة.
لماذا عاف الدرويش التائه عروسه اليانعة ؟
وبنفس المقدار، وقبل 8 قرون ينمو هذا الشعور لدى القارئ، حين يعجز شمس الدين عن مقاربة عروسه الجميلة ليلة زفافهما، ويبقى بعيدا عنها بعد تلك الليلة رغم محاولاتها التي تعلمتها من المومس السابقة "زهرة الصحراء" ربيبة مولانا الأخرى لإثارته وتحريك فحولته. ولن يتمكن أي قارئ نبيه إلا من أن يفترض أنّ ما بين الرجلين هو الذي يحول دون مضاجعة شمس لامرأته. علاقة الرجلين قد يفسرها قول الرومي الشهير:" كل الأشياء تصبح أوضح حين تفسر، غير أنّ هذا العشق يكون أوضح حين لا تكون له أي تفسيرات".

بنفس المستوى، تتحدى علاقة إيلا بالمصور الكاتب التائه "عزيز" مستوى التفسير، فهي ترحل إليه مجذوبة بسحر علاقة الرومي بشمس، لتجده يُعلن لها أنه مريض لم يترك له مرض السرطان سوى 14 شهرا ، وبذا فإنه لا يريد أن يخرّب حياتها لأجل نزوة.
التشابه بين الحالتين يكتمل، حين يتآمر أهل قونية على قتل شمس التبريزي، كما تآمر السرطان على قتل عزيز- كريغ!
علاقات تتجاوز الزمن وحدود الأديان
قواعد العشق الأربعون تتخطى حدود الأديان، والاستقطاب الطائفي الديني العالمي السائد في يومنا هذا، فمولانا متزوج من "كيرا " المسيحية، وقبلها كانت زوجته "جوهر" بهائية، وهو لا يهتم أن تختلف الأديان ما دام المعشوق" الله" واحد، وينطبق هذا إلى حد بعيد على شمس، فهو لا يهتم لحدود الإسلام، ويطلب من مولانا أن يشتري قناني خمر، ويشربها في الحانة ليفقد احترام الناس له، فيكون حبه خاليا لله، وليس حبا للثواب المنتظر من الله!
ففي القواعد الأربعين جاء أنّ: "الإسلام يعني السلام الداخلي وضمناً الاستسلام، والاستسلام لا يعني أن يكون المرء ضعيفا أو سلبيا، ولا يؤدي إلى الإيمان بالقضاء والقدر، بل على العكس تماما". وهو بهذه الطريقة يختلف مع كل ما ذهب اليه فقهاء الإسلام من المذاهب كافة.
بنفس المقاربة، فإن إيلا اليهودية لم تمانع أن تقيم علاقة حب بملحد -مسيحي-متحول إلى الإسلام الصوفي، ولم تمانع أن تتحدى ضوابط الديانة الموسوية الصارمة التي تحرّم ارتباط اليهود بآخرين أو أخريات من خارج ملّتهم بشكل قاطع. لكن تلك التضحية الجسيمة، ومثلها هجرانها لدفء أسرتها الميسورة في "نورثامبتون" ، تفتت على صخرة عجز فرضه مرض العصر السرطان، ولم تتفتت على صخرة علاقة غامضة تربط ديفيد بطرف ثالث. شخوص الرواية الأخرى، بقيت في الظل، في ضوء تنامي العلاقة رباعية الأطراف عبر القرون.
ملهم الملائكة
تعليقات القراء على مقال : درويش تائه وعاشقة يهودية في "قواعد العشق الأربعون"
1.الروحانية العالية هي التي حالت بين شمس و زوجته كيميا .. و ليس علاقته مع الرومي .. 2.لم يشرب الرومي الخمرا و لم يسمح له شمس بهذا إنما سقا بها نبتة كانت أن تموت فكان الموقف تعليمي أراد أن يوصله لأمر أعمق في صدق الاتباع و حسن الظن ..
شمس22.05.2015 | 06:45 Uhr3.العلاقة بين الرومي و شمس روحانية لا يفهمها من يمتلئ رأسهم ب الشهوات و هذا ما اوضحته في الرواية تماما ..
4 تهدف الرواية لتعميق معنى الحب الالهي الملائكي و ليس الحب بالمفهوم الهولودي
5 إيلا قامت بكل التضحيات للحفاظ على بيتها و علاقات زوجها المقرفة هي التي تسببت في موقفها تجاه عزيز و الهدف ليس انها ملحدة يهودية و غيره كان التركيز على فكرة عدم تقدير الزوج لزوجته و خياناته المتكررة قد توصل إلى خراب البيت بهذا الشكل بغض النظر عن العقائد .. أي أن المنظور منظور إنساني عاطفي و ردة فعل قد تجدها حتى عند المسلمات و غيرهم ..
الرواية تحتاج لقلب صاف و روح نقية طاهرة حتى يفهمها القارئ و تصل إليه .. لا لعقل ملئ بالتفكير المنحرف و المتعصب ..
لما لا نجد فى هذة الأيام مثل هذا العشق
ياسين أحمد31.08.2015 | 17:46 Uhrكتبت الرواية بلغة الحب، وكتب هذا المقال بحروف عاشق، ولا ادري ان كان ثمة رابط بين الكاتب والكاتبة !
سارا فؤاد27.11.2016 | 17:28 Uhrاعدت قراءة المقال عدة مرات، فازدادت بهم حبا.
شكرا لقنطرة
الرواية تختصر التاريخ وتختزل الجغرافيا ، انها بحق نص معولم ، عابر لكل الحدود الكثيرة نحو فضاءات الانسانية الرحبة . اتمنى عليك المزيد من هذه الكتابة في الاجناس الادبية .
أحمد رسن 30.11.2016 | 13:42 Uhrعن الحب وجوهره وماهية العشق، تدور الرواية الصوفية البديعة “قواعد العشق الأربعون” - للروائية والكاتبة التركية إليف شافاق - ، التي ما إن نقرأها حتى نعرف لماذا بيعت منها ملايين النسخ حول العالم، كيف ولا وهي تأخذك لتحلق بك في سموات بعيدة في جو روحاني ينأى كثيراً عن الماديات التي ينغمس بها العالم، رواية ما أحوجنا إلى قراءتها.
علي المسعود30.11.2016 | 14:46 Uhrالرواية تحكى رحلة شمس التبريزى التي تمتد من سمرقند وبغداد، إلى قونية التركية، مروراً بدمشق، ليلقى حتفه في قونية، على يد قاتل مأجور بعد أن يكمل رسالته التي خلق من أجلها، وهي البحث عن الله ومعرفته.
ريم برنو10.01.2017 | 18:49 Uhrطلب من الله أن يساعده لأن ينقل حكمته التي جمعها من تنقلاته وطوافه في أرجاء العالم إلى الشخص المناسب، فطلب منه ملاكه الحارس أن يذهب إلى بغداد يلتقي برفيقه.
هذاالسرد المتين، نقله كاتب القراءة بروح النص نفسها، فظهرت قراءته كأنها نبض شمس التبريزي عبر كلمات أخرى.
الرواية حولت الوجد الصوفي الى حالة حب، والغريب انه حب بين مذكرين، تتوارى خلفه الاناث ويصبح دورهن ثانويا.
محي الدين سلوان17.09.2017 | 14:25 Uhrقراءة جميلة للرواية، شكرا لقنطرة.
قصة حب من عصر الظلمات كتبت بطريقة رائقة. اليف شفق بارعة في تقصي الحقائق.
ميادة صباح17.09.2017 | 14:27 Uhrوالقراءة نجحت في اختصار الرواية، ساذهب الآن لقراءتها.
تمنيت كثيرا ان اقرأها
سامية الشيخ محمد02.08.2018 | 00:17 Uhr