
رواية "مسيح دارفور" للكاتب عبد العزيز بركة ساكنصانع سلام في زمن الحرب
في تناقض شديد مع رسالة النبي المحبة للسلام، هذا النبي المليء بالحب والإنسانية، يأتي مأزقه الخاص: قوة عسكرية من 66 جندياً بالإضافة إلى فريق كبير من النجارين "المهرة وشبه المهرة"، يُرسَلون للقبض عليه وصلبه هو وأتباعه القلائل. هكذا تبدأ الرواية، مكرّسة للضحايا ومجموعات عدائية متنوعة، وتأخذنا في رحلة في الماضي القريب للسودان، في ملحمة تشتمل على الحرب والدمار ومعاناة عدد هائل من الناس.
يَعلَق القارئ في مصير السكان المحاصرين في حرب أهلية وحشية بين القوات الحكومية وبين المتمردين، مع خسائر كبيرة في الأرواح وفرص ضئيلة للنجاة. لكن يوجد أشخاص أقوياء ومتميزون خاضوا معركة شجاعة وجذرية، مثل عبد الرحمن، وهذا الشخص في الواقع فتاة يتّمتها الحرب أطلقت على نفسها اسم صبي.

وخلال مسار الرواية، تتحول من ضحية إلى متمردة، تتزوج جندياً جُنِّد بشكل قسري، وتطلب منه قتل ما لا يقل عن 10 من أفراد الجنجويد، الميليشيا السفاحة وعديمة الضمير الذين اغتصبوها، بيد أنها بعد ذلك تتولى الأمر بنفسها، فتحصل على سلاح وتنتقم بمفردها.
الثقة والصداقة في وسط القسوة والفساد
والنبي، الذي يبشّرُ بالسلام، سيكون إلى جانبها تماماً في هذا الأمر، لأنّ شعاره الشخصي، وهو أيضاً شعار الرواية: "أهون لجمل أن يَلِجَ من ثُقب إِبْرة من أن يدخل جنجويد ملكوت الله".
والجنجويد الرهيبون المعنيُّون (بالترجمة الحرفية: الجني الذي يركب جواداً) هم مجموعة فعلية من رجال القبائل الذين نشرتهم الحكومة بوصفهم ميليشيات في أوقات النزاع ويُعرفون بوحشيتهم الشديدة.
وتستند أجزاء كبيرة من الرواية إلى أحداث حقيقية بحث حولها المؤلف، على سبيل المثال، حين يصف التجنيد الإجباري ومذابح السكان. إضافة إلى أنّ حقيقة أنّ الأبطال الرئيسيين يغيرون مواقفهم وينضمون إلى المتمردين بعد الهروب، تستند أيضاً إلى أحداث معروفة في النزاع الذي طال أمده في الحرب الأهلية في دارفور.
بعض ما يحدث في القرى همجي، يُستعبد الناس، تُغتصب النساء عشوائياً، ونُفتنُ بالأفعال الشجاعة للمقاومة ضد عصابات السطو السفاحة في اضطرابات الحرب. لكن إلى جانب هذه الأحداث القمعية، هناك أيضاً العديد من الفقرات التي تدور حول الثقة والصداقة، وحول الأفعال البشرية وسط القسوة والفساد.
وعبد العزيز بركة ساكن هو واحد من أهم المؤلفين المعاصرين في السودان. فهو يمزج بمهارة بين الحقيقة والخيال، بحيث تتكشف على مدار 150 صفحة بانوراما واسعة لهذه الدولة الغنية بالسافانا على حافة الصحراء الكبرى، دولة ابتُلِيت بحرب أهلية دامت عقوداً توجهها الحكومة، ونزاع تسبب بمعاناة لا حد لها على ضحاياها.