من رحم النكسات الشخصية والتهميش يصنع المستقبل

هذه الرواية لا تدور في أرخبيل هاواي السياحي بل في حي هاواي المهمش اجتماعياً في مدينة هايلبرون الألمانية، حيث ينشأ توتر بين أوساط متعادية: جماعة ألمانية يمينية متطرفة نصّبت نفسها بنفسها بزعم حماية المدينة وجماعة من أصل مهاجر تركي مستعدة للرد بعنف، ويحدث ذلك بينما يتسكَّع بطل الرواية -شاب ألماني تركي- بالشوارع باحثاً لنفسه عن آفاق مستقبلية. فولكَر كامينسكي قرأ لموقع قنطرة أول رواية يكتبها جيهان أجار المولود عام 1986.

الكاتبة ، الكاتب: Volker Kaminski

من شأن مسيرات لاعبي كرة القدم المهنية الانتهاء نهاية سريعة، مثلما حدث لكمال، اللاعب المحترف الصاعد - لدى نادي غازي عنتاب- في الدوري التركي. إذ يصيبه سوء الحظ نظراً لتعرضه لإصابة -لا يمكن علاجها- في ركبته نتيجة حادث سيارة تسبَّب هو نفسه في وقوعه، في حين أن عمره لا يتجاوز الحادية والعشرين.

وهذا يعني بالنسبة له العودة إلى ألمانيا إلى مدينة هايلبرون الصغيرة القليلة الهدوء، وبشكل أكثر تحديدًا إلى المنطقة الإشكالية "هاواي" الواقعة في ضواحي المدينة، حيث يعيش والداه وحيث كان يذهب إلى المدرسة حتى تم اكتشافه من قِبَل الكشَّافة وانتشاله من الشارع ليلعب في نادي غازي عنتاب.

في محاولته التغلب على نكسته الشخصية، يتجوَّل كمال أوَّلًا في المدينة طيلة أيَّام، ويلتقي بأصدقائه في النوادي الليلية ونوادي التعرِّي ومحلات المراهنات، ويبدأ البحث عن صديقته السابقة -التي لا يزال يعشقها- ويذهب في السرّ بين الحين والآخر إلى مرآب السيَّارات، حيث كان قد ركَنَ سيَّارته الجاكوار -التي لم تعد صالحة للقيادة منذ وقوع الحادث- ويدخل معها في حوارات من باب التعاطف وتأنيب الضمير. تتمحور الرواية حول هذه الفترة بالذات التي تصل إلى أقل من أسبوع.

 

الغلاف الألماني لرواية "هاواي" للكاتب الألماني التركي جيهان أجار. Foto: Hanser Verlag
Cihan Acar erzählt von zwei Tagen und drei Nächten eines jungen Mannes, in denen er im trostlosen Problemviertel „Hawai“ umherstreift und dabei alle Stadien von Sehnsucht, Illusion und Einsamkeit durchlebt. „Hawai“ hat mit der Urlaubsinsel nicht das Geringste gemein. Es ist ein sog. Problemviertel mit heruntergekommenen Hochhäusern, in denen vor allem Migranten, wie die Eltern des Protagonisten wohnen und einem rauen Straßenleben.

 

نضج كمال إلى حدّ ما وبشكل لا إرادي نتيجة تجربته السابقة. فقد خرج إلى العالم الكبير ولم تعد تستهويه في الواقع المشاحنات الحزبية المحلية والصراعات على السلطة في شوارع هايلبرون.

ولكن مع ذلك ينجذب إلى مكائد ظلامية يحِيكها أصحابه، ويسمح لنفسه بأن يُستَدرَج إلى المشاركة في رهانات كرة قدم غير قانونية تؤدِّي إلى تدمره نهائيًا. يطلب المساعدة من والديه، اللذين يريدانه أن يجد لنفسه عملًا قبل كلِّ شيء، ويقترض المال من عمه من دون أن تكون لديه أية خطة من أجل المستقبل.

صحيح أنَّه لا يزال يشعر أحيانًا بأنَّه هنا في منزله، ويتنفَّس رائحة حساء "كْنُر" المألوفة، التي تنبعث إلى هنا من المقر الرئيسي لمصنع الحساء وتغمر مدينة هايلبرون بأكملها؛ ولكن يبدو أنَّه لم يعد يرى في هذه المدينة أية آفاق مستقبلة سواء من الناحية المهنية أو الشخصية.

مثل بطل رواية "الحارس في حقل الشوفان"

مثل بطل رواية "الحارس في حقل الشوفان" الكلاسيكية -واسمه "هولدِن كولفيلد"- ولكن بشكل معاصرٍ يترك الكاتب جيهان أجار بطل روايته اللطيف جدًا يتفلسف حول العالم -حتى وإنْ كان في الغالب مُضَلِّلًا- وبالتالي يعرف المزيد عن نفسه.

 

............................................

طالع أيضا

مجتمع "اللون الواحد" في ألمانيا صار من الماضي

كلما نجح اندماج المهاجرين ازدادت الصراعات داخل مجتمع الهجرة

"المهاجر في ألمانيا تخطّى طور المراهقة إلى مرحلة الرشد"

............................................

 

يقول وهو يقارن نفسه بأصدقاء حبيبته سينا "المُزيَّفين": "لكنني لست مخطئًا، ​​أنا فقط غبيّ أحيانًا، وهذا هو الفرق". تُظهر حقيقة عدم استطاعته نسيان سينا​​ -وهي ابنة مهندس معماري ثري تعيش حياتها الشبيهة بالطائرات المُسَيَّرة في بيتها الصغير الخاص بها- أنَّه شخصٌ حسَّاس مخلص وصافي النية.

توجد لدى كمال أوجه تشابه أخرى مع نظيره "هولدن كولفيلد" - فهو شخص عنيدٌ، ويشاركه بالمناسبة أيضًا في استخدام لغة الشباب العامية، التي تجعل الرواية أكثر قابلية للقراءة وأكثر نبضًا بالحياة.

غير أنَّ مؤلف الرواية لا يهتم فقط بمسيرة حياة كمال الصعبة. يتم في هذه الرواية وصف منطقة "هاواي" الإشكالية - بمبانيها المتهالكة وأرض محطة السكك الحديدية المُقفرة والمتاجر الصغيرة ومراكز التسوُّق المنهكة - وصفًا دقيقًا وبمعرفة عميقة لهذه المنطقة، بحيث يمكن استخدام هذا النصّ كأطلس ودليل إرشادي لشوارع هذا الجزء من مدينة هايلبرون. من الغريب أنَّ هذه المنطقة بالذات المثقلة بمشكلات اجتماعية تحمل اسمًا يشير إلى حبّ السفر والاستمتاع بالشمس. ولكن المغزى المرير الذي يشير إليه اسم "هاواي" يمتد في الرواية إلى حدّ ما.

توتُّرات بين أوساط متعادية

تتصاعد مع مرور الوقت حالاتُ الغليان والضجيج الرهيب الناجم عن الاحتكاك اليومي بين الـ"كانكاس" (وهو اسم مجموعة تركية تتألف بشكل رئيسي من حرَّاس للنوادي الليلية وملاكمين مُستعدِّين لاستخدام العنف) وبين الأشخاص الذين يرتدون قمصانًا كُتِبَتْ عليها الحروفُ "HWA" (وهو اختصار لاسم حركة [ألمانية] يمينية يعني "استيقظي يا هايلبرون!") لتصبح حربًا حقيقية في الشوارع.

تزداد مع توالي أحداث القصة أهمية السؤال حول طريقة تشكُّل التوتُّرات بين الأوساط المتعادية بينما يتسكَّع كمال في شوارع المدينة.

 

 

 

كان لا يزال بإمكان كمال في بداية شبابه أن يسرق ببراءة العلم التركي الخاص بوالده من علبة محفوظة بعناية في داخل الخزانة، وذلك من أجل التلويح به في مباريات كرة القدم بين النادي الألماني والنادي التركي المحليين.

غير أنَّ هذا العمل الوطني الشبابي، الذي كان يفعله من دون موافقة والده، لم يكن يعود عليه بأكثر من غضب والده الصامت.

ولكن الحال اختلفت تمامًا في الوقت الحاضر. إذ يبدو أنَّ مؤسَّسات الدولة لم تعد قادرة - إلى حدّ كبير- على ضمان التعايش السلمي بين مختلف المجموعات السكَّانية.

والنتيجة هي: أعمال شغب وتجاوزات عنيفة وإشعال حرائق وأعمال تخريب متعمَّدة - وحتى أنَّ بعض المشاهد في هذه الرواية تذكِّرنا تقريبًا بحوادث مشابهة في بعض "النقاط الساخنة" حاليًا.

وهكذا يتم إسقاط صراع كمال الداخلي على العالم الخارجي مثل انعكاس في مرآة لا تهدأ، وتجعله الكدمة التي أُصيب بها في جبهته نتيجة العنف المفرط في خيمة السيرك (!) شاهد عيان فعلي على حاضر غامض.

تمتاز رواية جيهان أجار الأولى "هاواي" بقدر مذهل من الثقة، ورغم جدِّيتها المُرهقة في بعض الأحداث الموصوفة إلا أنها مليئة بخِفة الدم والفكاهة.

 

فولكر كامينسكي

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:24129]

 

 

 

 

 

[embed:render:embedded:node:31950]