هل عرقلت عقوبات سوريا حقا مساعدات الزلزال؟

رجل يبكي وهو جالس على أنقاض مبنى منهار في بلدة جنديريس التي تسيطر عليها المعارضة السورية -  سوريا.
رجل يبكي وهو جالس على أنقاض مبنى منهار في بلدة جنديريس التي تسيطر عليها المعارضة السورية - سوريا.

عقب كارثة زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا المدمر انتشرت دعوات تطالب برفع العقوبات عن سوريا معتبرة أن العقوبات "تعرقل إيصال المساعدات لإنقاذ متضرري الزلازل"، فما صحة تلك الدعوات؟ استقصاء كاثرين شير.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer

عقب كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، انتشرت دعوات تطالب برفع العقوبات عن سوريا معتبرة أن العقوبات "تعرقل إيصال المساعدات لإنقاذ متضرري الزلازل"، فما صحة تلك الدعوات؟

في مقطع مصور انتشر على نطاق كبير على "تيك توك" بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، تذرف فتاة سورية الدموع وهي تقول باللغة الإنكليزية "ليس لدينا كهرباء وليس لدينا غاز وليس لدينا أي شيء .. ثم حدث الزلزال ولم يحاول أي شخص مساعدتنا. برجاء لا تدعو وسائل الإعلام تخدعكم".

وعرض في المقطع المصور رسما للمجال الجوي فوق سوريا يوضح عدم هبوط أي طائرة تحمل مساعدات للناجين من الزلزال وذلك بعد يوم من الكارثة.

الشابة التي تُعرف نفسها باسم "باتريشيا" وهي طالبة من دمشق، تقول وهي تبكي إن سوريا في حاجة إلى المساعدات فيما حصد مقطعها على أكثر من 5 ملايين مشاهدة وآلاف التفاعلات المتعاطفة حتى أنه انتشر على منصات أخرى مع إدراج "وسم" (هاشتاغ) StopSanctionsOnSyria# ومعناه "أوقفوا العقوبات على سوريا".

ويعد هذا المقطع مثالا لحالة الارتباك والتخبط بشأن قضية العقوبات المفروضة على سوريا ومدى تأثيرها على إيصال المساعدات بعد كارثة الزلازل وسط تساؤلات عما إذا كانت العقوبات هي حقا المسؤولة عن التأخير في إرسال المساعدات.

ويبدو أن البعض حاول تقصي الحقيقة وراء ذلك فيما قال معارضو رئيس النظام السوري بشار الأسد إن نظامه يحاول استغلال الكارثة.

وحول ذلك، قال باحثون في منصة "الأرشيف السوري" الخاصة بجمع فيديوهات ووثائق تؤكد وقوع جرائم حرب في سوريا، إنه كان هناك بالتأكيد زيادة في استخدام الوسوم (الهاشتاغات) المتعلقة بالعقوبات على سوريا بعد الزلزال.

 

#سوريا خارج خريطة الأنشطة الجوية و طائرات المساعدات حتى الآن، فقط #تركيا المتواحدة على الخريطة

شكراً #StopSanctionsOnSyrians #MySyria pic.twitter.com/VeLzyrk6n1

— MY SYRIA (@mysyria_) February 6, 2023

 

 

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال الناطق باسم المنصة "لكن ليس لدينا ما يؤكد هل هذه الوسوم متعمدة [وجزء من حملة ترعاها الحكومة] أم أنها عفوية ومجرد رغبة عامة في تقديم المساعدة وشهدت مشاركة الكثير من الناس، لكن من الواضح أيضا أن هذه الحملة لاقت ترحيبا من الحكومة السورية".

من جانبه، يرى أندرو تابلر، الزميل البارز والخبير في الشأن السوري في برنامج السياسة العربية بـ "معهد واشنطن"، إن هذا الجانب من التفاعلات يعد "متعمدا للغاية".

وفي مقابلة مع دي دبليو، قال "النظام (السوري) وأنصاره يستغلون الزلزال كذريعة للمطالبة برفع جميع العقوبات عن سوريا".

يأتي ذلك رغم أن إدلب في شمال سوريا والخاضعة لسيطرة المعارضة، قد دفعت الثمن الأكبر للتأخير في إرسال المساعدات إلى سوريا بعد الزلزال رغم أنها ليست على قائمة العقوبات المفروضة على الحكومة السورية. وقال تابلر إن هذه "المناطق ليست خاضعة لسيطرة نظام الأسد منذ أكثر من عقد".

سياق مجتزأ

ويعد المقطع المصور الخاصة بالشابة السورية باتريشيا نوعا من سياقات مجتزأة انتشرت على منصات التواصل بعد كارثة الزلزال، فعلى سبيل المثال لم تتحدث باتريشيا عن أن النظام السوري وراء فرض عقوبات دولية على سوريا.

يشار إلى أن الولايات المتحدة ودولا أوروبية قد فرضت عقوبات على سوريا على خلفية قمع  الحكومة السورية  المظاهرات السلمية المناهضة لها منذ عام 2011، لكن بعد 12 عاما، تمكنت الحكومة من استعادة الجزء الكبير من مناطق البلاد التي خرجت عن سيطرتها وترغب الآن في إعادة تأهيلها والعودة إلى الساحة العالمية.

كذلك لم تذكر باتريشيا قانون الجرائم الإلكترونية، حيث أصدر الرئيس بشار الأسد في أبريل / نيسان 2022 قانونا يقضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012.

ويقول نشطاء إن قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022 يستهدف المنتقدين، الذين ينشرون تعليقات أو مقالات على الإنترنت تعارض الرئيس السوري أو الدولة أو الدستور، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الانتقادات.

كذلك فإن الرسم البياني في المقطع وغيره من المقاطع المصورة المماثلة يعد مضللا بعض الشيء حيث أنه بسبب الصراع الدائر في سوريا، أصبح مجالها الجوي خارج نطاق معظم شركات الطيران المدني منذ عام 2015، فيما تبدو الحركة الجوية فوق سوريا كما هي كل يوم تقريبا سواء في حالة وصول المساعدات أو لا.

حقيقة العقوبات على سوريا؟

وعلى وقع هذا الأمر، سارعت العديد من الحكومات التي فرضت عقوبات على سوريا إلى القول إن العقوبات لا تنطبق على المساعدات الإنسانية.

 

عناصر من الخوذ البيضاء ينتشلون جثة من تحت أنقاض مبنى منهار في مناطق سيطرة المعارضة السورية. Members of the White Helmets retrieve a body from the rubble of a collapsed building in rebel-held territory, Syria (image: K. Rammah/AA/picture alliance)
العقوبات على سوريا لا تنطبق على المساعدات الإنسانية: يقول الباحث أندرو تابلر إن "النظام (السوري) وأنصاره يستغلون الزلزال كذريعة للمطالبة برفع جميع العقوبات عن سوريا". يأتي ذلك رغم أن إدلب في شمال سوريا والخاضعة لسيطرة المعارضة، قد دفعت الثمن الأكبر للتأخير في إرسال المساعدات إلى سوريا بعد الزلزال رغم أنها ليست على قائمة العقوبات المفروضة على الحكومة السورية. وقال تابلر إن هذه "المناطق ليست خاضعة لسيطرة نظام الأسد منذ أكثر من عقد". من جانبها سارعت العديد من الحكومات -التي فرضت عقوبات على سوريا- إلى القول إن العقوبات لا تنطبق على المساعدات الإنسانية. في الصورة داخل المقال عناصر من منظمة الخُوَذ البيضاء الإنقاذية ينتشلون جثة من تحت أنقاض مبنى منهار في مناطق سيطرة المعارضة السورية.

 

ففي سياق متصل، قال مفوض إدارة الأزمات بالاتحاد الأوروبي، يانيز ليناركيتش، بعد وقت قصير من وقوع الكارثة "نرفض رفضا قاطعا الاتهامات التي تزعم بأن عقوبات الاتحاد الأوروبي لها أي تأثير على المساعدات الإنسانية".

وأضاف "لا تؤثر (العقوبات) على المساعدات الإنسانية، ولا تنطبق على توصيل المواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية  والإسعافات الأولية للاستجابة الأولى للزلزال":

بدورها، شددت الخارجية الألمانية على أن العقوبات لا تسري ولم تنطبق على المساعدات الإنسانية أو المعدات الثقيلة التي تستخدم في رفع الانقاض. وخلال مؤتمر صحافي، قالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية "يتعين عدم الوقوع في فخ السرد الذي تنشره بعض الأطراف التي تحاول تعزيز مصالحها الخاصة في هذه الأوقات الصعبة للغاية. يتم استغلال الوضع الكارثي الراهن لتحقيق أهداف سياسية".

العقوبات في المناطق الرمادية

وتؤكد مثل هذه التصريحات أن العقوبات على سوريا لم ينجم عنها تأثيرات سلبية على قضية إرسال مساعدات إلى سوريا بعد الزلازل.

وقال كرم شعار، الخبير الاقتصادي والمتخصص في العقوبات المفروضة على سوريا، إن العقوبات قد تتسبب في آثار سلبية في مجال حقوق الإنسان، مضيفا "لا أجادل في هذا، لكن يتعين الحديث عن السياق والتطرق إلى كافة الجوانب".

وأشار شعار إلى أن إحدى أكبر المشكلات التي يواجهها العديد من المواطنين العاديين داخل سوريا وخارجها تتمثل في كيفية إرسال الأموال من وإلى سوريا. فعلى الرغم من أن العقوبات تهدف إلى فصل نظام الأسد عن الخدمات المصرفية الدولية، إلا أنها أيضا شكلت أزمة للسوريين العاديين.

 

Since the earthquake, #Assad's regime has received 149 cargo aircraft loaded with aid from 25 foreign governments.

 

That's 5,000-10,000 tons of aid.

 

Tell me again how sanctions have an effect on the delivery aid aid to #Syria?

 

(Fantastic work here by @putintintin1 & @mhdnoorf) pic.twitter.com/ekCp8ZlUwn

— Charles Lister (@Charles_Lister) February 17, 2023

 

يُشار إلى أنه في التاسع من فبراير / شباط 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إصدار "الرخصة العامة 23 الخاصة بسوريا" للمساعدة في جهود إغاثة ملايين السوريين المتضررين من الكارثة.

وقالت الوزارة إن الخطوة "ستسمح لمدة 180 يوما بجميع المعاملات المتعلقة بمساعدة ضحايا الزلزال، التي كانت محظورة" بموجب العقوبات المفروضة على سوريا.

وقالت وزارة التجارة الأمريكية هذا الأسبوع أيضا إنها ستساعد في تسريع الصادرات إلى سوريا التي يمكن أن تساعد في جهود التعافي من الزلازل مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والمعدات الطبية والمولدات المحمولة ومعدات تنقية المياه أو معدات الصرف الصحي.

من جانبها، قالت بريطانيا إنها أصدرت ترخيصين جديدين بهدف تسهيل عمل وكالات الإغاثة دون انتهاك العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكدة أن "العقوبات لا تستهدف المساعدات الإنسانية أو الغذاء أو الإمدادات الطبية لكننا ندرك أن المتطلبات الحالية لمنح تراخيص فردية ليست عملية دائما خلال الاستجابة للأزمات".

وفي ذات السياق، تجري مناقشات داخل أروقة الاتحاد الأوروبي من أجل إدخال تغييرات مؤقتة في منظومة العقوبات على سوريا.

مراقبة العقوبات

وشدد شعار وتابلر والعديد من المراقبين على ضرورة تقييم تأثير العقوبات بشكل منتظم للوقوف على الأمر بشكل دقيق.

وكتب شعار في مقال نشره المجلس الأطلسي في يناير / كانون الثاني 2023 أن "المشكلة لا تتعلق بالعقوبات كأداة سياسية ولكن في آلية تنفيذها في سوريا وفي دول أخرى ونقص الموارد المخصصة لجعلها أكثر فعالية".

 

شاحنات إغاثة تسير على طريق شمال سوريا. A column on aid trucks driving along a road in northern Syria (image: Rami Alsayed/NurPhoto/picture alliance)
يجب التحقق من أن تدفق الأموال إلى سوريا -بهدف المساعدة بعد كارثة الزلازل- لا يتم استغلاله من قِبَل النظام السوري: يؤكد الباحث أندرو تابلر أن "نظام الأسد لديه سجل مروع في تحويل المساعدات". ويقترح تابلر ضرورة التحقق بعناية من الأضرار الناجمة عن الزلزال وما تحتاج إليه سوريا في إطار جهود إعادة الإعمار وأيضا التحقق من أن تدفق الأموال إلى سوريا لا يتم استغلاله من قِبَل النظام السوري الذي قد يستخدم هذه الأموال لتمويل شن المزيد من الهجمات على المعارضة. في الصورة داخل المقال شاحنات إغاثة تسير على طريق شمال سوريا.

 

وأشار تابلر إلى أن عدم وجود تقييم دقيق يمكن أن يتسبب في مشاكل حتى من تنفيذ التراخيص الجديدة التي أصدرتها الولايات المتحدة، مضيفا "نظام الأسد لديه سجل مروع في تحويل المساعدات". وأضاف "ندرك الآثار غير المقصودة التي يمكن أن تحدثها العقوبات، ونعلم أن الكثير من الناس في معاناة وفي حاجة للمساعدات، لكن الانفتاح بهذه الطريقة يسمح بارتكاب انتهاكات".

ويقترح تابلر ضرورة التحقق بعناية من الأضرار الناجمة عن الزلزال وما تحتاج البلاد في إطار جهود إعادة الإعمار وأيضا التحقق من أن تدفق الأموال إلى سوريا لا يتم استغلاله من قبل الحكومة التي قد تستخدم هذه الأموال لتمويل شن المزيد من الهجمات على المعارضة. وقال إن الدول التي تفرض عقوبات لديها وسائل تمكنها من فرض مراقبة للعقوبات، لكن الأمر يتعلق "بالإرادة السياسية".

 

 

كاثرين شير

ترجمة: م ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

ar.Qantara.de