قصص حب هندية تتجاوز قيود المجتمع والطائفة

الزواج عن حب في الهند غالبا ما يقف أمامه عائقا اختلاف الديانة والطبقة الاجتماعية وحتى الأقارب. ولذلك نشأ مشروع "الحب في الهند" الذي يجمع قصصا رومانسية هندية ويرويها على موقع إنستغرام بهدف مواجهة التمييز. الصحفي الألماني دافيد بفايفر يوضح الخلفيات بما فيها ما يسميه متطرفون هندوس "جهاد الحب".

الكاتبة ، الكاتب: David Pfeifer

عبارة "الحبّ أعمى" - كثيرًا ما تُستخدم خاصةً حين يصيب سهم الحبّ قَلبَيْ شخصين يبدو أنَّهما غير مناسبين تمامًا لبعضهما.

ولكن الأمر يصبح معقدًا تمامًا عندما يتحرك سهم الحبّ في الهند، حيث لا تزال الزيجات المُرَتَّب لها مِن قِبَل الأهل هي القاعدة هناك، ويقال إنَّ أكثر من تسعين في المائة من الزيجات في الهند تتم بهذه الطريقة، ويطلق عليها ببساطة اسم "زواج"، بينما يُعرف النوع الآخر -أي النوع الاستثنائي- باسم "زواج عن حبّ".

عندما نسأل الأزواجَ الهنود عن الزيجات المُرَتَّب لها مِن قِبَل العائلة، نجد عددًا غير قليل منهم سعداء جدًا بنتيجة الزواج المخطط له أُسَرِيًّا. يقوم قبل عقد هذه الزيجات أقارب الأزواج المعنيين بمراجعة كلِّ شيء، من المستوى التعليمي والطبع والهوايات إلى الأبراج أو تبحث لهم خوارزميات الإنترنت بناءً على هذه المعلومات عن أفضل شريك مطابق.

 

انتشر هاشتاغ على موقع تويتر يدعو لمقاطعة مسلسل شبكة نتفليكس "الفتى المناسب" (A Suitable Boy) الذي يظهر فيه مشهد لشابة هندوسية تُقَبِّل رجلًا مسلمًا في معبد هندوسي.  (Foto: Netflix.com)
Netflix kassiert Boykottrufe in Indien wegen eines Kusses.

 

ومع الارتفاع المتصاعد في عدد العلاقات المكوَّنة من خلال استخدام مواقع التعارف والمواعدة الإلكترونية، يجب علينا في ألمانيا أَلَّا نوهم أنفسنا كثيرًا بأنَّ لدينا إرادة حرة تمامًا عندما يتعلق الأمر بالحبّ. ولكن في الهند، تبدأ المشاكل الحقيقية عندما يختار الحبيب والحبيبة بعضهما بحُرِّيَّة.

لا يزال الزواج بين أتباع طبقتين اجتماعيتين متفاوتتين أمرًا نادرًا حتى يومنا هذا، ويُشكِّل فقط نحو خمسة في المائة من جميع الزيجات، وحتى أنَّ الزيجات بين أتباع ديانتين مختلفتين لا تشكَّل إلَّا نحو اثنين في المائة ونيِّف.

عندما تزوَّجت الفتاة لاتا من حبيبها براهما -على سبيل المثال- فَعَلا ذلك من دون موافقة أسرتيهما. وعندما اكتشف ذلك إخوةُ لاتا، تقدَّموا بشكوى ضد براهما بتهمة خطفها. لاتا وبراهما ينحدران من طبقتين مجتمعيتين مختلفتين، غير أنَّهما متزوِّجان منذ عشرين عامًا، وسعيدان جدًا، مثلما تكتب لاتا، وهذا ما لاحظه الاثنان من جديد، خاصةً أثناء جائحة كورونا، أثناء جلوسهما مع بعضهما طيلة أشهر.

وفي المقابل اضطرت زمرودا وراجنيش إلى الانتظار سنين قبل السماح لهما بالاحتفال بزواجهم مختلط مسلم-هندوسي، بعد صدور قانون خاص يعرف باسم "قانون الزواج الخاص". وراؤول أيضًا، الذي ينحدر من أسرة هندوسية ميسورة من الطبقة الوسطى، تزوَّج من البوذية سوبهدرا من دون موافقة والديه، اللذين كانا قلقين من أن تفسد هذه الفتاة الفلاحة الفقيرة سمعة الأسرة.

امرأة هندوسية تُقَبِّل مسلمًا على موقع الأفلام والمسلسلات نِتْفْلِيكْس؟ "لا يجوز بتاتًا!"

 

 

 

جميع هذه القصص وغيرها يمكن قراءتها من حساب "مشروع الحبّ في الهند" (indialoveproject)، الموجود على موقع إنستغرام منذ نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2020. يروي في هذا الحساب الأزواج -المتزوِّجون عن حبّ- كيف عثروا على بعضهم، علمًا بأنَّ معظمهم مرتبطون منذ أعوام عديدة. وهذا يعني أنَّ العلاقات المُوثَّقة هنا هي تلك الناجحة - القصص الجميلة.

ولكن هذا كله له خلفية غير جميلة. إذ إنَّ مَنْ يُعتبر في الهند مسلمًا -على سبيل المثال- يجب عليه أن يكون مستعدًا للصعوبة البالغة في إقناع أسرة هندوسية بمباركة الزواج بين أتباع الأديان. فكثيرًا ما يدور الحديث حول "جهاد الحبّ"، وكأنَّ الرجال المسلمين يُغرِّرون بالنساء الهندوسات لنقل الجهاد إلى فراش الزواج حتى ينتشر الإسلام في كلِّ الهند. وفيما يتعلق بوضع المسلمين الصعب في الهند في ظل "قومية هندوسية" -غالبًا ما يدور الحديث حولها- يُغذِّيها "حزب بهاراتيا جاناتا" الحاكم (BJP).

وقد ثار جدلٌ في الهند حول مسلسل شبكة نتفليكس "الفتى المناسب" (A Suitable Boy). يظهر في هذا المسلسل مشهد لشابة هندوسية تُقَبِّل رجلًا مسلمًا في معبد هندوسي. وعلى الفور انتشر هاشتاغ على موقع تويتر يدعو لمقاطعة نتفليكس وتدخَّل السياسيون. فقد قال ناروتام ميشرا -العضو البارز في حزب بهاراتيا جاناتا ووزير داخلية ولاية ماديا براديش الشاسعة- لشبكة سي إن إن الإخبارية: "هذا المحتوى مرفوض للغاية ويؤذي مشاعر الناس من دين معيَّن". وطلب من الشرطة اتخاذ إجراءات لمواجهة انتشار المسلسل.

وفي حين أنَّ مواقف العديد من الهنود المتعلمين -وخاصةً في المدن الكبرى- أصبحت أكثر ليبرالية في هذه القضايا، فقد تم قبل شهرين إيقاف إعلان شركة صناعة المجوهرات "تانيشك"؛ وتَظهر في هذا الإعلان أمٌّ هندوسية أثناء الاحتفال بولادتها القريبة، أثناء "حمام المولود" المُنظم من قبل والد ووالدة زوجها المسلمين. كانت شركة تاتا الكبرى، التي تنتج كلَّ شيء من الفولاذ إلى الشاي وتملك أيضًا شركة مجوهرات تانيشك، تريد الترويج للمجموعة الجديدة من خلال هذا الإعلان. ولكن شركة تاتا تراجعت بسرعة عندما اندلعت العاصفة في وسائل التواصل الاجتماعي.

بعد شيوع استخدام مصطلح "جهاد الحبّ" التشهيري على موقع تويتر، أنشأ ثلاثةُ صحفيين "مشروع الحبّ في الهند". ومنذ ذلك الحين تُنشر هناك كلَّ يوم قصةٌ جديدة مزيَّنة بصور الأزواج السعداء. وبعض هذه الصور ملتقط بكاميرات بولارويد الفورية وبعضها الآخر بالأبيض والأسود.

 

India Love Project, a social media initiative, is telling everyday love stories of people around us to combat terms like “love jihad” and “rice bag converts” that have come to stand in for the narrative of hate swirling around the country. pic.twitter.com/xnorIdKkcd

— Brut India (@BrutIndia) December 5, 2020

 

غير أنَّ الهندوس والمسلمين ليسوا الوحيدين الذين غالبًا ما يواجهون صعوبات، فكثيرًا ما لا ترغب الأسرة في الزواج المختلط، وحتى بين أفراد من طبقات أو مستويات مالية وثروة مختلفة. تروي إحدى المساهَمات الأولى في المشروع قصة الشابين سانديب وبيشان، وهما مؤلف وناشر التقيا عبر الإنترنت.

كان سانديب لا يزال يعمل في سان فرانسيسكو، وبيشان في كالكوتا. استمرا سنين على هذه الحال قبل أن يعيشا في نفس المنطقة الزمنية. وحول ذلك كتب سانديب: "حتى وإن لم تشارك عائلاتنا في السير معنا في مسيرات فخر المثليين، ولكنها تصالحت مع ما نحن عليه". من الجدير بالذكر أنَّ تجريم العلاقات الجنسية المثلية في الهند لم يتم إلغاؤه إلَّا في عام 2018.

وحتى تاريخ 17 / 12 / 2020 لم يبلغ عدد متابعي "مشروع الحبّ في الهند" إلَّا نحو أربعة وعشرين ألف متابع، ولكن ذلك يتغيَّر بسرعة بعد أن نُشرتْ حوله تقارير في العديد من الصحف والمواقع الإخبارية في الهند. وهذه الفكرة جميلة جدًا ومقنعة، وهي: مواجهة الكراهية -المُوجَّهة ضدَّ الزيجات المتجاوزة لجميع الحدود الدينية والطبقية والجنسية- من أجل ما هو المهم في الواقع، وهو: الحب.

 

 

دافيد بفايفر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:28675]