انتخابات المغرب: الإسلاميون يواجهون أكبر تحد منذ "الربيع العربي"

يدخل العدالة والتنمية امتحاناً هو الأصعب منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات 2011. فبين منافس شرس له إمكانيات ضخمة وقوانين انتخابية جديدة وأزمات داخلية وسياق إقليمي، يجد الحزب "الإسلامي" نفسه أمام مفترق طرق مفصلي.

الكاتبة ، الكاتب:  إسماعيل عزام

تختلف انتخابات 2021 في المغرب عن سابقاتها وقد تكون محطة مفصلية في التاريخ السياسي للبلاد منذ وصول الإسلاميين إلى رأس الحكومة، عندما استفادوا من تداعيات "الربيع العربي" لعام 2011.

الأمر لا يعود فقط إلى ما خلقته جائحة كورونا من تحديات على الحكومة، ولكن كذلك لمنافسة شديدة من أحزاب أخرى تقدم نفسها للشعب المغربي كبديل عن حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية (البيجيدي)، وكذلك لتغيير الطريقة التي توزع بها المقاعد الانتخابية، ثم تجميع الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية في موعد واحد.

حزب 'الأحرار'  المنافس الشرس

دخل حزب التجمع الوطني للأحرار، في عهد جديد، بعد الصعود المفاجئ لعزيز أخنوش، رجل الأعمال النافذ ووزير الفلاحة القوي الذي يستمر في منصبه منذ عام 14 عاماً، إلى رئاسته عام 2016.

فرض أخنوش حينها شروطا قاسية على عبد الإله بنكيران -المنتشي بفوز حزبه العدالة والتنمية للمرة الثانية في الانتخابات- لأجل المشاركة في الحكومة، ما أدى إلى عرقلة المفاوضات لعدة أشهر، وفي النهاية تمّ إعفاء بنكيران وتعيين سعد الدين العثماني محله، ليقبل هذا الأخير بشروط أخنوش.

ظفر حزب 'الأحرار' -أسسه مقرّب من الملك الراحل الحسن الثاني في السبعينيات، ومعروف باستقطابه نخب المال والأعمال والإدارة- بوزارات قوية، ما جعل متتبعين يستخلصون أن الحزب الذي جاء رابعاً في انتخابات 2016 صار أقوى ممّن حلّ في المركز الأول.

غير أن طموح أخنوش، الذي لم تمنعه عضويته في الحكومة من مهاجمة رئيسها أكثر من مرة، لم يتوقف هناك، فمنذ مدة وهو يؤكد نيته بأن يكون على رأس الحكومة. ينفق حزبه بسخاء حالياً على الحملة الانتخابية، ومن ذلك في الترويج على المجال الرقمي، إذ تشير تقديرات إلى هوة مالية كبيرة بينه وبين منافسيه، كما استقطب شخصيات جديدة، ولديه أذرع إعلامية تسانده.

ومقابل صعود نجم 'الأحرار'، توارى كثيراً حزب الأصالة والمعاصرة (البام)، الذي كان المنافس الأول لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لعام 2016، وفاز قبلها بالانتخابات المحلية، وكان معروفاً باستقطاب الأعيان وتجميع طبقة سياسية من كل الأحزاب الأخرى.

تراجع يعود إلى الانقسامات التي شهدها الحزب منذ مغادرة رجله القوي إلياس العماري للساحة السياسية، وصعود عبد اللطيف وهبي، الذي ركّز على لغة توافقية مع حزب العدالة والتنمية، ما اعتبره متتبعون إشارة إلى أن ما يوصف بالدولة العميقة في المغرب لم تعد ترى في الحزب الذي يتخذ الجرار رمزاُ له ورقة رابحة ضد الإسلاميين.

لكن يونس مسكين، مدير النشر السابق لصحيفة أخبار اليوم المتوقفة عن الصدور، يرى أن صعود "الأحرار" وتواري البام مجرد تفاصيل، موضحاً: " اسم الحزب المنافس ليس مهماً، لأننا في حقيقة الأمر نتحدث عن السلطة ومراكز النفوذ داخل الدولة".

ويضيف: "قبل نحو عشر سنوات تم تأسيس حزب جديد كلياً حينها (البام) بينما يتم الآن الدفع بحزب 'الأحرار'، والغاية الأساسية هي منع تحرر العملية الانتخابية والديمقراطية في المغرب من قبضة السلطة".

سعد الدين العثماني غداة إعلان تشكيل الحكومة وقبوله بتكونها من ستة أحزاب عكس ما كان يريده عبد الإله بنكيران
إرث الربيع العربي مهدد في المغرب: بعد مرور عقد على احتجاجات الربيع العربي التي دفعت الملك محمد السادس إلى منح المزيد من الصلاحيات للبرلمان المنتخب والحكومة التي يساعد في تشكيلها، أعاد العاهل المغربي صلاحية اتخاذ معظم القرارات الرئيسية إلى داخل جدران القصر.

عوامل أخرى تهدد البيجيدي

لكن ليس صعود 'الأحرار' فقط هو ما يهدّد حزب العدالة والتنمية. قبل أشهر تم اعتماد القاسم الانتخابي الذي ينصّ على قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد مقاعد الدائرة الانتخابية، بدل الصيغة القديمة التي كانت تقسّم عدد الأصوات. انتقد 'البيجيدي' هذا التعديل، فيما رحب به منافسوه الرئيسيون.

"المركز الأول للبيجيدي مهدد قبل كل شيء بهذا التعديل، فلو أعيد توزيع مقاعد انتخابات 2016 باعتماد هذه القواعد الجديدة فالحزب الأول سيكون هو 'البام' رغم أنه نال أصواتاً أقل من 'البيجيدي' "، يقول مسكين.

ويوجد عامل آخر يتعلق بالأزمة التي عاشها الحزب الذي يتخذ المصباح شعاراً له منذ إعفاء بنكيران من الحكومة، فجزء من الحزب كان رافضاً لقبول العثماني بشروط أخنوش، ما خلق تيارات داخل الحزب بعضها متشبث بالحكومة وآخر بالخط السياسي للحزب، وزادت الأزمة عندما رفض المجلس الوطني للحزب تعديل القانون بما يسمح لبنكيران بالترشح لولاية ثالثة على رأسه.

ويشير محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات إلى أن تراجع البيجيدي ظهر منذ المؤشرات أعلاه، وزادت منه أحداث أخرى كمشاركة رئيس الحكومة وعدد من وزراء الحزب في التطبيع مع إسرائيل (حزبه يتخذ موقفاً رافضاً لهذا التقارب) وكذلك في تقنين استخدام القنب الهندي، ما يقوّي فرضية أن الحزب لن يحقق نتائج الانتخابات الأخيرة عندما وصل إلى رقم قياسي من عدد المقاعد في مجلس النواب.

إلّا أن هذا التراجع لا يعني بالضرورة خسارة الحزب للانتخابات وفق ما يؤكده مصباح، لافتاً أنه من الصعب التنبؤ بالنتائج، وأن الحزب "الإسلامي" سيكون غالبا بين الأحزاب الثلاثة الأولى نظراً لتوفره على قاعدة انتخابية صلبة.

 كما لا يستبعد المتحدث حظوظ أحزاب أخرى كالاستقلال (أحد أقدم الأحزاب المغربية) وكذلك حزب 'البام'، إلى جانب حزب 'الأحرار' الذي يتوقع مصباح أن يحقق نتائج أقوى مما حققه عام 2016.

وممّا لا يلعب لصالح البيجيدي، هو السياق الإقليمي الذي تراجعت فيه أحزاب الإسلام السياسي، خصوصاً بعد الانقلاب الأبيض في تونس ضد حركة النهضة. ويقول يونس مسكين إن المغرب دولة تتفاعل مع محيطها الإقليمي والدولي، وإن السياق الحالي يضغط بكل قوة نحو إخراج الإسلاميين من السلطة.

 ويتابع أن "المنظومة السياسية في المغرب، التي تحوز وسائل ضبط وتوجيه بوصلة الانتخابات، لن تتردد في بذل أقصى ما يمكن لإخراجهم من الحكومة، أو على الأقل من موقع ريادتها، بطريقة يمكن وصفها بالسلسة".

 

  اقرأ/ي أيضًا |

أهدر المخزن فرص تاريخية قلما يجود بها التاريخ للإصلاح

المغرب....نهاية الاستثناء وعودة السلطوية الفجة

 

عكس انتخابات 2016، تجمع انتخابات هذا العام بين ما هو تشريعي وما هو محلي
برلمان صوري: بعد سن قانون انتخابات أسس لما يعرف القاسم الانتخابي الجديد، قدمه وزير الداخلية الذي اختاره القصر، سيصبح صعبا على الأحزاب الكبرى كسب الكثير من المقاعد، مما يعني أن البرلمان سيكون أكثر تفككا وأن أي حكومة ستبدو أضعف من السابق.

 

أثر على البنية السياسية في البلد؟

جاء تجميع الانتخابات التشريعية مع المحلية (كانت تنظم سابقاً لوحدها) هذا العام ليزيد من الأسئلة حول مستقبل الأحزاب التي تبحث عن شرعية الصندوق الانتخابي لتأكيد منهجها القاضي بالإصلاح من الداخل، ومنها حزب العدالة والتنمية، في مقابل بعض الأحزاب المحسوبة على الأعيان وعلى أصحاب النفوذ الاقتصادي، إذ إن نتائج هذه الانتخابات قد يكون لها تأثير على مستقبل العمل السياسي، خصوصاً في حال ما تزعمها حزب واحد في شقيها التشريعي والمحلي.

ويرى مسكين أن هذا الجمع سيؤدي بالفعل إلى تغيير جوهري في الحياة السياسية: "منذ الاستقلال كان هناك فصل بين النوعين، التشريعية كانت تتسم بطابع سياسي، ايديولوجي، مرتبط بجوهر الديمقراطية والسلطة، بينما المحلية بقيت مجالاً خاصاً ببنيات تقليدية، أي الروابط القبلية والمناطقية والعائلية".

ويضيف: "ما سيحدث الآن، أن الأولى ستذوب في الثانية، وستبسط المرجعيات التقليدية سيطرتها على المشهد السياسي، ذلك أن المرشح النافذ محلياً سيوجه كتلته الانتخابية المحلية نحو المرشح البرلماني الذي يريد".

ومقارنة بدول أخرى ناطقة بالعربية، حافظ المغرب على انتخابات وعلى حياة سياسية نشطة توفر فيها الحدّ الأدنى من النقاش العام، لكن كذلك لم تصل التجربة حدّ خلق برلمان وحكومة بصلاحيات قوية.

ويوزع الدستور المغربي الصلاحيات التنفيذية بين المؤسسة الملكية والحكومة، غير أن دور الحكومة، تراجع خلال السنوات الأخيرة خصوصاً مع كثرة الأحزاب داخلها وتعدد الخلافات بينها.

لكن التراجع ظهر بشكل أكبر في وزارات 'البيجدي'، فيما توفرت صلاحيات أكبر لدى وزارات يقودها تكنوقراط - لا ينتمون لأيّ حزب سياسي- كوزارات الداخلية والخارجية والصحة، وأخرى يقودها حزب 'الأحرار' كوزارات الاقتصاد والفلاحة والصناعة.

ويرى محمد مصباح أن السياق الخاص لهذه الانتخابات لا يمنع القول إنها تدخل في إطار "استمرارية الروتين السياسي الذي تقوم به الدولة لتجديد النخب وضمان الاستقرار المؤسساتي وإعطاء الانطباع بوجود حياة سياسية".

ويشير مصباح إلى أن نتائج الانتخابات، كيفما كانت، "ستعزز غالباً من ثقل استمرار الدولة، وستحتفظ بالوضع القائم، كما أن السقف الانتخابي تمّ تحديده في إطار النموذج التنموي الذي تطرّق له الخطاب الملكي الأخير، والتنافس بين الأحزاب سيكون فقط في كيفية تطبيق هذا النموذج".

 

إسماعيل عزام

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021

 

المزيد من المقالات حول المغرب:

العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بعد ثورات الربيع العربي

حركة "20 فبراير".. ماذا بقي من النسخة المغربية للربيع العربي؟

المغرب: ازدهار اقتصادي في طنجة لا يلمسه الفقراء

المغرب....نهاية الاستثناء وعودة السلطوية الفجة

المغرب ـ مطبات في طريق التحول إلى قوة اقتصادية صاعدة

الاستمرار والتغيُر في العلاقات الأورو – مغاربية بعد الحراك العربي

معضلات السرديات...انتفاضات في مواجهة انتفاضات

ماذا بقي من الربيع العربي بعد عشر سنوات على انطلاقه؟